مقالاتمقالات مختارة

مطلوب “قائد خادم”

بقلم ياسر السيد عمر – مدونات الجزيرة

ربما أول ما يخطر على بال من يقرأ كتب القيادة حين يسمع مصطلح “القيادة الخادمة” هو غاندي أو الأم تيريزا، التي سعت في خدمة فقراء وأطفال العالم، تداوي جراحهم وتمسح آلامهم، ومما يشتهر عنها قولها: “لا تنتظر من يقودك لعمل الخير، اعمل الخير لوحدك وللآخرين مباشرة”.

لكن هذين المثالين – على عظمتهما في القيادة الخادمة – لا يغطيان معظم الصورة، إذ أن تاريخنا العربي والإسلامي يحفل بالكثير من القادة الذين خدموا أتباعهم وتفانوا في تذليل العقبات أمام من وضعوا ثقتهم فيهم، كعمر بن عبد العزيز، وابن الخطاب، الذين اشتهر عنه أنه كان يحمل الدقيق على ظهره ليوصله إلى الجياع من المسلمين، ويجوب المدينة ليلاً يتفقد فقراءها ومستضعفيها.

القيادة الخادمة، وبعيداً عن تعريفاتها الأكاديمية، هي أن تسمو بنفسك فوق شهواتها ومغرياتها، وتقدم أتباعك ومصلحتهم الجماعية فوق راحتك، وتتناسى الكرسي الذي لطالما حلمت به، وتراه مجرد وسيلة لتقديم أفضل ما لديك لمن أوكلوك الأمانة.

يطل علينا الدكتور عبد الرحمن السميط، صاحب اليد البيضاء في أرجاء القارة السوداء، يمدّ بنفسه جسراً إنسانياً بين أغنياء العالم وفقرائه القابعين في تلك المجاهيل

يرتسم مشهد القيادة الخادمة بتجلياتها حين مرّ ذو القرنين على جيران يأجوج ومأجوج، ومن ذاقوا منهم مرّ العذاب، فخاطبوه بقولهم: “قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا” عارضين عليه المال مقابل إسداء خدمة مصيرية لهم، لكنه بعزة القائد يرفض العرض المادي ويقبل بالهمة راداً عليهم: “قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا“، مع أن المهمة شاقة، إلا أنها بدت له صغيرة أمام الأمان والراحة التي سيحظون بها إذا ما تمت المهمة بنجاح.

وفي غابات أفريقيا يطل علينا الدكتور عبد الرحمن السميط، صاحب اليد البيضاء في أرجاء القارة السوداء، يمدّ بنفسه جسراً إنسانياً بين أغنياء العالم وفقرائه القابعين في تلك المجاهيل. يترك الدكتور دنياه كاملة، ويتوجه لأكثر من ثلاثة قرون موجهاً وخادماً ومادّاً يد العون للجياع والمرضى من المسلمين وغيرهم من أهل الطوائف والملل.

والحقيقة أننا لو تجولّنا في مدننا وقرانا الصغيرة لوجدنا الكثير من الأشخاص ذوي الأيادي البيضاء، من القادة الرسميين وغيرهم، الخادمين لمن حولهم والمحبين لتقديم العون والدعم لهم، وهذا يكشف لنا عن كثير من الخير المكتنز في قلوب هؤلاء، ويؤلهم لنيل الكثير من الأوسمة المعنوية التي يستأثر بها غيرهم لأنهم أقدر منهم على التمثيل أمام كاميرات الصحافة والإعلام.

وحسب جون ماكسويل الخبير في مجال القيادة، فإنه يعرّف القيادة على أنها “التأثير”، فقط “التأثير”! أي مدى قدرتك على التأثير في المجاميع من حولك. وما أحوج الجماهير اليوم لمن يؤثر بها وينتزعها من حالة البؤس المعنوي والفقر المادي الذي وضعها به قادة آخرون، بعد أو أوصلوها لقعر حاد، بدا وكأنه النهاية. وإذا ما جمعنا “التأثير” مع “الخدمة” فإنه تتجلى لنا القمة في القيادة المنشودة، صاحبة القدرة والرحمة، العزة وتذليل الصعاب، الفكرة والهمة، وما أقل هؤلاء!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى