مقالاتمقالات مختارة

مسلمو بريطانيا.. بين النمو الطبيعي والتحديات المعرقلة (3 – 3)

مسلمو بريطانيا.. بين النمو الطبيعي والتحديات المعرقلة (3 – 3)

بقلم د. إدريس جميل

على الرغم من التطوّرات الإيجابية التي تشهدها الأقلية المسلمة في بريطانيا في مختلف المجالات التعليمية والثقافية، وتزايد حضورهم في الطبقات الاجتماعية والاقتصادية العليا والمتوسطة، وزيادة نموهم العددي والديمغرافية وانتشارهم الجغرافي، وكثرة الفئة الشبابية فيها؛ فإنها ما زالت تواجه تحديات ذاتية وأخرى موضوعية، من أبرزها الآتي:

أولا- التأثر بمظاهر الحياة المادية المطروحة بقوة في الغرب اليوم، بعد ترهل الدين المسيحي فيه؛ فالحياة في بريطانيا قائمة على المادية دون اعتبار للجانب الروحي، والمنظومة الأخلاقية، وهذا يشكّل للأقلية المسلمة تحدياً في الحفاظ على مبادئها الدينية، ونظم قيمها وتقاليدها الاجتماعية النابعة من الإسلام، دون أن تتعارض مع روح الحضارة الغربية السائدة؛ ولذا فإنّ الأقلية المسلمة في حاجة إلى تنقيحات فعلية لبعض المبادئ الحسنة في الحضارة الغربية، وتبنيها على أنّها تراث إنساني، وتطوير أساليب التعامل مع المبادئ المتصادمة مع صريح الإسلام فيها. ومما يساعد في ذلك في بريطانيا وكثير من الدول الغربية الامتناع عن مزاولة بعض القضايا بدافع ديني، وهو حق دستوري مكفول لكل مواطن.

الأقلية المسلمة بحاجة لتنقيحات فعلية لبعض المبادئ الحسنة في الحضارة الغربية، وتبنيها على أنّها تراث إنساني

بعبارة أخرى: إنّ التحدي يكمن في خلق معادلة توازن بين الخوف من الذوبان في الثقافية السائدة بقضها وقضيضها والاندماج المحمود مع الحفاظ على الهوية الإسلامية، والتعامل بالهدوء مع الدعوات التي تهدف لإخضاع الأقلية المسلمة للسياقات الغربية المهينة ومحاولة خلق إسلام غربي على غرار ما حدث للمسيحية في المنظومة الغربية.

ثانيا- رغم أن بريطانيا هي واحدة من أفضل البلدان الأوربية من حيث الحقوق والحريات التي يتمتع بها المسلمون؛ فقد لوحظ في الفترة الأخيرة في أوساط بعض البريطانيين تصاعد خطاب العنصرية والكراهية للمسلمين (الإسلاموفوبيا)؛ الأمر الذي تسبَّب ويسبب ضغطا نفسيا على المسلمين، رغم أن الخطاب الرسمي ظل يؤكد على أنّ المسلمين جزء من النسيج الاجتماعي البريطاني، ولهم ممثلون في المؤسسات الرسمية وفي الأحزاب المختلفة.

ثالثا – وجود لوبي ضغط قوي من جماعات مصالح تسعي لعرقلة النمو الطبيعي للإسلام في بريطانيا مستفيدة من تزايد هواجس الخوف من الإسلام بسبب التصرفات التي أحدثها بعض المنتسبين إلى الإسلام كأحداث 11 سبتمبر في أمريكا و7|7 في لندن وتفجيرات مدريد وباريس وبروكسل وغيرها، مما يُخشَى معه أنْ تُصبحَ الأقلية المسلمة في بريطانيا وفي الغرب عامة رهينة التطرف والتطرف المضاد، إضافة إلى أنّ صورة المسلم بشكل عام والمسلم في الغرب بشكل خاص تتعرض لتشويه من مختلف وسائل الإعلام والرأي العام في الغرب بقصد أو بدون قصد، كما أنّ ممارسات بعض المسلمين -كما سبق- كانت عامل تشجيع لتشويه صورة المسلم، ومن هنا تأتي تحديات قصوى للأقلية المسلمة لعكس صورتها الصحيحة للرأي العام في الغرب.

رابعا- إنّ وجود التباين بين الأقلية المسلمة في بريطانيا من نواحي: الأصول الاجتماعية والفكرية بدلا أن يكون ذلك عامل ثراء ثقافي أصبح عامل ضعف يؤثر في التماسك بين أفراد الأقلية، ونتيجة لذلك لا تمثل الأقلية اليوم قوة اجتماعية وسياسية متماسكة، ولذا فهي ممثلة بأقل من حجمها في مجالس البلديات والبرلمان والمؤسسات الرسمية الأخرى، وبناء على ذلك فإنّ تأثيرها على صانعي القرار البريطاني يعتبر متواضعاً ومحدوداً، بالإضافة إلى مشاكل أخرى داخل الأقلية، كما تعاني أيضا من تحديات التواصل بين الأجيال المسلمة لتباين أوضاعهم الاقتصادية والثقافية، واختلاف العادات والتقاليد بين الجيل المهاجر والأجيال المولودة في بريطانيا؛ لخصوصية بيئة المنشأ والظرف التاريخي لكل منهما.

الأقلية المسلمة ممثلة بأقل من حجمها في مجالس البلديات والبرلمان والمؤسسات الرسمية الأخرى

خامسا- على الرغم من التقدُّم الذي أحرزه المسلمون في بريطانيا في العقدين الماضيين من تحسين وضعهم الاقتصادي والتعليمي، وتزايد تمثيلهم في الطبقات الاجتماعية والاقتصادية العليا، علاوة على وجود مؤشرات للتنقل من طبقة اجتماعية إلى أخرى فإنّ جزءا من الأقلية المسلمة ما زال يواجه صعوبات اقتصادية؛ حيث إنّ أعدادا من المسلمين ما زالوا يعيشون في المناطق الموصوفة بالجيوب الفقيرة في بريطانيا، ويوجد بينهم معدل بطالة عالٍ بمقارنة بالمعدل القومي.

وفيما يخص العنصر النسائي، فهناك نسبة كبيرة من النساء المسلمات لسن جزءاً من سوق العمل.

 أما فيما يخص الوضع الصحي لمسلمي بريطانيا فإن الأوضاع الصحية لفئة كبار السن من المسلمين متدهورة بشكل ملحوظ، وينطبق ذلك على حالات الإعاقة المعلن عنها، بالإضافة إلى ذلك يعتبر وجود عدد من المسلمين في السجون أمراً مثيراً للقلق.

سادسا- تحدي توحيد مناهج التعليم الإسلامي في بريطانيا لتعكس متطلبات البيئة المحلية بدلا من جلب مناهج صُممتْ لبيئة مختلفة، تُسبب عند إنزالها في الواقع المغاير إرباكا وتخبطا في مخرجات العملية التعليمية، وينطبق ذلك أيضا في إعداد الدعاة؛ لأن البيئة الاجتماعية تختلف عن البيئات الإسلامية في الشرق الأوسط أو جنوب شرق آسيا التي دأبت الأقلية على إتيان الدعاة والأئمة منهما.

بعض الدول الإسلامية تسعى جاهدة للتأثير في الأقلية ومؤسساتها وتصدير الأمراض الاجتماعية والسياسية إليها

سابعا- من التحديات الكبيرة مواقف بعض الدول الإسلامية التي تسعى جاهدة للتأثير في الأقلية ومؤسساتها وتصدير الأمراض الاجتماعية والسياسية إليها من تلك البلدان.

على العموم كانت هذه محطات الأقلية المسلمة في بريطانيا منذ نشأتها وتطوّرها تدريجياً حتى أصبحت اليوم الثالثة من حيث العدد بعد المجموعة المسيحية واللادينيين في البلاد. وتتميزّ بالتنوعات العرقية والعَقدية والفكرية والتطورات العددية والتوزيع الجغرافي والانتشار في مختلف الوظائف والتقدم الذي أحرزته الأقلية المسلمة في عدة أصعدة، ولكن في الوقت نفسه ما زالت تواجه تحديات ذاتية وأخرى موضوعية والدور المطلوب منها محاولة التغلب على أغلب تلك التحديات.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى