مقالاتمقالات مختارة

معادلة الاستبداد المستحيلة في سورية

بقلم أ. محمد عادل فارس

تعلّمنا في الرياضيات أن هناك معادلة مستحيلة، بمعنى أنها لا تتحقق من أجل أي قيمة نعطيها للمجهول (س)، وليس هذا مكان لشرح ذلك، إنما لنقول: إن تحكّم المستبدّ، فرداً كان أو حزباً، بمقادير الأمور، في بلد ما، يجعل كل حل لمشكلة البلد مستحيلاً بالطرق النظامية أو المألوفة، سواء عن طريق مجالس تمثيل الشعب (البرلمانات) أو عن طريق السلطة الرابعة (الصحافة ووسائل الإعلام)، أو عن طريق تشكيل حزب سياسي معارض، أو عن طريق التسرب في مؤسسات الدولة الفعالة. فالمستبدّ قد سدّ تلك الأبواب جميعاً، أو جعلها خالية من أي مضمون، فهو الذي يتحكّم في اختيار أعضاء مجلس الشعب من المصفّقين والمهرّجين، ويسيطر على وسائل الإعلام جميعاً، ويمنع تشكيل أي حزب إلا بمقاس يناسب قَدَمه (ما يسمى بأحزاب الجبهة التقدمية)! ويسخّر أجهزة “الأمن” لإحصاء أنفاس المواطن، ومراقبة خطواته، وخطراته كذلك، ويكون هذا المستبدّ في غاية الحساسية تجاه النقد الفعّال، أو تجاه وصول الأفراد الذين لا يدينون له بالطاعة والخضوع والخنوع، إلى مواقع ذات أهمية، في الجيش وأجهزة الأمن، بل في المؤسسات التعليمية والثقافية.

والمواطن يكظم غيظه، ويبتلع الإهانات التي يتلقّاها، ويوطّن نفسه على السكوت عن اغتصاب حقوقه، وانتهاك مقدساته، وقمع حريته، وسلب أمواله، وطغيان أنصار المستبدّ وتجبرّهم… حتى لا يعرّض نفسه لمزيد من الاضطهاد.

فإذا طفح الكيل، واستنفد المواطن قدرته على الصبر، وعبّر عن غضبه من سلوك الطاغية وأعوانه، سواء كان هذا التعبير من منبر صلاة الجمعة، أو من وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر قصيدة ينظمها أو قصة يكتبها، أو مظاهرة يقودها، أو حزب سرّي يشكّله (حيث لا يأذن المستبدّ بتشكيل حزب معارض)… فهو الخائن لوطنه، العميل للصهيونية، المندسّ في قوافل الصامتين، المحرّض على الفتنة… وهو إذاً أهلٌ لأن يتلقى التعذيب والاعتقال، وقد يدفع حياته ثمن معارضته، بل قد يلحق الأذى والتنكيل بأهله وأصدقائه.

وقد يتمكّن الطاغية من إرساء قيم الإذلال والإخضاع شهوراً وسنين، يوظّف في ذلك أجهزة الأمن والإعلام والثقافة والمناهج المدرسية… حتى يبدو وكأن الأمر قد استتبّ له، والشعب يسبّحُ له في الظاهر، ويلعنه ويتمنّى زواله في الباطن.

ومن البداهة أن نقول: إن أفراد الشعب متفاوتون من حيث درجة الحساسية تجاه الظلم والقهر، ومن حيث القدرة على التعبير عن الغضب والمطالبة بالحقوق، ومن حيث الشجاعة في مواجهة الباطل وتحمّل المسؤولية عن ذلك.

فإذا قامت فئة من المواطنين بتشكيل حزب سرّي، حيث لا يسمح الطاغية بتشكيل الأحزاب، قامت الحجّة على هؤلاء: لماذا تلجؤون إلى العمل السري؟!.

وإذا خرج المواطنون في مظاهرات سلمية قوبلوا بالرصاص والقنابل، فإذا دافعوا عن أنفسهم قيل: إنكم إرهابيّون.

وإذا قصفتهم الطائرات والمدافع، وهدمت البيوت والمساجد والمشافي والمدارس… قيل لهم: أرأيتم كيف أدّت احتجاجاتكم إلى تدمير الوطن وإزهاق الأرواح وتشريد الشعب؟!.

وإن انغلاق الحلول أمام الشعب، تحت وطأة الظلم والتمييز الطائفي وخنق الحريات، وانتهاك المقدّسات لا يبقي أمام الشعب إلا الثورة والانعتاق من القيود، رضي من رضي، وسخط من سخط، (واللهُ غالبٌ على أمره ولكنّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون).

ولقد اكتشف الطغاة المفتاح السحري الذي يستجلبون به تأييد الدول الكبرى لهم، وهو أن يتّهموا الشعب الذي يريد الانعتاق من سطوتهم، بأنه إرهابي أصولي متطرف يطالب بتحكيم الإسلام… وإذاً فإن قتل هذا الشعب أمر مفهوم، بل مسوَّغ، بل مطلوب.

إنّ على الواعين المخلصين من أبناء الشعب أن يدركوا المؤامرة، ويفهموا الواقع، ويعلموا أن الله ناصرٌ عباده ما استقاموا على دينه، وأن النصر من عند الله وحده. (وما النصر إلّا مِن عند الله العزيز الحكيم).

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى