مقالاتمقالات مختارة

مقاومة الاستبداد ليس لها «كتالوج»!!

مقاومة الاستبداد ليس لها «كتالوج»!!

بقلم د. محمد علي المصري

الشيخ سليمان الجوسقي.. زعيم جيش العميان وصافع وجه نابليون بونابرت!!

من ظن أنه ضعيف فليراجع نفسه.. من ظن أنه لا يستطيع فهو مخطئ.

هل أتاك حديث الشيخ سليمان الجوسقي؟!!

إنه الشيخ الأزهري الأعمى الذي لم تمنعه (إعاقته) عن مقاومة الفرنسيين، فكوَّنَ كتيبة من (العميان) لمقاومة الفرنسيين، وأنفق عليهم ما أفاء الله عليه من عمله، ومما ورثه عن أسرته.

وكانت الكتيبة تعمل في (الجاسوسية)! فتنقل أخبار العدو الفرنسي إلى المقاومين، بل وتقوم بالدعم (اللوجستي) بشراء السلاح للمقاومين، وتسليمه لهم دون أن يدري الفرنسيين من وراء هذه الأعمال.. بل ووصلوا إلى حد القيام باغتيال العسكر الفرنسيين في أزقة وحارات القاهرة!!

وكان شيخنا البطل (الأسطورة) يتفقد الكتيبة التي أسسها من على حماره الذي يعرف الطريق! ويمشي في أسواق القاهرة وأزقتها دون أن يشك فيه أحد .. إنه أحد أبطال ثورة القاهرة.. على بونابرت! وكم بونابرت ظهر بعد بونابرت!

لكنه سجّل -أيضا- موقفا تاريخيا له لما أيقن أنه ميت لا محالة عندما علم الفرنسيين أن هذه الكتيبة يقودها الشيخ سليمان الجوسقي، وكانت الدهشة والعجب الذي أصاب الفرنسيين عن قوة هذا الرجل، وذكائه، وتفانيه، ومن كانت هذه صفاته فلو تم تغيير ولائه لكان مكسبا للعدو.. فأصر نابليون بونابرت على مقابلته بنفسه، وتحدث معه.

وهنا. وجد رجلا (أعمى) لا يقل عن جنرالاته وعسكره في قوة القلب، وحُسن التخطيط والتنظيم والتنفيذ، فأراد استمالته.

وعرض عليه أن يكون سلطانا على مصر.. وبالطبع تحت الحكم أو الحماية الفرنسية.

لكن الشيخ الأعمى، صاحب البصيرة، لم يعتمد على المنهج المنكوس بما أسموه زورا بفقه المصالح والمفاسد، ودفع أخف الضررين، لم يقل أنه لو أصبح سلطانا أو واليا على مصر لأمكنه رفع بعض الضرر عن أهل مصر، فهذه المواقف لا يعرفها أنصاف الرجال، ولا أشباه الذكور، بل لا يعرف الإجابة عليه إلا الأبطال المقاومون.

إنها موتة واحدة.. ولو قبل المنصب لعد ميتا، ولو رفضه لعد ميتا أيضا، فليختم حياته بما يحتج به أمام المولى تبارك وتعالى.

تظاهر الشيخ سليمان الجوسقي.. شيخ العباقرة.. بالموافقة على العرض.

هنا تهلل بونابرت، وحدثته نفسه -بلا شك- أنه لا أحد إلا ويباع ويشترى، وأن لعاب الكلاب لابد أن يسيل إذا اشتم عظاما.. لكن لم يدرك أنه لا يتعامل مع كلاب.. وإنما يتعامل مع.. رجال.

هنا .. امتدت يد نابليون ليصافح الشيخ سليمان الجوسقي، ويبايعه على هذا الاتفاق، وعندما سمع الشيخ يد بونابرت وهي تتحرك محركة ذرات الهواء لتمتد إلى الأمام؛ وقعت المفاجأة على وجه نابليون بونابرت!

فلم تمتد يد الشيخ إلى يد بونابرت.. بل امتدت لصفعه على وجهه صفعة لا يزال التاريخ يذكرها، فكان خياره رحمه الله: الشهادة، ولا نعطي الدنية في ديننا أو كرامتنا.

فهنيئا للشيخ سليمان الجوسقي شهادته بعد فزع وغضب نابليون بونابرت، وهنيئا لرفقته للصالحين والمجاهدين والمقاومين للظلم والاستبداد في الأرض.. وحسن أولئك رفيقا.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى