مقالاتمقالات المنتدى

معاناة المرأة في زمن موسى (3)

تعذيب فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام

معاناة المرأة في زمن موسى (3)
تعذيب فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام

بقلم د. عادل حسن يوسف الحمد( خاص بالمنتدى)

 

ذكر الله لنا قصَّة تعذيب فرعون لنساء بني إسرائيل في خمس سور من القرآن؛ فِي سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة إبراهيم، وسورة القصص وسورة غافر.
قال تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ‌وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩)) [البقرة: 49] وقال تعالى: (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ ‌وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١)) [الأعراف: 141]

وقال سبحانه: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ‌وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [إبراهيم: 6] وقال عزَّ وجلَّ: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ‌وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4] وقال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [غافر: 25]

معنى سوء العذاب:
عذب فرعون نساء بني إسرائيل بأنواع العذاب المختلفة، منها:

النوع الأول: إبقائهن على قيد الحياة لإذلالهن:
قال ابن جَرِيرٍ الطَّبَرِي رَحِمَهُ الله: (فَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: (سُوءَ الْعَذَابِ) [البقرة: ٤٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: مَا سَاءَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَشَدُّ الْعَذَابِ؛ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقِيلَ: أَسْوَأَ الْعَذَابِ.
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا ذَلِكَ الْعَذَابُ الَّذِي كَانُوا يَسُومُونَهُمُ الَّذِي كَانَ يَسُوءُهُمْ؟
قِيلَ: هُوَ مَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)).
(جامع البيان 1/644)

وقال ابن تيمية رَحِمَهُ الله: (فهذا الذبح والاستحياء هو سوء العذاب). (اقتضاء الصراط المستقيم 1/204)
وقال محمد رشيد رضا رَحِمَهُ الله: (وَلَمَّا كَانَتِ التَّنْجِيَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ ظُلْمٍ أَوْ شَرٍّ، بَيَّنَ مَا نَجَّاهُمْ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أَيْ: يُكَلِّفُونَكُمْ وَيَبْغُونَكُمْ مَا يَسُوءُكُمْ وَيُذِلُّكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ‌وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) أَيْ: يَقْتُلُونَ ذُكْرَانَ نَسْلِكُمْ، وَيَسْتَبْقُونَ إِنَاثَهُ أَحْيَاءً لِإِضْعَافِكُمْ وَإِذْلَالِكُمُ الْمُفْضِي إِلَى قَطْعِ نَسْلِكُمْ وَإِبَادَتِكُمْ (وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أَيْ: وَفِي ذَلِكُمُ الْعَذَابِ وَفِي التَّنْجِيَةِ مِنْهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَلَاءٌ وَامْتِحَانٌ عَظِيمٌ لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)). (تفسير المنار 1/256)

وقال الطَّاهر بِن عَاشُور رَحِمَهُ الله: (وَالِاسْتِحْيَاءُ اسْتِفْعَالٌ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَبِ لِلْحَيَاةِ أَيْ يُبْقُونَهُنَّ أَحْيَاءً أَوْ يَطْلُبُونَ حَيَاتَهُنَّ. وَوَجْهُ ذِكْرِهِ هُنَا فِي مَعْرِضِ التَّذْكِيرِ بِمَا نَالَهُمْ مِنَ الْمَصَائِبِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْيَاءَ لِلْإِنَاثِ كَانَ الْمَقْصِدُ مِنْهُ خَبِيثًا وَهُوَ أَنْ يَعْتَدُوا عَلَى أَعْرَاضِهِنَّ وَلَا يَجِدْنَ بُدًّا مِنَ الْإِجَابَةِ بِحُكْمِ الْأَسْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) كِنَايَةً عَنِ اسْتِحْيَاءٍ خَاصٍّ وَلِذَلِكَ أُدْخِلَ فِي الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِحْيَاءِ ظَاهِرَهُ لَمَا كَانَ وَجْهٌ لِعَطْفِهِ عَلَى تِلْكَ الْمُصِيبَةِ). (التحرير والتنوير 1/492)

وقال الشنقيطي رَحِمَهُ الله: (قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ‌وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) الْآيَةَ. ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِحْيَاءَ النِّساء مِنْ جُمْلَةِ الْعَذَابِ الَّذِي كَانَ يَسُومُهُمْ فِرْعَوْنُ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنَاثَ هِبَةٌ مِنْ هِبَاتِ اللَّهِ لِمَنْ أَعْطَاهُنَّ لَهُ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) [الشورى: ٤٩]، فَبَقَاءُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ عَلَى هَذَا خَيْرٌ مِنْ مَوْتِهِمْ كُلِّهِمْ، كَمَا قَالَ الْهُذَيْلُ:

حَمِدْتُ إِلَهِي بَعْدَ عُرْوَةَ إِذْ نَجَا
خِرَاشٌ وَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا، أَنَّ الْإِنَاثَ وَإِنْ كُنَّ هِبَةً مِنَ اللَّهِ لِمَنْ أَعْطَاهُنَّ لَهُ، فَبَقَاؤُهُنَّ تَحْتَ يَدِ الْعَدُوِّ يَفْعَلُ بِهِنَّ مَا يَشَاءُ مِنَ الْفَاحِشَةِ وَالْعَارِ، وَيَسْتَخْدِمُهُنَّ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ نَوْعٌ مِنَ الْعَذَابِ، وَمَوْتُهُنَّ رَاحَةٌ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ، وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ يَتَمَنَّوْنَ مَوْتَ الْإِنَاثِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِ هَذَا). (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ص18)

وقال أَبُو زُهرَة رَحِمَهُ الله: (وقوله تعالى: (‌وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)، أي يطلبون حياة نسائهم وبقاءهن، لا رغبة فِي ذات الإحياء بل ليكن إماءً فِي بيوتهم، ويستمتعون بجمالهنَّ، فهو ظلم فاحش لَا يعرفه إلا فرعون وأمثاله، كما رأينا واحدًا منهم فِي هذا الزمان). (زهرة التفاسير 8/ 3994)

فإبقاء النِّساء على قيد الحياة إنَّما هو لتعذيب الرِّجال وقهرهم، وهو من سوء العذاب.
فتتجلى لنا صور التعذيب بناء على ما ذكره أهل التفسير، وهي:
1) استخدامهن إماءً.
2) الاعتداءُ على أعراضهنَّ.
3) قهر رجالِهنَّ.

النوع الثاني: قتل أطفالهنَّ:
وهذا نوع من العذاب أشدُّ من الأول على نفسية المرأة؛ فهذا الطفل الذي حملته في أحشائها تسعة أشهر، وتحملت مشاق الحمل وآلام المخاض والولادة، فلما فرحت بولادته، يأتي إليها جنود فرعون لقتله! فكيف ستكون نفسية هذه الأم الثكلى، وكم سيستمر هذا الألم والانكسار لدى الأم؟!

النوع الثالث: القلق والاضطراب النفسي:
وهذا نوع من العذاب الذي مرت به المرأة في زمن موسى عليه السلام، وهو القلق والاضطراب النفسي مع كل مرة تحمل فيها، فهي لا تدري هل سيكون مولودها ذكرًا فيقتل، أم أنثى ستترك لتهان وتذل إذا بلغت؟!
ويستمر هذا العذاب معها تسعة أشهر من القلق والخوف والاضطراب، لا تعرف كيف تخفي حملها، ولا تعرف كيف تحمي جنينها، ولا تدري ما هو مصير هذا الحمل، وكيف ستكون النهاية؟!

فهل رأيتِ معاناة مثل هذه المعاناة تمر بها المرأة اليوم؟!

��تعذيب فرعون للنساء في زمن موسى_3�

إقرأ أيضا: علماء من عصرنا | شيخ الخطاطين: حسن جلبي

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى