مقالاتمقالات مختارة

مطاردات لذيذة خلف الكتب (6)!

بقلم أحمد بن عبد المحسن العساف

لهذه المقالة خمس أخوات سبقنها، والحمدلله على فضله، وآمل أن تكون ممّا يحفّز على القراءة والاطلاع، فإنّ الحديث عن الشّيء يحبّبه للنّاس، وهذه خطّة قد نغفل عنها، وما أولانا باستثمارها لنشر القيم، وبثّ المعاني السّامية، وترسيخ الأفكار الأساسيّة.
ومع أهميّة الكتب والقراءة؛ إلّا أنّ مخالطة المجتمع، والمشاركة في الحياة العامّة، تجعل القارئ أكثر واقعيّة بعد أن فقه حكمة الكتب وأخبارها، وجمع مع أدب الّلسان كمال العقل، وبعد النّظر، ووعى تجارب الآخرين وسيرهم، فخير النّاس من جمع بين الأمرين؛ كي لا يكون حبيس مكتبة بلا تأثير، أو طليقًا في الهواء لا يؤبه له.
وسوف أذكر في هذه المقالة أخباري مع بعض الكتب، والذي جعلني أنهض لها هو حصولي على كتاب بعد سنوات من البحث المتعب عنه، وأصبح أمس بين يديّ أقلّبه بعد عناء مطاردته، فالحمدلله مجيب الدّعاء، القائل لما يريد كن فيكون، وما على الله بعزيز أن يديم آلائه على عباده، ويستجيب لمن سأله.

سنن البيهقي من أمريكا:

إذا حرمنا صحبة النّبي الأكرم صلّى الله عليه وسلم، فمن الغبن الكبير أن نحرم أنفسنا من صحبته باتّباع هديه، وقراءة سنّته المنيفة، وسيرته الزّكيّة، وأعجبُ من بيت مسلم تخلو مكتبته من كتاب فيه أحاديث نبويّة، وآخر في السّيرة المحمّديّة، وفي المطبوع من المختصرات غنية لمن أراد.
وحين انتهى العمل في كتاب السّنن الكبير للبيهقي، بأربعة وعشرين مجلّدًا، من تحقيق الشّيخ د. عبد الله التّركي، ومكتب التّحقيق في دار هجر، ثمّ طبع على نفقة الأمير نايف، فمن حسنات كثير من الأمراء والزّعماء تكفّلهم بطباعة الكتب المرجعيّة، وتوزيعها مجّانًا، رغبت في اقتناء نسخة منه.
ولأنّي لست دارسًا لعلوم الشّريعة في إحدى كلّياتها، فسيصعب عليّ الحصول على نسخة منه، ولذلك طلبت من النّسيب الكريم د. عبد العزيز الثّمالي الشّفاعة لدى مكتب الأمين العام للرّابطة، وكان أبو محمّد في أمريكا حينها، ففعل مشكورًا، وتسلّمت نسخة من الكتاب النّفيس.

لطائف من وديع:

أوكلت نجلي العزيز مالكًا بالبحث عن كتاب عنوانه: وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره، الواقع في جزءين، فذهب لمعرض الكتاب الأخير مرارًا، وكلّ مرّة يقول له البائع ليس بعد! وأخيرًا، أبلغه بائع المعرض أنّ الكتاب جاءت منه ثلاث نسخ فقط، قيمة النّسخة مئة ريال، وقد اشترتها المكتبة التّدمرية، فهبّ ابني للتّدمرية وأحضر لي نسخة باقية منه، وكم فيه من درر رائعة.
ولي مع هذا الكتاب لطائف ثلاث، أوّلها: أنّ سعره في التّدمرية خمسة وسبعون ريالًا فقط، وليس بمئة ريال كما في المعرض! وقبل سنوات اعترضت على بائع في معرض الرّياض لارتفاع أسعاره، فلم يصدّق قولي! فاتصلت بالتّدمرية وهو ومن في ركنه يسمعون، وسألتهم عن سعر الكتاب؛ فأجابوا بما يؤكد كلامي، فقال البائع بظرف المصريين، وسهولة خروجهم من المآزق: هذه التّدمرية لا تبيع للرّبح.. بل لله!
وثانيها: أنّ لي صديقًا عزيزًا يحمل اسمًا نادرًا في المملكة، وربّما في العالم العربي، وحين تعرّف إليه أحد كبار السّن كان يناديه يا وديع يا وديع حتى حفظ اسمه الحقيقي فيما بعد! وثالثها: أنّي ذكرت هذا الكتاب في مجلسنا، فقال كاتب من الحضور، وهو صاحب عمود صحفي وحضور إعلامي: وديع من الجماعة الفلانيّة! فقلت له: ممكن؛ علمًا أنّه قبطي!

الغرب والعالم:

قرأت ضمن سيرة د. عبد الوهاب المسيري المتميزة عن كتاب ترجمه مع زوجته د. هدى حجازي، وأصدرته عالم المعرفة الكويتيّة بعنوان: الغرب والعالم: تاريخ الحضارة من خلال موضوعات، تأليف: كافين رايلي، وتتميز إصدارات عالم المعرفة بحسن الانتقاء، وجودة التّرجمة، ويعاب عليها سرعة اختفائها من المكتبات؛ لأنّها تعامل كالمجلّات؛ وقد وجدت هذا الكتاب بقسميه ضمن معروضات مكتبة أنوار الخبير في الرّياض، التي تحوي كتبًا نادرة.

علم الاجتماع مجانًا:

ألّف عالم الاجتماع الإيراني أ.د. محمّد أسعد نظامي تالش موسوعة مفيدة بالّلغة العربيّة من ثلاثة أجزاء، ويبدو من المقدّمة أنّ الأمير عبد العزيز بن سطّام دعم طباعتها، وهو يحمل شهادة الماجستير في علم الاجتماع كما أظن، وقد وصلتني نسخة من هذه المجموعة الثّمينة بالتّواصل الجميل مع د. عبد الرّحمن الشّقير جزاه الله خيرًا. وعناوين الأجزاء هي:
1- قراءة المجتمعات: صورة جامعة عن الحياة الاجتماعية ومختلف عناصرها وخصوصياتها من منظور علم الاجتماع.
2- المعيار الاجتماعي: طبيعة المنهج العلمي لعلم الاجتماع وقضاياه الأساسية.
3- كيف تفكر المجتمعات: نظريات علم الاجتماع ودورها في تفسير الظواهر الاجتماعية.

سنوات لأجل أيّامي:

من أكثر الكتب التي بحثت عنها، وأوصيت لأجلها، كتاب أيّامي، وهو سيرة ذاتيّة للأديب نقولا زيادة، ويتكون من مجلّدين، ولم أستطع الوصول إليهما، مع أنّي كنت قاب قوسين أو أدنى منهما. وبسبب المطاردات الخمسة الماضية، تواصل معي الكتبي الأستاذ بدر العنزي، وزارني الإثنين قبل الماضي، وأهدى لي كتابين من إصدارات مكتبة أثر، وجرى الحديث عن الكتب، وذكرت له أيّامي، فوعدني بنسخة منه، وخلال يومين بشّرني أنه وجده في بيروت، وأحضر لي يوم أمس نسخة منه؛ خلال أسبوع واحد فقط من طلبها! والله يكتب له حسن المثوبة، ويبارك له في عمره وعمله، ومثله حقيق بدخول تجارة النّشر والتّوزيع؛ لمعرفته، وعلاقاته، ونشاطه.

مطاردة بسبب المطاردات:

حين كتبت المجموعات السّابقة، انتشرت بين الأصدقاء ومحبي القراءة والكتب، وكان لي صديق يرسل لي تعليقات تصله ممن حوله، وأحدها من زميل كبير القدر والفضل، وقد طلب هذا الزّميل الفاضل من صديقي نسخة أصليّة من كتاب السّعوديون والحل الإسلامي، وهو كتاب يعزّز مكانة بلادنا، وحين سألني الصّديق عنه لجأت لكتبي حبيب، وحصل الكتبي على وعود كثيرة دون أن نفلح في واحد منها، وأخيرًا أنبأني الكتبي أنّ بائعًا في الغربيّة لديه ثلاث نسخ من الكتاب، فنقلت الخبر لصديقي الذي تواصل مع البائع، وكانت المفاجأة السّارة لي ولصديقي أنّ الكتاب بقي منه نسخة واحدة، وقد منحها البائع هديّة مجانيّة؛ لأنّه وصاحبي يعملان في قطاع واحد، وما أطعم الماء البارد على الظّمأ الشّديد!
وفيما سبق، حفظت كلمة للرّوائي العالمي الإيطالي أمبرتو إيكو، يقول فيها: لديّ خمسون ألف كتاب، وألف كتاب نادر، وأعرف كيفيّة حصولي على كلّ واحد منها، ولعمر الله إنّها لذكريات أنيسة، وأوقات بهيجة، جدير بها أن تذكر، وتروى، ولا تنسى.

(المصدر: صيد الفوائد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى