مقالاتمقالات مختارة

مسيرة العودة في عيون الإعلام العربي

بقلم مصطفى أبو السعود

يُحكى أن أبنة رئيس دولة عربية ذهبت لقضاء إجازتها في مدنية للترفيه، واصطحبت معها كلبها، وأثناء الرحلة انشغلت عن الكلب، ولما انتهت مما انشغلت به عنه، افتقدته، أخذت تبحث عنه وأوصت الجميع بتكثيف البحث عنه، فوجدته، وأتضح أن كلبها أصيب بجروح خفيفة نتيجة سقوط حجر على رأسه، وبعد انتشار القصة تداعى الإعلام المسموع والمقروء والمكتوب، وقدم أجمل التهاني والتبريكات لابنة الرئيس وكلبها.

ويُحكى أيضا أن أرضاً عربيةً اسلاميةً اُغتصبت وطرد أهلها منها ولا يزال شعبها يعاني الويلات، وكان نصيب الكلب بالاهتمام أكثر من الشعب، وكل ما حصل عليه خبر عادي في زحمة الأخبار.

ما بين الرواية الأولى والرواية الثانية يتضح أن حياة قطة أهم من حياة شعب، ليس لأن الذي اهتم بالقطة اهتم بها من باب أن _ بغي من بغايا بني اسرائيل رأت كلباً ظمأن فسقته فُغفر لها ذنوبها_ بل لأن الأولويات تغيرت، وفتحنا أبواب إعلامنا لتناول قضايا بسيطة وأغفلنا قضايا مصيرية.

وبالعودة إلى (مسيرة العودة في عيون الإعلام العربي) هل قام الإعلام العربي بدوره تجاه قضايا الأمة؟ وهل لازال الدم الذي ينزف في بقعة عربية يجد من يهرع لإسعافه؟

وهل وجدت مسيرة العودة من يساندها إعلامياً أم أن الطعنات كانت الأسبق والأكثر؟

لو علمتَ أن مجموع القنوات في المنطقة العربية بلغ أكثر من (1000) قناة مختلفة الاهتمامات، منها 323 قناة جامعة و124 قناة غنائية و152 قناة خاصة ببث الدراما والمسلسلات و170 قناة رياضية و95 قناة دينية و86 قناة إخبارية و26 قناة أطفال و 9 قنوات ثقافية و16 قناة وثائقية و17 قناة تعليمية و16 قناة خاصة بالأسرة و4 قنوات سياحية و19 قناة اقتصادية، إلى جانب 248 قناة ربحية خاصة بالدعايات والإعلانات و7 قنوات ذات اختصاصات متنوعة أخرى وتكون النتيجة قريبة من الصفر، حينها سيصيبك الغم والهم، وتتأكد أن الأمر لا يتعلق بقلة الفضائيات بل بتغير الاهتمامات، فقطة ابنة الرئيس حازت على اهتمام كبير عكس قضية الشعب والوطن، وستتأكد أن العصر الذي نعيشه هو أفضل عصر تنطبق عليه أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ومنها (لكنكم غثاء كغثاء السيل).

قد لا يُلام الإعلام الغربي على عدم تفاعله مع أحداث مسيرة العودة الفلسطينية أو مع أي قضية عربية، بل إنه يُشكر إن تفاعل ويُعذر إن لم يتفاعل، فما يجمعنا به أقل مما نختلف معه عليه، لأن أغلب اعضاء السلطة الرابعة في تلك الدول هم من الضالين الذين سقطوا في شباك المغضوب عليهم، بل إن اللوم كبير على الإعلام العربي الذي نعبد وإياه رباً واحداً، و ننطق واياه بنفسِ اللغةِ، ويجمعنا معه تاريخٌ وجغرافيةٌ واحدةٌ، وعاداتنا وتقاليدنا متقاربة بنسبة90%.

وفي أحسن أحوال حُسن الظن، فإن مسيرة العودة يتم ذكرها والمرور عليها مرور الكرام، لأن الإعلام مشغول بذكر سيرة أهل الفن والطرب والتحضير لما سيذاع من فسق في شهر رمضان.

ختاماَ: إن قلة تفاعل المواطن العربي مع مسيرة العودة، يرجع إلى سيطرة النظم السياسية على الإعلام، فأغلب الإعلام العربي لا يرى إلا صورة الرئيس، ولا يذيع إلا أقواله ولا يكتب إلا عن أمجاده، فالبلاد قد تحولت كما قال نزار قباني الى شقة مفروشة يملكها شخص واحد اسمه عنترة.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى