مقالاتمقالات مختارة

مشاعر فرعون

مشاعر فرعون

بقلم د. ليلى محمد بلخير

 

في مواقف حية ناطقة وفي أجمل الصور تجسد القصة القرآنية البعد الإنساني الصافي، وتحفل المشاهد بالعبر والعظات، متسقة مع موازين الفطرة وتعزز البعد الإنساني، تستوقفنا شخصية امرأة فرعون كنموذج للمرأة المتميزة بالقوة واستقلال الشخصية، بداية من رؤيتها للتابوت والرضيع الوديع فيه، إنه موسى عليه السلام، الذي ينتظره مصير محتوم على يد جند فرعون، همت به تحميه بالحب والحنان، أجارته من قانون فرعون الإجرامي {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[القصص:9]، وفي الموقف تظهر شخصيتها مناقضة كل التناقض لشخصية فرعون، ومع ذلك هناك لغة ما مشتركة بينهما، ويسجل البيان القرآني تلون الوسائل التعبيرية في حركة الانتقال السريع بين أسلوب اللين والاستعطاف من جهة (قرة عين لي ولك) وأسلوب التحدي والحزم (لا تقتلوه) مما مكنها من النفاذ إلى قلب فرعون وكسر مرسومه الغاشم الداعي لقتل الأطفال، ظنا منه أن فعل القتل المتكرر حياة له من انتقام سيولد وموت سيوجد ويتحقق، هذا التلون والمباغتة بين قمتين: قمة الضعف وقمة القوة، له من التأثير في مشاعر الزوج حتى وإن كان فرعون، بحس أنثوي طبيعي لا تصنع فيه، خاصة في محاولة إشراكه معها في الموضوع، لجذب اهتمامه بحاجتها للأمومة (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) في الموقف القرآني الحركي تظهر مشاعر فرعون واضحة بجلاء، لماذا استجاب لرغبتها وفيها حتفه؟ ليس بالتأكيد خوفا منها، فرعون لا يخاف، وهو القائل في نص صريح{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} [النازعات:24]، لماذا ترك الرضيع المجهول بين أحضان زوجته وداخل قصره، وهو يلاحق كل مولود جديد بالسيف داخل بيته وفي حضن أمه؟ فرعون علامة في التجبر والغطرسة مثل ما جاء في سورة غافر{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]، ورغم ذلك نجد فيه المثال الحي لتقدير مشاعر الزوجة المحرومة من الأمومة، فلم يملك أن ينتزعه منها ويسفك دمه أمامها، بالتأكيد حكمة الله البالغة اقتضت حماية بذرة الإيمان ورعايتها في قصر الكفر والإجرام، ولكن اللطيفة تتجلى عن مشاعر إنسانية تتفجر من قلب الصخر الأصم، نتعلم منها فن تقدير المشاعر داخل الأسرة وللحديث بقية …

 

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى