مقالاتمقالات مختارة

مفهوم سد الذرائع في الاستنباط والتأصيل الفقهي في علم أصول الفقه

مفهوم سد الذرائع في الاستنباط والتأصيل الفقهي في علم أصول الفقه

بقلم الشيخ محمد مكركب أيران

قال السائل:

(و. ل) من الجزائر. قرأت فتوى على صفحات التواصل الاجتماعي، وفيها أن الفقيه علل في استنباطه الحكم بسد الذرائع، وقال هذا الشيء مباح في ظاهره ولكن يؤدي إلى الحرام، فلا يجوز العمل به. فما هو مفهوم {سد الذرائع} وكيف يكون الشيء مباحا، وغير مباح في نفس الوقت؟ وهل من مثال من القرآن الكريم أو السنة النبوية؟

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: مفهوم {سد الذرائع} السد في اللغة: إغلاق الخلل، والذريعة، معناه الوسيلة والسبب الموصل إلى شيء آخر، والجمع ذرائع وذريعات، ومفهوم سَدِّ الذرائع في أصول الفقه: قطع الطريق المؤدية إلى الإثم والمعصية، بمنع شيء ظاهره أنه مباح ويكون سببا موصلا لشيء محرم. {فسدّ الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته: منع المباحات التي يتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات} وقد يكون الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى مفسدة. غير أنني أذكر بأنه كما لا يكون التحليل بالظن فيما هو حرام، كذلك لا يكون التحريم بالظن، لا يقال بسد الذرائع حتى يتم التأكد يقينا بأن ما حرم كان سيؤدي إلى الحرام قطعا، ثم إن الأصل في الأشياء الإباحة، وهذا أصل كبير في الإسلام. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: قال السائل؟ وكيف يكون الشيء مباحا، وغير مباح في نفس الوقت؟ وأقول للسائل تدبر مرة أخرى مفهوم سد الذرائع، أنه ليس تحريم المباح، وإنما إذا كان فعل المباح بطريق أو في ظروف يؤدي إلى المحظور. أي: الأشياء التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور. فالبيع أصله مباح، ولكن يحرم وقت صلاة الجمعة، والأصل في جلوس رجل في مكان في حديقة أو بستان أنه مباح، ولكن إذا أدى إلى خلوة مع أجنبية، يصبح محرما لما ترتب عليه، ومثال ذلك يحرم بيع السلاح لمن يعلم أنه يريد قطع الطريق على المسلمين أو إثارة الفتنة بينهم. ومن القواعد: (وجوب التلازم بين الغاية والوسلية). والذرائع أصل من أصول المدرسة الفقهية المالكية إلى جانب: الكتاب، والحديث، والإجماع، والقياس، والاستحسان، وقول الصحابي، وعمل أهل المدينة. وفي حاشية الصاوي على الشرح الصغير:{يَحْرُمُ عَلَى الْمُكَلَّفِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى اتِّخَاذُ إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ} (1/61) قلت: ومن ذلك لا يجوز اتخاذ صناعة التماثيل واقتناؤها للزينة، ولا نصبها في مداخل القصور، والساحات، لكي لا تكون ذريعة لتقديسها، كما لا يجوز، تعليق صليب، كما لا يجوز بناء ولا ترميم كنيسة أو فعل شيء من طقوس المخالفين للدين، والدين عند الله الإسلام.
ثالثا: قال السائل: وهل من مثال من القرآن الكريم أو السنة النبوية؟ من الأمثلة في القرآن الكريم. قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾[البقرة:104] فنهى الله سبحانه عن كلمة (راعنا) مع أنها كلمة سليمة ومباحة في أصلها، ونهى الله تعالى عنها لئلا يكون ذلك ذريعة لليهود إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم، لأن كلمة (راعنا) في لغتهم سب للمخاطب، واستهزاء بمن يخاطبونه بكلمة (راعنا).
ومن باب سد الذرائع إلى الزنى، ورد في الشرع تحريم النظر السيء إلى المرأة إذا كان القصد التشهي والتحرش، وتحريم الخلوة بها. ومن باب سد الذرائع تحريم بيع وسيلة إذا علم أنها تستعمل في المحرمات،. ومن باب سد الذرائع قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[النعام:108] فالنهي عن سب صلبان الكفار وآلهتهم، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب الله تعالى. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: من القواعد الكلية الفقهية:{لا ضرر ولا ضرار} ومنها: {درء المفاسد مقدم على جلب المصالح} فأي شيء تتساوى فيه المصلحة مع المفسدة وجب تركه واجتنابه، أما إذا كانت المفسدة أكبر فمن باب أولى يكون الترك. ولذلك ورد في الحديث. وقد أوصى النبي عليه الصلاة والسلام الحسن بن علي، قال له:[دع ما يريبك إلى ما لا يريبك](الترمذي:2518)لأن الأحكام في الشرع على الحقائق لا على الظنون. ومن هذا الباب {يرجح النهي على الأمر، إذا وجد ظاهر نص فيه أمر بالفعل، أو بالإباحة، ونص فيه النهي عن فعل ذلك الفعل، فيرجح النهي} وفي الحديث عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، قال: سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ـ وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه ـ [إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ] (مسلم. كتاب المساقاة. رقم: 1599) فترك المسلم المشتبهات سبب لحماية دينه وعرضه. [فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ]والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى