مقتطفات من كتاب (الإسلام ثوابت ومحكمات) للدكتور محمد يسري إبراهيم | (12) الجهاد في سبيل الله
بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)
فضل الجهاد وغايته
الجهاد في سبيل الله فريضة ماضية وصفقة رابحة في الدنيا والآخرة، وباب عظيم من أبواب النصر والتمكين في الدنيا، وهو من أعظم أبواب الجنة في الآخرة، صاحبُه كالصائم القائم القانت بآيات الله لا يَكَلُّ، ولا يَمَلُّ، ولا ينقطع عنه الأجر.
والجهاد يتناول معناه العام كلَّ جهدٍ يُبذل، وكلَّ وُسْع يُستفرغ لنصرة الدين؛ سواء أكان ذلك بالسيف والسنان، أم كان بالحجة والبيان.
ليس للجهاد من هدفٍ إلا إزالةُ العقبات التي تحول دون هداية الخلق إلى دين الحق، وتعبيد الإنسان للواحد الدَّيان، بإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وإخلاء العالم من الفتنة والفساد، وما يتبع ذلك من رد اعتداء المعتدين وتقوية دولة المسلمين، وحفظ دين رب العالمين.
قال الله تعالى:
حكم الجهاد
والجهاد فرض كفاية، وقد يتعين إذا عَيَّنَ الإمام شخصًا بعينه، أو إذا حضر القتال والتقى الصفان، ولاستنقاذ أسرى المسلمين، وإذا نزل العدو بلدًا من بلاد المسلمين فغلب عليه كما في فلسطين فعندئذٍ قد تعين الدفع على كل قادر حاضر من أهل تلك الديار، فإن عجزوا امتد الوجوب إلى من يليهم من أهل الآفاق.
وترك الجهاد والتخاذل عنه طريق الهلكة والخسران وسبب الذل والهوان، ولحكمة بالغة كانت الحرب سجالًا بين أولياء الله وأعدائه ليبتلي الله بعضهم ببعض، وليمحص قلوب المؤمنين، ويظهر فضل المجاهدين الصادقين، ثم إن الجولة الحاسمة تكون لحزب الله المؤمنين وجنده الصادقين.
قال الله تعالى:
شروط الجهاد وآدابه
وللجهاد شروط لصحته وأخرى لوجوبه، ومنها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، ومن آكد تلك الشروط:
تحقق القدرة بما يناسب الزمان والمكان، وتوقع النصر والظفر، وحسن ترتيب الأولويات، ووضوح الرايات، وسلامة الولاءات، وتحقق المصلحة عند الصراع مع أعداء الأمة والدين، والنكاية في الكافرين.
ولا يتحقق هذا إلا باجتماع أهل العلم بالشرع والدراية بالحرب من أهل الحل والعقد، فإن تخلف ذلك كان القتال تغريرًا بالأنفس فيما لا طائل تحته، ولا غناء فيه، وصار الانكفاف عنه مطلوبًا.
ويتعين الانتباه إلى مزالق استعجال المواجهة بلا عدة كافية ولا مكافئة، والانطلاق من ردود الأفعال، والتفريط في عدة الإيمان واليقين، وضعف التوكل والاحتساب.
قال الله تعالى:
وجوب استيفاء شروط المشروعية في الأعمال الجهادية
بالنظر إلى الواقع المعاصر ومآلات الأعمال فإن كثيرًا من الأعمال القتالية المعاصرة داخل بلاد المسلمين لم تستوف شرائط المشروعية، فجاءت بنقيض ما شرع الجهاد لتحقيقه، فأغاظت قلوب المؤمنين، وشفت قلوب الكافرين، وإنما المراجعة والمنازعة في حساب المصالح والمفاسد، والموازنة بين المنافع والمضار، وما لم تترجح كفة المصالح والمنافع لم يشرع قتال، ويتأكد هذا الحكم حال عدم النكاية وغلبة الظن بالهلكة.
فالأعمال الجهادية ليست مجرَّد أعمالٍ انتحارية مطلقة، وإنما يجب أن تحقق مصلحة وتفضي إلى مقصودها، وألا تقابل بمفسدة راجحة، ولا مانع من الإفادة من مراحل تشريع الجهاد، وما وقع من الهدنة بعد القتال.
ولا يخفى أن هذا الباب مزلة أقدام ومدحضة أفهام، وكثيرًا ما يقع فيه الاشتباه، وقد تقارن الأهواء الآراء، وتختلط النزعات الشخصية بالاجتهادات الفقهية، والمعصوم من عصمه الله، وإنما النصر من الله وحده.
قال الله تعالى:
***