ملامح الربيع العربي.. بديهيات النجاح والفشل
بقلم د. مجدي حسين
مع تحفظي عن تناول قضايا القيل والقال، إلا أنه من الالتزام الأدبي أن أجعل لقلمي مجالاً لتناول بديهيات لعلي أنفع وانتفع بها. أدركت في وقت متقدم غرابة أن تكون الحشود الهائلة بميدان التحرير في يناير عام ٢٠١١ غافلة عن المسير إلى قصر الرئاسة بعابدين والذي يبعد ميلاً واحداً من الميدان. كنت أتساءل لماذا لم تتوجه هذه الطغمة لإعلان سقوط دولة مبارك وإعلان الجمهورية الجديدة؟ الإجابة الصريحة كانت أنه لم تكن هناك قيادة لهذه الثورة. غير أن غياب قيادة للثورة أصبح في فهم كثيرين بصورة أو أخرى شيئاً إيجابياً وذلك لتفادي إجهاض الثورة عن طريق تصفية قيادتها كما يزعم البعض. هذا البديهية الضرورية المفقودة تقودك إلى إدراك أن عفوية ثورات الربيع العربي كانت قاصمة لجهود متراكمة على عقود طويلة لمقاومة فساد الأنظمة الحاكمة.
ثم يأتيك سؤال آخر، ماذا كان يفعل بسطاء الناس وقد أجهدتهم النظم السلطوية في سبل معيشتهم وتطلعهم لمستقبل أفضل وقد رأوا متنفساً للتغيير؟ هل كنا ننتظر منهم أن ينتظروا فرصة أخرى تأتيهم بعد مئة عام أخرى لينفضوا عن أحلامهم أكوام التراب وتتفتح أعينهم لترى الضوء من جديد؟ أقول أن العوام البسطاء كانوا وما زالوا ضحية أصحاب الحناجر.. أصحاب المنابر. لعل المشهد بالسودان والجزائر يذكرنا بمشهد التحرير بحذافيره، طوفان من البشر يتظاهرون بغير قائد ولا خطة، ثم نتوقع نتيجة مغايرة لثورة ميدان التحرير. لست متشائماً ولكني مستغرباً فقد قابلت صديقين زائرين من ليبيا والسودان وسألتهما عن الأوضاع في البلاد، فدلوني على داء الثورات العربية في كلمة واحدة “الإرتجالية”.
من بديهات التخطيط أيضاً القدرة على طرح البدائل وهذا حتماً يعود بنا إلى النقطة الأولى وهي وجود قيادة محنكة واعية، تدرك لماذا ومتى وكيف يتحقق التغيير. هذا ليس كلام أكاديمي ولكن التاريخ يتحدث عن أن الثورات الناجحة استغرقت زماناً طويلاً للإعداد، ثم تجري مقادير الله بما تشاء. البدائل تحتاج أدمغة تجري فيها دماء من مشارب مختلفة. إنك بحال لن تتعرف على حلول بديلة إلا من وجهات نظر معاكسة. وأين يتأتى هذا وكل فئة متقوقعة بين مريديها وروادها. لم أتوقع كثيراً من النخب العربية لإنها إفرازات لمجتمع منهك غير مثقف.
كذلك لاحظت حالة من الحرص الشديد لحيازة رضى الغرب على ثورات الربيع العربي. صحيح أنه من المفترض أن يكون لهذا الخضم من الأحداث صداً عالمياً ولكن أهل مكة أدرى بشعابهم، أليس هذا ما تروجه الأنظمة الحاكمة عندما ينتهكون حقوق الإنسان بأوطانهم؟ هذا الحرص المبالغ فيه أدى لتطويع المد الثوري بصورة انتقائية لم تصب في صالح تغيير جذري ملموس. كان لابد من تحرر عقول النخبة من هذه التبعية الفكرية وتأثرها الشديد بمناهجها. ولا أبرئ أهل المهجر من طريقة تفكيرهم غير أنهم مواطنوا هذه البلاد وقد تغيرت طريقة تناولهم للأمور بعد عقود طويلة من المعيشة هناك. يظل أهل المهجر الثقات محل شورى وقت الحاجة.
ملمح أخير من ملامح الربيع العربي وهو معارك السوشيال على تويتر والفيسبوك وغيرهما. هذه المعارك الهلامية أخذت من جهد الشباب الكثير، فحرصهم ليتعدى الهشتاج نسبة كذا أو عدد كذا.. وآخرون مشغولون بعدد متابعيهم دون استثمار هذا في توعية الناس. هذا الحرص يا شباب لابد أن يكون ضمن إطار الأدوات وليست الغايات. إن لم يكن على أرض الواقع شيء ملموس، فكل هذا ضجيج بغير طحين. والأنظمة الحاكمة تدرك هذه البديهية وتزكي معاركها وتجعلها محل تنافس ومضيعة للوقت. ربما يأتي هذا متأخراً ولكن الدعوة لمظاهرات أو اعتصامات أو عصيان، كلها تفضي للفشل إلم تكون ضمن خطة من مجموعة لها قيادة واعية تملك البدائل وتتشاور مع الجميع. غير هذا فإنك ما زلت تعيد نفس الأخطاء منتظراً نتائج مغايرة.. لن يحدث.
(المصدر: مدونات الجزيرة)