مقالاتمقالات مختارة

مقاصد الدعوة عند التابعين وأتباعهم

مقاصد الدعوة عند التابعين وأتباعهم

بقلم الدكتور نجوغو امباكي صمب

الحلقة (8)

في هذه الحلقة يتم ذكر بعض الآثار المروية عن السلف الصالح رحمهم الله من جيل التابعين وأتباعهم مما لها صلة وعلاقة بمقاصد الدعوة إلى الله تعالى وحكمها وأسرارها وغيايتها ، ومنها ما يلي :

1-     عمر بن عبد العزيز رحمه الله.

كتب حيان بن شريح عامل عمر بن عبد العزيز على مصر رسالة إليه يقول فيها (( إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية )) ، فكتب إليه عمر: (( أما بعد فإن الله بعث محمدا داعيا ولم يبعثه جابيا ، فإذا أتاك كتابي هذا فإن كان أهل الذمة أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية فاطو كتابك وأقبل ))   ، و يا له من درس بليغ وتوجيه سديد من هذا الإمام العادل والخليفة الراشد ، يذكر فيه عماله ومن بلغه من سائر الأمراء والولاة بالمقصد العام لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مقصد الهداية إلى الحق ، فإذا اهتدى الناس ودخلوا في دين الله وأسلموا لربهم ، عصموا دمائهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام ، فكل الأحكام والشرائع التي فيها أخذ للأموال أو إخضاع للرقاب أو فتح للأراضي … ، فكلها وسائل وذرائع وليست من جنس المقاصد والغايات الشرعية ، ولذلك فإن هداية رجل واحد فقط ومعرفته للحق وقبوله في ميزان الإسلام خير من جميع كنوز الأرض ، فكيف بهداية طائفة أو قرية أو شعب ودخولهم إلى الإسلام، قال ابن رجب رحمه الله ((فكان صلى الله عليه وسلم شغله بطاعة الله والدعوة إلى التوحيد، وما يحصل في خلال ذلك من الأموال من الفيء والغنائم يحصل تبعاً لا قصداً أصلياً، ولهذا ذم من ترك الجهاد واشتغل عنه باكتساب الأموال ))  .

2-     عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله.

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم   ((وحقٌّ والله على من اتّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكِّر بالقرآن والموعظة، ويَنْهَى عن معاصي الله ))   ، وهذا من الثوابت التي لا تخضع لاختلاف الأزمنة أو تغير الظروف والعوائد ، فيجب على الدعاة والمصلحين اتباع المنهج النبوي في الدعوة والإصلاح والأمر والنهي ، فيدعون إلى ما كان يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالطريقة والأساليب التي سلكها بأمر الله تعالى وإذنه ، كما قال تعالى في محكم تنزيله (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ))  ، قال ابن كثير رحمه الله ((يقول الله تعالى لعبد ورسوله إلى الثقلين: الإنس والجن، آمرا له أن يخبر الناس: أن هذه سبيله، أي طريقه ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي))   .

ووجوب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في منهج الدعوة وطريقة الأمر والنهي ، لا يعني بالضرورة عدم اجتهاد الدعاة والمصلحين في مواكبة العصر والإبداع في مجال نصرة الدين وإعلاء كلمة الله بما لا يخالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحقق المقاصد والغايات من الدعوة والأمر والنهي .

3-     سفيان الثوري رحمه الله.

قال سفيان الثوري رضي الله عنه (( إِذَا أَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَدْتَ ظَهْرَ الْمُؤْمِنِ، وَإِذَا نَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمْتَ أَنْفَ الْمُنَافِقِ )) ، وفيه بيان لبعض مكارم الدعوة والأمر والنهي ، وهو تقوية المؤمن المستقيم على الصراط والالتزام بالشرع ، وذلك بتثبيته وتنشيطه ، حتى لا يضعف أو يفتر أو ينقطع ، وتصحيح مساره حتى لا ينحرف ذات اليمين بالإفراط ، أو ذات الشمال بالتفريط ، كما أن في الدعوة والأمر والنهي إرغاما للمنافق وإقامة للحجة عليه ، حتى يعلم أنه ليس على شيء من الدين ينفعه في الدنيا أو ينجيه في الآخرة ، وأن عليه أن يصدق مع نفسه , ويخلص لربه إن هو أراد النجاح والفلاح ، فالتدين والالتزام على مراتب ودرجات يتفاوت فيه المتدينون الملتزمون علما وعملا وصدقا وقوة ، وتصيب التدين آفات وعلل  في القصد والتوجه أو في الشكل والمظهر ، و في الظاهر والباطن ، ولا بد للداعية والآمر والناهي أن يتفطن لهذه الأسرار حين يتعامل من المتدينين ، وحين يدرس ظاهرة التدين ويحللها ويناقشها .

4-     وهيب بن الورد بن أبي الورد رحمه الله.

إشاعة الدعوة والأمر والنهي وجعلها عملا مشروعا ومقننا في المجتمع مقصد من مقاصد الدعوة وغاياتها ، فعن وهيب بن الورد بن أبي الورد ، مولى بني مخزوم   قال: (( لقي عالم عالما هو فوقه في العلم، فقال: يرحمك الله، ما الذي أخفي من عملي؟ قال: ما يظن بك أنك لم تعمل حسنة قط إلا أداء الفرائض، قال: يرحمك الله، فما الذي أعلن من عملي؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه دين الله الذي بعث الله به أنبياءه إلى عباده، وقد اجتمع الفقهاء على قول نبي الله صلى الله عليه وسلم: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ}، قال ما بركته تلك؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان)).

وفي هذه الدرة السلفية توجيه للدعاة والمصلحين إلى الإعلان عن جهودهم وإشهارها وتقنينها وتنظيمها، حتى تكون معروفة بين الخاصة والعامة بمقاصدها ومنافعها وأسمائها وعناوينها الواضحة البينة، وبذلك تكون تلك الجهود مباركة وثمارها يانعة، وهذا عكس العمل التنظيمي والتربوي الداخلي التي الأصل فيها الخصوصية والإسرار والهدوء والخمول، وذلك لتعلقها بمقصد التزكية والتدريب للأفراد والمجموعات الخاصة.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

يتبع …إن شاء الله.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى