مقالاتمقالات مختارة

مقاصد الشريعة في فريضة الحج

مقاصد الشريعة في فريضة الحج

بقلم عزة مختار

العبادة استسلام

من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن أظهر بعض الحكم والمقاصد للعبادات التي تخرج عن دائرة المفاهيم العقلية، والأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى الحكم والمقاصد، وفي العادات التأمل في الحكم والمقاصد، ومن هذه العبادات التي تحمل بعض الطقوس التي لا يدرك كنهها عقل مثل رمي حجر، وتقبيل حجر آخر، ومثل السعي بين الصفا والمروة، ولمَ كان الطواف سبعة أشواط دون غيره من الأرقام فريضة الحج! كل هذه الطقوس قد يتساءل البعض ما الحكمة منها؟ وماذا يستفيد المسلم من إتيانها؟

ولذلك فإن مقاصد الحج تدور في مجملها على تصحيح عقيدة التعبد والتسليم المطلق لأوامر الله عز وجل في فعل ما تعرف حكمته، أيضاً تدور حول توحيد المسلمين، وجمع شملهم حول قبلة واحدة، ومناسك واحدة في نفس الوقت، وذلك تربية للفرد والمجتمع، وتزكية وتطهير للنفوس والأبدان، هذا غير المنافع التي يبتغيها المسلم بأداء فريضة الحج، كالتجارة والكسب والعمل؛ لقول الله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 28] ؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “منافع الدنيا والآخرة، فأمَّا منافع الآخرة، فرضوان الله -جل وعلا-، وأمَّا منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذَّبائح والتجارات”.

إن مقاصد الحج تدور في مجملها على تصحيح عقيدة التعبد والتسليم المطلق لأوامر الله عز وجل في فعل ما تعرف حكمته، و تدور أيضاً حول توحيد المسلمين، وجمع شملهم حول قبلة واحدة، ومناسك واحدة في نفس الوقت

-بعض مقاصد الحج:

ولقد جعل الله عز وجل في الحج دروساً وعبراً ومقاصد لها شُرع، ومن أجلها فُرِض ليكون الركن الخامس من أركان الإسلام، لا يكتمل دين المسلم إلا إذا أداها حين يستطيع إليه سبيلاً، من مال وصحة ورفقة آمنة، ومن هذه المقاصد والدروس التي لا يمكن حصرها:

أولاً-

تحقيق كامل الخضوع والاستسلام والإذعان لله عز وجل ككل عبادة فرضها الله على عباده؛ لذلك افتتح النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- حجته بالتوحيد، كما يقول جابر -رضي الله عنه-: “فأهلَّ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”، كذلك فعل الأنبياء من قبل، ففي صحيح مُسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- مَرَّ في حجِّه بوادي الأزرق، فقال: (أيُّ وادٍ هذا؟) قالوا: “هذا وادي الأزرق”، قال: (كأنِّي أنظر إلى موسى -عليه الصلاة والسلام- هابطًا من الثَّنِيَّة له جُؤار إلى الله -تعالى- بالتلبية)، ثم أتى على ثَنِيَّة أخرى، فقال: (أيُّ ثنية هذه؟) قالوا: “ثنية كذا وكذا”، قال: (كأنِّي أنظر إلى يونس بن متَّى -عليه الصلاة والسَّلام- على ناقةٍ حمراء، عليه جبة من صوف وهو يُلبي).

فالتلبية إيجاب من العبد لنداء ربه حين أمر إبراهيم عليه السلام بالنداء في الناس بالحج، فينفق المسلم ماله، ويترك أهله وبيته وبلاده متوجهاً بقلب خالص لله عز وجل حيث بيته، فتتجلى في “لبيك اللهم لبيك” عمق العبادة والذل والاستسلام والخضوع لرب العالمين، والقلب الذي لبى وترك خلفه الحياة جميعها، هو قلب يجب أن يعي ألا خشية إلا من الله، ولا منفعة ولا ضرر إلا بإذن الله، وحين تصل تعتمل تلك المعاني في قلب المسلم، فإنها حتماً ستتحول لسلوك، سلوك يرفض الخضوع لغيره سبحانه، ويرفض الخوف إلا منه، ويأبي الانحناء لأحد من البشر، فيكون مسلماً عزيزاً قوياً،

والأمة في مجملها مجموعة أفراد ومجتمعات، تستقيم باستقامة أفرادها، وتتوه وسط ركام الوهن بضعف هؤلاء الأفراد!

ثانياً-

المقصد الثاني من مقاصد الحج، هو ذلك الدرس العظيم من دروس امرأة آمنت واستسلمت لأمر ربها، فكانت جديرة بأن يتحول فعلها لمنسك من مناسك فريضة يؤديها المسلمون من شتى بقاع الأرض كل عام، وتهفو قلوبهم لتأديتها.

وحين يتحول سلوك امرأة لعبادة فهو حري بنا أن نقف عنده طويلاً ونتساءل: لم اضطر الله عز وجل تلك الأم المسكينة التي تركها زوجها وحدها وابنها الرضيع في صحراء قفر دون كلأ، تسعى بين جبلين تبحث عن شيء تنقذ به رضيعها من الموت جوعاً!؟

إن الدروس العملية للأمة لا ينزلها الله عز وجل في آيات نظرية تتلى، وإنما تلك الدروس يفعلها أناس مصطفون، اختارهم الله عز وجل على عينه ليتم بهم دينه، فيعلمون الناس من ابتلاءاتهم وثباتهم على طريق الحق وفي سبيله، كانت السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام تبحث عن ماء، فتصعد للصفا، ثم تهبط لتصعد للمروة، وتتم سبعة أشواط بينهما، فيرسل الله عز وجل الماء من تحت قدم وليدها، وقد كان قادراً سبحانه على أن ينبع الماء دون سعيها، لكن الأمة لا يجب أن تتكل، يجب عليها بذل الجهد؛ كي تستحق معية الله ونصرته ورزقه.
يجب على الأمة أن تنهض بنفسها ولا تنتظر العون من السماء إلا وهي قائمة على أمر ذاتها، فلا يكفي أن تقرر أن تتغير، بل يجب البدء في التغيير؛ كي تستحق العون.

إن الأرض تتهيأ لمن يسعى فيها ولو كان كافراً، والسماء تعمل مع المجتهد الملتمس للأسباب، بالسعي والجهد بالإيمان والنية الصالحة، فهو الفلاح والنجاح والكسب والنصر، لقد صارت خطوات هاجر منسكاً يتعبد به الناس إلى يوم الدين؛ لأنها أدت ما عليها، والتمست الأسباب من المسبب، سعت وهي على يقين أن الله لن يضيعها أبداً!

يجب على الأمة أن تنهض بنفسها ولا تنتظر العون من السماء إلا وهي قائمة على أمر ذاتها، فلا يكفي أن تقرر أن تتغير، بل يجب البدء في التغيير؛ كي تستحق العون

ثالثاً-

وفي الحج تتحقق العدالة والمساواة بين الناس، ففي الملبس يرتدون ما يشبه الكفن الموحد، لا تجد فرقاً بين فقير وغني، ومتعلم وأمي، وأبيض وأسود، الكل أمام ربهم سواء في زيّ موحد، يؤدون نفس المناسك في نفس التوقيت، يلهجون بدعاء واحد، وتلبية واحدة، فالكل في بيت الله سواء، والكل في رحاب الله فقراء، والكل في حضرة العبادة محتاجون.

تلك هي بعض مقاصد الحج، والتي لا يمكن حصرها، فهلمّ إلى الأعمال الطيبة في خير أيام طلعت عليها الشمس، أيام تجدد الروح الإيمانية للمؤمنين، وتعيد للأذهان روح شهر رمضان المبارك من صيام وصلاة وقيام وإنفاق وصلة أرحام، هلمّ للعودة لله والتوبة إليه في وقت نحن فيه نحتاج لمعيته ونصرته.

(المصدر: موقع بضائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى