مقالاتمقالات المنتدى

معالجة الصراعات الطائفية في الدولة الحديثة المسلمة

معالجة الصراعات الطائفية في الدولة الحديثة المسلمة

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

إنَّ الدولة الحديثة المسلمة تحرص على معالجة الصراعات الداخلية، والبحث في جذورها، ومعرفة أسبابها، وإقامة العوامل التي تحول بين تطورها ووضع السياسات والخطط والإجراءات اللازمة لذلك، والتي من أهمها:

1 ـ تعميق فكرة المواطنة:

لعناصر الشعب عبر تفعيل الحوار، وإيجاد الية لإزالة المخاوف والهواجس المتعلقة بما حدث من تجاوزات أو ظلم في السابق لأي فئة اجتماعية، والحرص على تعميق فكرة المواطنة، وإعلاء قيمة الانتماء إلى الوطن، والاعتراف بالخصوصية الثقافية للاخر، وبيان فضائل تماسك الشعب للدولة الواحدة.

2 ـ ملاحقة مرتكبي العنف:

وذلك من خلال فرض سيادة القانون، وقيام الأجهزة المعنية بملاحقة مرتكبي أحداث العنف، والمحرضين عليه، وتقديمهم للقضاء.

3 ـ الحرص على أمن المواطنين:

وذلك بتوظيف الأجهزة الأمنية لخدمة المواطنين، وليس لتفريقهم، أي:

عودة جهود وزارة الداخلية والأجهزة المختصة لصالح المواطنين، وليس على حسابهم من أجل تحقيق «أمن الدولة».

4 ـ تعزيز مؤسسات المجتمع المدني:

وذلك بدعمها القانوني، والسماح بمشاركة الأفراد في إدارة المجتمع، ومشاركته الفعالة في الحياة العامة، من خلال حركة حرة تعبر عن مطالب المواطن عبر قنوات مشروعة تكون على شكل منظمات، وجمعيات، ومؤسسات، وروابط مستقلة «غير حكومية» يكون الانتماء إليها على أساس الاختيار لا الإجبار، وبالتالي لا يمكن اعتبارها امتداداً للوزارات والإدارات الحكومية؛ التي يمكن التحكم الكامل في تأسيسها وتمويلها ودمجها، أو حتى حلها وإلغائها، ولذا فإن أي وصاية مشددة على مؤسسات المجتمع المدني ستجدها بالضرورة على موقع «الشراكة» الذي من المفترض أن تُوجَّه فيه لإدارة المجتمع، وتجعلها تابعة تبعية مباشرة للجهاز الحكومي؛ فتفقد أهدافها الحقيقية، التي أهمها التأسيس الصحيح للمجتمع المدني (المال العام ص (115).

5 ـ توضيح المغالطات الخاطئة:

داخلياً ودولياً بشأن الأديان مثل ما هو منتشر في الفكر الغربي، من أن الدين الإسلامي لا يحترم حقوق الإنسان، ولا المرأة، ولا الحرية، ولا الكرامة الإنسانية، وبيان بطلان ذلك من خلال الحوار، والبرهان، والحجج البينات.

6 ـ الاستفادة من الخبرات العالمية:

وما وصلت إليه المجالس الدولية والدولة الحديثة في تأكيدها على قيم المواطنة، وحقوق الإنسان، والاعتزاز بالقيم الإنسانية الخالدة كالحرية،

والعدالة، والمساواة، والديمقراطية، وحفظ الكرامة الإنسانية.

7 ـ الثقافة الدستورية:

الثقافة الدستورية أهم من الموارد الدستورية؛ ولذلك يجب نشر الثقافة الدستورية بجميع وسائل الإعلام المتاحة، وترسيخها في المدارس ومؤسسات المجتمع المدني، والجماعات، والمدارس، وأوساط القبائل، والمدن، والأرياف، وألوان طيف المجتمع، وفتح الحوارات، والمناقشات، والمناظرات لخدمة مشروع الثقافة الدستورية.

والعمل على مراجعة مواد الدساتير بما يكفل تمتع جميع أبناء الوطن بالحقوق والواجبات نفسها، وبرفع أي تمييز على أسس العرق، أو غيرها، وضمان مساواة حقيقية في الفرص، فأكثر الناس حاجة لحماية حقوقهم هم غالباً أقل الناس قدرة على فرضها.

لذلك يجب مرافقة الحماية القانونية للحقوق بتدابير محددة لسياسة اجتماعية؛ تهدف إلى ضمان وصول كل فرد ـ وبشكل علمي ـ إلى حقوقه، وفضلاً عن تطبيق مبدأ عدم التمييز، فالدول مدعوة كذلك إلى اتخاذ تدابير إيجابية لإلغاء الفوارق المرتبطة بالتمييز؛ الذي يطبق على أشخاص ينتمون لمجموعات تشعر بالإهمال، وفي المجال العام، فالدولة الحديثة تمنع التمييز وبشكل صارم.

8 ـ تفعيل مؤسسات الدولة:

لتقوم بدورها في وضع أسس دولة سيادة المواطنة والقانون، وتكريس مبدأ المساواة بين المواطنين، كسياسة عامة تترجم واقعياً فيما يتخذ من قرارات إدارية، ومشروعات قوانين (أزمة الهوية والثورة على الدولة، د. عبير بسيوني ص، 143)

9 ـ التأكيد على المرجعية الوطنية:

لحل الخلافات، فأي مشكلة للتعايش بين طائفتين، يجب أن تحلّ على أرض وطنية، وبأجندة وطنية، ويشارك فيها المواطنون، فالاستقواء بالخارج، أو ربط الأحداث الوطنية بالخارج، ينمي الجفاء والغضب بين الطوائف.

10 ـ الاهتمام بثقافة الإنتاج:

فالاستهلاك والإنتاج ليسا سلوكاً فقط، ولكن ثقافة ترتكز الأولى على الاعتماد على الاخرين، والثانية على الاعتماد على الذات، والاكتفاء الذاتي، والمطلوب منهج تدريجي مبني على المسؤولية الجماعية المرتبطة بتأمين الاحتياجات ومتطلبات الحياة، مما يمكننا لاحقاً من الإسهام لخدمة الوطن بكل أطيافه، وما يفيض لدول الجوار، وتقديم المساعدات للمحتاجين، ويتطلب ذلك وجود مؤسسات على مستوى الدولة لتوزيع العوائد، وتقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، والاهتمام بالقيم النبيلة، والمبادأئ الرفيعة المؤثرة في نفوس الناس، وتنوير عقولهم، وترسيخ أخلاق العمل، وتطور وسائل الإبداع في ثقافة الإنتاج (أزمة الهوية والثورة على الدولة ، د. عبير بسيوني، ص 144)

11 ـ تطوير المؤسسات التعليمية:

بحيث تركز على التعليم النافع الذي يفيد الفرد والمجتمع الذي يربي الأجيال على ثقافة العصر، ويفتح أمامها افاق المعرفة، وفي هذا الشأن تعتبر التربية على المواطنة الديمقراطية أساسية، ليس فقط لسير مجتمع حر ومسامح ومنفتح وإدماجي، بل كذلك للانسجام الاجتماعي، والتفاهم المتبادل، والتضامن، والتسامح، وحوار الثقافات، وتشمل أيضاً كل الأعمال التربوية النظامية وغير النظامية بما في ذلك التعليم المهني والأسرة والجماعات المرجعية؛ التي تمكن الفرد من التصرف كمواطن نشيط، ومسؤول محترم للآخرين.

ويعتبر تدريس التاريخ عاملاً حاسماً للمصالحة والاعتراف والتفاهم والثقة المتبادلة بين الشعوب، فيجب أن يشغل التاريخ مكانة أساسية في تكوين مواطن مسؤول ونشيط، ولتطوير احترام كل أشكال الاختلافات؛ بمعنى احترام مبني على فهم الهوية الوطنية، ومبادئ التسامح والتاريخ من الوسائل المهمة في ترسيخ وإحياء المبادئ والقيم الجميلة التي تكون بين الناس في أوطانهم، والحضارة الإسلامية غنية في هذا المجال، ولا نكاد نجد لها نظيراً.

مع أهمية التركيز على البحث الجامعي حول التعليم، وأخذ التنوع الثقافي بعين الاعتبار في كل الأنشطة التعليمية، ودور المدرسين في كل المستويات أساسي في دعم حوار الثقافات، وتدريب الأجيال على الحوار، وتعميق مفهوم المواطنة، واحترام حقوق الإنسان، واستخدام كافة وسائل تعزيز التعايش بالتعليم والإعلام والتنوير الثقافي المستمر الذي لا يكل ولا يمل (أزمة الهوية والثورة على الدولة، د. عبير بسيوني ص، 143).

وغرس المفاهيم والقيم والمبادئ الرفيعة في نفوس الجيل، وتربيته على أن الوطن هو مستقبل يحمل آمال أفراده، ويحقق طموحات شبابه، ويوفر العدل لمواطنيه، ويستعيد حقوقهم، ويرفض الظلم والتخلف، والجهل والأمراض النفسية والبدنية.

_________________________________________________

المصدر:

د. علي الصلابي، المواطنة والوطن في الدولة الحديثة المسلمة، ص 208- 214.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى