مسيرات للعودة … وأخرى للتطبيع..!
بقلم علي حليتيم
ما الذي يجري في الشرق الأوسط وما الذي يحاك لفلسطين والمسجد الأقصى؟
لا يكاد يصدق أحد أن دولا عربية والسعودية بالذات هي التي تضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بصفقة القرن التي يراد لها أن تكون آخر مسمار يدك في نحر القضية الفلسطينية.
كانت الأمور تتغير فيما مضى على مدى سنوات وعقود، ثم ها نحن نرى من التغيير ما لا نكاد نلحق بوتيرته المتسارعة، ولا أن نفهمه حتى يدركه تغيير آخر، وأصبحنا كأننا مدفوعون من الخلف نحو غاية لا نكاد ندركها..!
لم يعد يقف إلى جانب فلسطين إلا شعبها والشعوب الإسلامية المحاصرة في بلدانها وبعض الأحرار القلائل في العالم.
بينت لنا الأحداث الأخيرة ومشاركة الدول الخليجية في رالي القدس للدراجات الذي يحتفل بقيام دولة “إسرائيل” أن بعض العلاقات غير المعلنة أقوى من كل العلاقات الرسمية بين الدول، وأن الذين كانوا يقولون إن الدول العربية كانت كلها موافقة على قيام دولة إسرائيل لم يكونوا متطرفين، وكانوا يقولون إن تلك الدول أقامت ديكورات حرب انتهت بهدنات مؤقتة لتحضير السلام الذي هو في المفهوم الإسرائيلي والنظام العربي الرسمي التنازل عن فلسطين.
ها هي الدول العربية تضغط على السلطة الفلسطينية لتقبل بصفة القرن التي يتم بموجبها التنازل رسميا عن القدس والأرض وحق العودة والاعتراف بيهودية إسرائيل.
وها هي السلطة الفلسطينية التي ليست في المنظور الأمريكي ولا الاسرائيلي إلا طرفا مراقبا في صفقة القرن تبحث عبر تصريحات رافضة للصفقة لم يعد يصدقها أحد..! ولا هم أنفسهم يصدقونها عن شبه دور وشبه صفقة داخل الصفقة تحفظ للسلطة ماء الوجه وبعض المكاسب والتعويضات عن التنازل، واتفاقا شكليا يخفي فضاعة التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية والعرب.
شاهت الوجوه!
من يصدق أن الدول الخليجية متناغمة مع إسرائيل؟ من يصدق أن السعودية متحمسة لصفقة القرن؟ وموافقة عليها دون تحفظ وموافقة على اعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل”؟
من يصدق أن الفلسطينيين في غزة محاصرون منذ 2007 تحت سمع وبصر وبموافقة الدول العربية ولم يصدر ولا بيان واحد من أي دولة عربية يندد بحصار غزة الظالم الخائن؟!
وكل هذا يمرر تحت غطاء أن إيران عدو مشترك لإسرائيل؟!
ولست أدري أي عدو لـ”إسرائيل” هي إيران؟
أباشتراكها مع الأمريكان في تحطيم العراق؟ أم مع الروس في تحطيم سوريا؟ فلم يعد يحسب لهذين البلدين حسابا في موازين القوى ضد “إسرائيل” تقريباً أم بأدائها الضعيف أو المعدوم في المواجهة مع ذلك العدو؟!
يتمسك أنصار إيران والمدافعون عن خطها الفلسطيني بتصريحات القيادات الفلسطينية الإسلامية أن إيران تدعمهم في صمودهم ومقاومتهم حتى إن أحد السياسيين قال لي: “إن إيران لم تقل يوما للفلسطينيين لا ، لكن المطلعين على الخبايا يعلمون أن الوقائع تكذب الهالة الإعلامية الضخمة التي تقيمها إيران في موضوع القدس، وأن همها الأول هو تقوية الجبهة الشيعية في العالم العربي أينما وجدت الشيعة ومن خلفها فيما عدا ذلك من المناطق ويعلم المطلعون على الخبايا أن إيران إنما تستعمل ورقة القدس كمدخل للتشييع وصرف الناس عن مذهب أهل السنة الذي هو العدو الاستراتيجي لإيران وللغرب ولإسرائيل، ويعلم المطلعون أن غلاة المذهب الشيعي، وكلهم غلاة، لا ينظرون إلى السنة بعين الاسلام ويعتبرون اليهود أهون شرا ممن يعتبرونهم نواصب، وأن الأمور ستؤول حين ينتهي دور إيران كفزاعة للعرب إلى التطبيع العلني مع اليهود والغرب”.
ماذا بقي للفلسطينيين بعد إعلان الأنظمة العربية الاصطفاف مع المحتل وبعد السراب الإيراني الذي دام أربعة عقود، وبعد أن جربنا صفرية القوانين الدولية في إرجاع الحقوق إلى أهلها بل تأكدنا من وقوف هيأة الأمم المتحدة مع المحتل القاتل؟
ماذا بقي للفلسطينيين والشعوب العربية محتلة مكبلة أو مشغولة بأزماتها الداخلية التي تعصف بها؟
إن مسيرات العودة هي الجواب الفلسطيني العملي الحاسم على إكراهات المشهد العربي والعالمي الذي يريد له أن يرضى ويهون ويستكين؛ والحق أن الفلسطينيين قد أدركوا المعادلة العربية منذ النكبة بل قبل ذلك حين طلب منهم القادة العرب إبان ثورة 1936م أن يوقفوا إضرابهم حتى “نعطي الحليفة بريطانيا فرصة لإثبات حسن نواياها”، وكانوا يَرَوْن ويعايشون طوال عقود الصراع العربي الإسرائيلي التناغم العربي مع اليهود والحصار العربي للفلسطينيين حتى إن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني قال للرئيس المصري جمال عبد الناصر بُعَيْد قمة الدار البيضاء: إلى متى ونحن نخدع الناس في موضوع فلسطين؟
فقال له عبد الناصر: من الجميل أن القادة العرب لا يفرقون بين خطة للحلم وخطة للعمل!
وقال جمال عبد الناصر للوفد الفلسطيني الذي زاره سنة 1967م إنه لا يملك خطة لتحرير فلسطين!
إن هذا الحراك الأخير قد كشف لنا بشكل نهائي عن أعداء القضية الكثيرين وما أحوج من يريد أن يخوض معركة التحرير للكشف والبيان، وفضح العملاء الكثيرين الذين كانوا يخدمون العدو من وراء حجاب وما أخطر العدو المخفي في صورة الناصر المعين، وكشف لنا ونحن نرى شعارات العودة مكتوبة بدماء الشهداء أن الشعب الفلسطيني لن ينسى أبدا: لن ينسى الشهداء ولن ينسى الأرض ولن ينسى أنه عائد إلى أرضه رغم تواطؤ العالم كله في الشرق والغرب. يكفيه أن الله معه، ويكفيه أن الشعوب الإسلامية كما قال المولى جل وعز: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:62] ويكفيه أن نبينا المختار قد قال: ( أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ). [أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني].
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)