مقالاتمقالات المنتدى

معاناة المرأة في زمن موسى ( 15)

الاختلاط أخطر معاناة على المرأة

معاناة المرأة في زمن موسى ( 15)
الاختلاط أخطر معاناة على المرأة

بقلم د. عادل حسن يوسف الحمد ( خاص بالمنتدى)

أغلى ما يملك المسلم دينه، فإذا فرَّط فيه خسر الدنيا والآخرة. أما الآخرة فخسارتها معلومة، ولكن خسارة الدنيا قد تلتبس على من زيَّن له الشيطان سوء عمله.

فتظنّ المرأة إنها إذا خرجت للعمل في الميادين المختلطة من أجل مساعدة أهلها أو النفقة على نفسها، أو مساعدة زوجها، والنفقة على أولادها، أنها مأجورة على ذلك، وأنها قدَّمت تضحية كبيرة من أجل هؤلاء، يجب على المجتمع أن يقدر هذا لها وأن يثني عليها بل ويكافئها على ذلك، وأن هذه التضحية تسوِّغ لها العمل المختلط!
والذي أوقع المرأة في هذا الخلل، إنما هي المفاهيم الخاطئة المنتشرة في المجتمعات، مثل: (العمل عبادة) ويقصدون به أي عمل! ويغفلون أن العبادة إنما تكون بما يُرضي الله، لا بما حرَّمه الله، فآكل الربا يعمل، فهل عمله عبادة؟! والراقصة تعمل، فهل رقصها عبادة؟!

فليس كلُّ عمل عبادة.
فمن ضوابط عمل المرأة في الإسلام أن يكون بعيدًا عن الاختلاط بالرجال، فإذا تحقَّق هذا الشرط، جاز لها العمل، وإلا حرم عليها.
وتأملي أُختي الكريمة هذه الأحاديث التي تُربي نساء الأُمَّة على الابتعاد عن الرجال، وقارني ذلك بما يقع في مجتمعاتنا اليوم وميادين العمل فيها:

عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ:” قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي”. قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. (رواه أحمد).

فإذا كان هذا في الصلاة يقال لها الأفضل أن تُصلي في بيتك، فماذا يقال لها إذا خرجت إلى ميادين العمل المختلطة؟!
وعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلنِّسَاءِ: “اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ”. فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ. (رواه أبو داود).

فلم يرضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من المرأة أن تختلط بالرجال في الشارع العام الذي لابدَّ لها من المرور فيه عند ذهابها أو إيابها من أي مكان، فينظم لها طريقة السير في الطريق العام، فيجعل لها طرفي الطريق وللرجل وسط الطريق. فهل يقال بعد ذلك إنه لا يجوز لها أن تختلط في الطريق العام، ويجوز أن تختلط مكاتب العمل؟!

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:”خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا). (رواه مسلم).
قال النووي رحمه الله: (وإنما فُضِّل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهنَّ مِن مخالطة الرجال ورؤيتهم، وتعلُّق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذُمَّ أول صفوفهنَّ لعكس ذلك). (شرح مسلم 4/160).

تقول الكاتبة الغربية ” أني رورد”: “لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كخوادم خيرٌ وأخفُّ بلاء من اشتغالهنَّ في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء، الخادمة والرقيق يتنعمان بأرغد العيش ويعاملان كما يُعامل أولاد البيت، ولا تُمسُّ الأعراض بسوء، نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها؟”. (المرأة بين الفقه والقانون 178).

قال ولي الله الدهلوي: (وأنت ترى الرجل يقع بصره على محاسن امرأة أجنبية فيتولَّه بها، ويقتحم في المهالك لأجلها، فما ظنُّك فيمن يخلو معها وينظر إلى محاسنها ليلًا ونهارًا؟!). (حجة الله البالغة 2/131).
وأظنُّك يا أُخيتي تعلمين يقينًا أن هذا هو حال الأعمال المختلطة.
قال ابن القيم رحمه الله: (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال أصلُ كلِّ بلية وشرٍّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة. واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة). (الطرق الحكمية 281).

وهذه أقوال لنساء معاصرات يتحدثن عن نعمة الله عليهن بعد ابتعادهنَّ عن الاختلاط بالرجال:
تقول د. آية:
(المعاناة التي واجهتني للبعد عن الاختلاط:
عندما قرَّرت ترك العمل المرموق بلا رجعة واجهتُ اتهامي بالجنون والتقاعس عن دوري في المجتمع. خصام أقرب الأقربين وأحبِّهم لي.
اتهامي بكتم العلم والفهم الخاطئ للدين).

وتقول هاجر:
(كان العمل في صيدلية عامة يمر بها القاصي والداني حاملًا لكثير من الفساد والقسوة لقلبي، ومن ذلك:
• التأثير في طبيعتي الأنثوية من خلال القيام بأعمال الجرد والتخزين والقيام على صرف وَصْفَات الموظفين.
• خدش الحياء الذي هو جوهرتي المكنونة، وذلك حين يخاطبني الرجل عن شكواه (والتي قد تكون خاصة) ويطلب وصف الدواء المناسب لها.
• تعطيلي عن مهام رعاية أهل بيتي بحجَّة الساعات الطوال التي تُقضى خارج البيت والتي أعود بعدها منهكة في انتظار النوم ثم الاستيقاظ باكرًا لإعادة المشهد المؤلم مرة أخرى.
• تولَّد عندي الشعور بالتمرُّد على كل ما من شأنه إجبار المرأة – ولو بطريقة غير مباشرة- على العمل، كقولهم: (حقِّقي ذاتك – ارتقي السلم الوظيفي – لابد أن يكون لك دور في المجتمع)!
• وأخيرًا – وهي أهمها – وإنما ختمتُ بها للفت النظر إليها: وهي بُعد قلبي عن الله شيئًا فشيئًا، والشعور بحاجزٍ بيني وبين الطاعات، وضعفي وفتوري عن بعض القربات، بالإضافة لوقوعي الحتمي في كثير من المخالفات أثناء ساعات العمل نفسها).

هذه بعض النماذج من معاناة المرأة اليوم في الأعمال المختلطة.
ولكن ما المعاناة الثانية للمرأة في مدين؟

15 رمضان 1446هـ

��الاختلاط أخطر معاناة على المرأة_15�

إقرأ أيضا:سمحاويات …. تأملية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى