بقلم البروفيسور الأمين الحاج محمد
السنة هي الدين، هي الإسلام، هي الشريعة، وهي وحي “ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه” وهي اسم جامع لكل أهل الإسلام إلاَّ أهل البدع من الخوارج والرافضة والمعتزلة، ومن شاكلهم من أهل الأهواء المعاصرين.
ورحم الله من شبه السنة بسفينة نوح، فمن ركب فيها فقد نجا، ومن لم يركب فيها هلك.
ومن العجيب الغريب إن يفتخر البعض بأنه ليس من أهل السنة حيث قال: “أنا لست سنياً ولست شيعياً” وما درى المسكين أنَّ تبرؤه من السنة هو تبرء من الإسلام.
لقد أمر الله بطاعة رسوله في القرآن في ثلاث وثلاثين آية. بل جاء ذلك من غير قيد ولا شرط: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا” [الحشر: 7] ولهذا لما اقترع أحد الوضاعين حديثاً يرمي منه لرد كثير من السنن: (إذا سمعتم مني حديثاً فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فقد قلته، وإلاَّ فلم أقله) أو كما قال هذا الدجال الكذاب.
فرد عليه أحد العلماء النبهاء قائلاً: أول حديث نرده بذلك هذا الحديث المختلق لأن الله قال: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا” وأنت جئت بهذا الشرط الباطل، لأن الرسول لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فقد نتثبت من صحة نسبة الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
لقد توعد الله عز وجل الرادين لشيء مما صح عنه بقوله: “فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” [النور: 64] وقد فسر الإمام أحمد الفتن بالشرك.
فإن الفارق بين أهل السنة الأخيار، وبين أهل الأهواء الفجار الأخذ بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقته الأمة بالقبول. لا يفرقون بين الأحاديث المتواترة ولا أحاديث الآحاد، ولا يقيمون وزناً للتقسيم الجائر، الذي هو ثمرة خبيثة من ثمار علم الكلام الباطل، إلى تقسيم الأحاديث إلى يقينية الدلالة وظنية الدلالة، لأنه تقسيم حادث لم يقل به أهل القرون الفاضلة.
أما بعد:
فقد نبتت نابتة في هذا العصر اتخذت المعتزلة أسوة لها، والمستشرقين وتلاميذهم قدوة، وهم لفيف من:
1. الشيوخ الضلال
2. المحامين الجهال
3. الشباب الأغرار
فردوا كثيراً من السنن التي تخالف أهواءهم، أو تدخلهم في حرج مع إخوانهم من الكفار.
فأضحوا يشككون في حملة أخبار النبي وينتقصونهم بدءاً من الصحابة ومن دونهم.
نعقوا بما خلفه لهم سلفهم الطالح، وزادوا عليه شبهاً لم تخطر على بال شياطين الجن مما يدل على أن شياطين الإنس أكبر ضرراً وأشد خطراً من شياطين الإنس.
فتطاولوا على حافظ السنة أبي هريرة رضي الله عنه وعلى أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله البخاري كما وصفه بذلك تلميذه الوفي مسلم بن الحجاج إذ لا يعرف الفضل لأهله إلاّ أهله.
زعم أحدهم أنه لا يقبل حديث انفرد به البخاري، وقال أحد الجراء الأشقياء: من البخاري حتى تعتد بصحيحه؟ أو كما قال أخزاه الله وأشقاه. رحم الله أبا زُرْعة الرازي القائل: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله. فاعلم أنه زنديق. وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة).
بضدها تتميز الأشياء
لا أريد أن أُدنس هذه الصفحات بما دنس به هؤلاء هواء الفضائيات وصحف الجرائد والمجلات. بل أريد أن أشنف آذانك أيها الأخ الكريم ببعض ما كان عليه سلفنا الأخيار من إجلال السنة وتوقيرها واعزازها لتعلم البون الواسع، والفرق الشاسع بين سلف هذه الأمة وبين ما أحدثته تلك الطائفة المشؤومة والجماعة المخذولة.
• قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: (ثلاثة أنا فيهن رجل لا ككل الرجال، وما سوى ذلك فأنا رجل من الرجال. ما صليت صلاة فتشاغلت عنها، ولا صليت على جنازة إلاَّ وحدثت نفسي بما تقول ويقال لها، ولا سمعت من رسول الله حديثاً إلاَّ وايقنت أنه حق). قال سعيد بن المسيب راوي هذا الأثر: ما كنت أظن أن هذه الصفات تكون في غير الأنبياء أو كما قال.
• روى ابن عبدالبر بسنده إلى داود بن المجد، قال: قيل لأبي حنيفة المحرم لا يجد الإزار يلبس السراويل؟ قال: لا، ولكن يلبس الإزار. قيل له ليس له: إزار؟ قال: يبيع السراويل ويشتري بها إزاراً. قيل له: فإن النبي خطب وقال: “المحرم يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار”. فقال أبو حنيفة: لم يصح في هذا عندي عن رسول الله شيء فأفتى به، وينتهي كل امريء إلى ما سمع. وقد صح عندنا أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال: “لا يلبس المحرم السراويل” فننتهي إلى ما سمعنا. قيل له أتخالف النبي؟ فقال: لعن الله من يخالف رسول الله، به أكرمنا الله وبه استنقذنا). [الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء مالك، والشافعي، وأبوحنيفة لابن عبدالبر صـ140-141].
• قال الربيع المرادي تلميذ الشافعي رحمهما الله: (سمعت الشافعي يقول، وسأله رجل عن مسألة، فقال: روي عن النبي أنه قال: كذا وكذا. فقال له السائل: يا أبا عبدالله أتقول بهذا؟ فارتعد الشافعي وأصفر، وحال لونه -أي تغير- وقال: ويحك! أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله شيئاً فلم أقل به؟! نعم على الرأس والعين، نعم على الرأس والعين). [رواه الحاكم]
• وفي رواية قال لهذا الرجل: أرأيت في وسطي زناراً؟ – من زي اليهود – أتراني خرجت من كنيسة؟ أقول قال النبي، وتقول لي (أتقول بهذا)؟!
• وقال الشافعي رحمه الله: (آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله).[لمعة الاعتقاد لابن قدامة صـ4]
• وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر). [الإعتصام للشاطبي جـ1/80].
• رأى سعيد المسبب رجلاً يصلي بعد الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيها الركوع والسجود فنهاه.فقال: يا أبا محمد، يعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على مخالفة السنة). [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى]
• وروى مالك أن عمر بن الخطاب ضرب ابن المنكر على صلاة بعد العصر. فقيل له: أعلى الصلاة؟ قال: لا، على خلاف السنة). [مالك في الموطأ جـ1/221 رقم الحديث “518”]
• حكى ابن الصلاح في مقدمته صـ28 عن إجماع الفقهاء أنهم أفتوا من حلف بطلاق امرأته إن لم يكن ما بين دفتي صحيح البخاري قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأته لا تطلق.
نكتفي بهذا القدر فالقليل من هذا يكفي المنصف والكثير لا يقنع المتعسف.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا وذرياتنا من الراشدين وصلى الله على الناصح الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين.
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)