مقالاتمقالات مختارة

مع فلسـطين في العُسـْرِ واليُســـرِ

مع فلسـطين في العُسـْرِ واليُســـرِ

بقلم أ. محمد الهادي الحسني

أحيى أحرارُ العالم في يوم 29/11 “اليوم العالمي للتضامن مع فلسطين” المجاهدة. كان هذا الاحتفاء في هذه السنة متميزا، إذ جاء بعد بضعة أيام من خيانة النظام المغربي، وعلى رأسه “أمير المؤمنين الصهيونيين” بعقده اتفاقية مع الصهاينة، طلبا لـ”العزة”، بعد ما أنساه الشيطانُ “أن العزة لله جميعا”، وأنها “لله ولرسوله وللمؤمنين” الحقيقيين.. وقد شنَّع القرآن الكريم بالذين يبتغون العزة عند غير المؤمنين، فقال: “أيبتغون عندهم العزة؟”، وهذا ما فعله خائنُ دينه وقومه وشعبه وأمّته المدَّعي “الشرف” ولا شرف..
يظنُّ أكثرُ الناس عربا وعجما أن موقف الشعب الجزائري الشريف مع القضية الفلسطينية هو حديث يعود إلى الستينيات من القرن الماضي، بعد استرجاع الجزائر سيادتها غِلابا من فرنسا المجرمة.
إن من يعرف معدن الشعب الجزائري يعلم أن موقفه من القضية الفلسطينية قديمٌ قِدمها، رغم كونه يكابد جرائمَ فرنسا التي تبدو جرائمُ الصهاينة مقارنة بها كلُعب الأطفال، مع تقديري لما يكابده الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاعه المجاهد الصامد الأعزل، المتآمَر عليه من الأقربين.
إن أوّل من اهتم بالقضية الفلسطينية ونبّه إلى الخطر الصهيوني جزائريا وعربيا هو المناضل عمر راسم في سنة 1912 في جريدته “ذو الفقار” فـ”كانت أولَ جريدة عربية في الدنيا اكتشفت الخطر الصهيوني، ونبَّهت إليه”. (أحمد توفيق المدني: كتاب الجزائر ط 1931. ص 369. وانظر أيضا كتاب المقالة الصحافية في الجزائر للدكتور محمّد ناصر).
وكتب الإمامُ ابن باديس مؤكدا أن رحاب الأقصى في القُدُسية كرحاب المسجد الحرام والمسجد النبوي. وعندما تخلَّص الغربُ الصليبي من “جراد أوروبا” بإنشاء الكيان الصهيوني نفرَ كثيرٌ من الجزائريين خِفافا وثِقالا، رجالا وركبانا للجهاد في فلسطين، وقد أصدر الأستاذ عبد الغني بلقيروس كتابا عن ذلك عنوانه “صفحات من جهاد الجزائريين في فلسطين 1948– 1949”. كما شكّل المهاجرون الجزائريون في الشام فرقة تحت قيادة الأمير سعيد الجزائري أطلق عليها اسم “فرقة الأمير عبد القادر”. (انظر كتاب: مذكّراتي.. للأمير سعيد الجزائري).
وعندما تحالف “الدين الصالب والدين المصلوب” وزُرع هذا السرطانُ في جسم الأمة العربية، دعا الإمامُ الإبراهيمي إلى تأسيس لجنة إعانة لفلسطين، وكانت تحت رئاسة خيرة الجزائريين الإمامين الإبراهيمي وبيُّوض والزعيم فرحات عباس والأستاذ أحمد توفيق المدني.. وجاء رجلٌ إلى الإمام الإبراهيمي يطلب مالا للذهاب إلى فلسطين، وكان قد اقترض لتوِّه مبلغا من المال فأعطاه شطرَه. (حمزة بوكوشة: لحظاتٌ مع الشيخ الإبراهيمي. جريدة الشعب في 21/5/1970).
وتبرَّع الإمامُ الإبراهيمي بمكتبته لفلسطين، وما أنقذها إلا خونة العرب المؤتمرون بأوامر الجاسوس البريطاني جلوب باشا. وقد علم مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني بما فعلته جمعية العلماء والشعب الجزائري تحت قيادتها فكتب رسالة إلى الإمام الإبراهيمي شكره فيها، وثمّن جهوده، وقد نُشرت الرسالة في جريدة البصائر في 24-08-1948 ص 2.
أمّا مقالات الإمام الإبراهيمي عن فلسطين فقد عجز عن الإتيان بمثلها الكتّابُ، وقال فايز الصائغ، الأستاذ بالجامعة الأمريكية بيروت “لم يُكتب مثلُها في قضية فلسطين”. وأمّا بعد استرجاع استقلالنا فالله يعلم والفلسطينيون يشهدون أنّ تدريب المقاتلين الذين فجّروا ثورة 1965 كانت في الجزائر مع تسليحهم.. وذاعت في الآفاق كلمةُ هواري بومدين: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.. كما تشرَّف الفلسطينيون بإعلان قيام دولتهم من الجزائر.. وما تقوم به لجنة إغاثة فلسطين الآن تحت إشراف جمعية العلماء لم تهتمّ به دولٌ تتاجر برئاسة لجنة القدس.. وإذا كان بعض كبار الصهاينة يتنبّأون الآن بزوال إسرائيل القريب، فقد تنبّأ قبلهم الإمامُ الإبراهيمي بقوله: “إن غرس صهيون في فلسطين لن ينبت، وإن نبت فإنه لا يثبت”.

المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى