مقالاتمقالات المنتدى

معركة الطوفان والقانون الدولي لحقوق الإنسان

معركة الطوفان والقانون الدولي لحقوق الإنسان

بقلم رانية نصر “عضو هيئة علماء فلسطين” (خاص بالمنتدى)

يفصلنا عن الاحتفال باليوم العالميّ لحقوق الإنسان شهرٌ واحد من الآن؛ حيث تم تخصيص العاشر من كانون الأول/ديسمبر مِن كل عام ليكون يوماً عالمياً يعبّر عن كرامة الإنسان وأحقيّته في الاعتقاد والحريّة والممارسات، وهذه الحقوق كما ذكرَتها منظمة الأمم المتحدة؛ حقوق مُتأصّلة في البشر جميعهم مهما كانت جنسيتهم أو مكان إقامتهم أو نوع جنسهم أو أصلهم الوطني أو العرقي أو لونهم أو دينهم أو لغتهم أو أي وضع آخر، فالجميع متساوون في هذه الحقوق الإنسانيّة دون تمييز، كما أنّ هذه الحقوق مترابطة وشمولية وغير قابلة للتجزئة!
وكما تدّعي منظمة الأمم المتحدة بأن القانون الدولي لحقوق الإنسان على الصعيد الثقافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي قانون مُلزِم للدول الأعضاء وتتقيّد به وباحترامه، وتدّعي كذلك بأن قوانين حقوق الإنسان واحدة من الإنجازات العظيمة التي حققتها الأمم المتحدة، وأنها مدونة شاملة ومحمية دولياً بآليات تضمن تطبيقها على أرض الواقع!
ويُذكر أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول/ ديسمبر عام 1948 ليترجم تلك القوانين كتابياً في وثيقة حقوقية، وحسب الأمم المتحدة أن هذه الوثيقة هي الأكثر ترجمة في العالم حيث تُرجِمت إلى أكثر من 500 لغة.
ومن الجدير بالذكر أن القانون الدولي لحقوق الإنسان لحقته سلسلة من المعاهدات الدولية كرّست لمبدأ حقوق الإنسان، ومنها اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية (1948)، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979) وإتفاقية حقوق الطفل (1989)، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2006) وغيرها.
وأكثر من هذا كله تم تخصيص لجان لخبراء تراقب الالتزام بتطبيق المعاهدات يترأسها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ويضطلع بمهام المراقبة على الأنشطة الميدانية في هذا المجال!
جاءت معركة طوفان الأقصى لتُعرّي زيف هذه الادعاءات، ولتكشف إزوداجية المعايير في التطبيق، فهذه القوانين والمعاهدات الدولية أثبتت فشلها الذريع وانحيازها الفجّ ضد كرامة الإنسان المسلم، وأنها قابلة للتطبيق في نطاق دون آخر؛ مما يشي بعنصريّة القائمين عليها وتحيّزهم لأيدلوجيات دون أخرى، وأكدت أنّ مبدأ الحيادية غير قابل للتطبيق على المجتمعات الإسلامية، وأبطلت ادعاء تطبيق هذه القوانين دون تمييز ديني أو غيره، فهذه القوانين التي تمنع وتُحرّم الإبادة الجماعية وتعاقب عليها؛ أقرّت -بسكوتها هذا- تلك الإبادة والمجازر الضخمة، وأثبتت الاتفاقية الدولية التي صادقت على القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري أنها عاجزة عن العمل في غزة، وأكدت اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل أن المرأة الفلسطينية والطفل الفلسطيني غير مشمولين بتلك الاتفاقيات!
طوفان الأقصى جاء كاشفاً لزيف تلك الأنظمة المُدّعية العدل والقيم والحرية والمبادئ، وجاء فاضحاً لخلل تطبيق تلك القوانين والمعاهدات العرجاء، هي ليست إلا شعارات رنّانة يراد خداعنا بها، فضلاً عن أنها تخضع لأجندات مخفيّة يقودها محور الشر في العالم.
تُباد غزة اليوم إبادة جماعية على الهواء مباشرة أمام أعين العالم وتنتهك كرامة الإنسان فيها دون أن يحرك العالم ساكناً، يقف العالم صامتاً أمام المجازر المُروّعة التي تُرتكب يومياً بحق الشعب الذي يدافع عن أرضه وعرضه وكرامته، وتُستهدف مراكز إيواء اللاجئين والمستشفيات بطريقة وحشية في ظل ردود أفعال باردة لا ترقى لمستوى الردود الفاعلة القادرة على تغير الواقع الكارثي!! الذي يحدث في غزة اليوم لا تقبله أخلاق ولا شرائع ولا قيم ولا إنسانية.
إن ما يحدث في غزة اليوم جريمة حرب بشعة بحق البشرية جمعاء دون استثناء، وقد كشفت معركة طوفان الأقصى نفاق المجتمع الدولي وعدم مصداقية القوانين الدولية المعنية بالحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته وحريته، وأثبتت أن الحرب بيننا وبينهم هي حرب عقيدة ودين، فهذه الأنظمة تحارب الإسلام وتعاديه بكل ما تستطيع من قوة.

لا بد أن تدرك شعوب العالم الإسلامي اليوم أن حكومات الدول الغربية لا تعرف معنى الإنسانية ولا القيم ولا الأخلاق، وعليها ألا تثق بتلك القوانين والمواثيق الدولية، فهي لم توضع لنا نحن المسلمين، وأن اللغة الوحيدة التي يجيدها هي لغة المصالح والقوة، لا بد أن نفهم قوانين القرآن الكريم وسنن الله الكونية في الأرض، لأنها هي المصدر الوحيد الموثوق والصادق، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ البقرة:120، وقال: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ﴾ الأنفال:60، وأول مراحل الإعداد الوعي الفكري والبناء المعرفي نحو معرفة عدونا الحقيقي وآلية التعامل معه، وأنّ مَن يقف مع عدونا هو أيضاً عدونا وإن كان من بني جلدتنا ويتكلم بلساننا!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى