مقالاتمقالات مختارة

مسلمو الأويجور.. بين قهر العدو وخذلان الشقيق!

مسلمو الأويجور.. بين قهر العدو وخذلان الشقيق!

بقلم د. حلمي القاعود

أينما ولّيت وجهك في عواصم العرب والمسلمين تجد حضوراً اقتصادياً مكثفاً لدولة الصين الشيوعية، بدءاً من المشروعات الكبرى لشق الطرق واستثمار المزارع والمصانع وإدارة المؤسسات التدريبية والتعليمية المختلفة، إلى التوريدات والمحلات التي تكتظ بالسلع والبضائع الصينية التي تلبي حاجات الناس في المجالات كافة، ما يحتاجه المطبخ والمدرسة والجامعة والمصنع والمزرعة..

يأتي المندوبون من بكين والمدن الأخرى إلى عواصم العرب والمسلمين ويعودون محملين بعقود مالية ضخمة، ويذهب الأذكياء والفهلوية من تجار العرب فيتعاقدون على ملء السفن بالبضائع الرخيصة البسيطة التي يكسب تجار الصين من ورائها عشرات الملايين، كما يتوجه إلي عاصمتهم مئات الآلاف من المرضى الذي يزرعون الكبد أو القلب أو يعالجون من أمراض مزمنة!

مئات الملايين من الدولارات التي يملكها العرب والمسلمون تدخل بطريقة شبه يومية إلى جيوب الحكومة الصينية وتجارها، ومع ذلك لا تخدم الصين قضية عربية أو إسلامية واحدة، لأن أصحاب الملايين العرب والمسلمين لا يتحدثون عن قضاياهم ومصالحهم العامة، إنها علاقة بين تاجر ذكي ومليونير ذاهل! التاجر يخدع المليونير بالكلام ويضحك عليه ويستنزف ما يملك! والمليونير مشغول بحياته اللاهية البائسة، لا يتذكر ما يفرضه الدين وما توجبه الأخلاق، وما تحتمه الأخوة والمروءة والإنسانية.

تعلن الصين الشيوعية أنّ “الإسلام مرض أيديولوجي”، وتقود حرباً غير متكافئة ضد أقلية الأويجور المسلمة لتمحو إسلامهم، وتمزق وجودهم في مناطقهم فتفرقهم في مناطق أخرى لينسوا إسلامهم وعقيدتهم وحضارتهم.

لقد هدمت الصين كثيراً من المساجد وحرّمت على مسلمي الأويجور ملابسهم التقليدية التي يؤدون بها الصلاة بالإضافة إلى تحريم الحجاب والنقاب، كما حرّمت عليهم اقتناء القرآن الكريم، وأفادت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية عن مصادر أويجورية بالمنفى أن السلطات الصينية أمرت أقلية الأويجور بتسليم جميع المصاحف وسجاجيد الصلاة أو غيرها من المتعلقات الدينية، وإلا سيواجهون “عقوبة”، لقد منعتهم السلطة الشيوعية من دفن موتاهم بالطريقة الإسلامية، وفرضت عليهم إحراق جثثهم على الطريقة الصينية!

وأخيراً كانت الطامة الكبرى باحتجاز نحو مليون مسلم أويجوري فيما يسمى مراكز “مكافحة الإرهاب”، بالإضافة إلى إجبار مليونين آخرين من مسلمي الأويجور على حضور معسكرات ما يسمى إعادة التأهيل للتلقين السياسي والثقافي، وتعلّم لغة الماندرين الصينية وتلاوة مدائح للحزب “الشيوعي الصيني”، ولم يسلم الأطفال من طغيان الحزب الشيوعي الصيني، الذي أقام أيضاً معسكرات ومدارس يُفصل فيها الأطفال المسلمون الأويجور، عن عائلاتهم ولغتهم ودينهم وثقافتهم، كما أشارت إلى ذلك لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة.

إن حملات القمع التي تشنها الحكومة الصينية الشيوعية ضد مسلمي الأويجور ما زالت متواصلة مع استنكار الأمم المتحدة وبعض الدول وأصحاب الضمير في العالم، وكثيراً ما خرجت من وراء سور الصين مآسٍ عديدة، وجرائم وحشية ضد المسلمين في شينجيانج (تركستان الشرقية) وغيرها، وعلى سبيل المثال:

يحكي تور جونجان (44 عاماً) إلى أنه “كان يملك محلاً للمجوهرات، وكان يسافر بانتظام بين تركيا والصين على مرِّ أربع سنوات، وفي إحدى هذه الرحلات في منتصف العام 2017م، ألقي القبض على أفراد عائلته دون أي تفسير وجُمِّدت حساباته البنكية”.

يقول جونجان: “ليس لديّ ما أخسره بعد أن اعتقلوا زوجتي بلا سبب، ولا أعرف مكان طفلي الصغيرين التوءم وولدي المراهق”.

ويضيف: “كل ما نريده هو السلام والأمن والديمقراطية والحرية، يُقدِّم أمثالي ممَّن يعيشون خارج الصين وفقدوا التواصل بأفراد أسرهم، تضحياتٍ هائلة من أجل السلام”.

لقد أعربت الأمم المتحدة أكثر من مرة عن قلقها بعد ورود تقارير عن اعتقالات جماعية للأويجور، ودعت لإطلاق سراحهم وإخراجهم من معسكرات ما يسمى “مكافحة الإرهاب”، تعترف بكين باعتقال بعض المسلمين ولكنها تزعم أنهم متشددون يدعون للانفصال عن الصين وإثارة الاضطرابات، ولكن المعتقلين كثرة كاثرة من الأئمة وعلماء الدين والموظفين والمعلمين والتجار والنساء والشباب، وجريمتهم أنهم يرفضون الإلحاد، ويمتنعون عن الاستسلام لإرادة الحزب الشيوعي.

لقد كان الأويجور في أوائل القرن العشرين يتمتعون بالاستقلال، ولكن بكين الشيوعية أخضعت مناطقهم بالكامل لسيطرتها عام 1949م.

واليوم يهدف الشيوعيون إلى مسح ذاكرتهم وهويتهم وتاريخهم تماماً حتى لا يرفعوا صوت الأذان في بلادهم المحتلة.

إن الصين الشيوعية تعتمد في حملة القمع والإذابة على الحجة البليدة الرخيصة التي ترفعها دول وحكومات قمعية في أرض الإسلام وخارجها، وهي الإرهاب لتقضي على المسلمين الأبرياء، وتستأصل الإسلام من جذوره في نفوسهم وأفئدتهم.

من المفارقات العجيبة والغريبة أن سفراء 22 دولة غير إسلامية لدى الأمم المتحدة منها أستراليا وكندا وبريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا، قاموا بالتوقيع على رسالة لمسؤولي حقوق الإنسان في المنظمة الدولية، تدين ممارسات حكومة بكين الشيوعية ضد مسلمي الأويجور في تركستان الشرقية، بينما قامت 11 دول عربية -ضمن 37 دولة أخرى- بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة تدعم فيها سياسة بكين تجاه مسلمي الأويجور، وتشيد بما وصفته إنجازات الصين في مجال حقوق الإنسان، وتزعم الرسالة النكدة أن الصين الشيوعية الظالمة تواجه تحدياً خطيراً يتمثل في القضاء على الإرهاب والتطرف في الإقليم.

وتجاهلت الدول العربية الإحدى عشرة ومعها بقية الدول السبع والثلاثين، ما يعانيه المسلمون الأويجور في تركستان من قمع واضطهاد وقهر تحدثت به الركبان، وأشارت إليه لجان الأمم المتحدة، بل وتشيد بما تسميه إنجازات صينية في مجال حقوق الإنسان!

لماذا يا دول العرب الإحدى عشرة تخذلون أشقاءكم، وتؤذونهم بدعم جلاديهم، بينما دول غير إسلامية تقف إلى جانبهم وتدعمهم؟!

لماذا نسيتم تعاليم الإسلام في نصرة المظلوم؟ لماذا لا تقفون مع الحق والجانب الضعيف المظلوم؟ هل قرأتم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ عِرْضُهُ إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَتُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ إِلَّا نَصَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ” (أخرجه البخاري وأبو داود والبيهقي).

لماذا لم تسكت الدول العربية إذا لم تكن تود نصرة الأشقاء المسلمين؟ “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” (رواه البخاري، ومسلم).

لم تعد حكاية مسمار جحا المسماة بالإرهاب تنطلي على أصحاب العقول، لأن الإرهابيين في معظم الأحيان لا يصيبهم أذى ولا عقاب، الأذى ينزل بالأبرياء والمظلومين.. هل نذكر لكم آلاف الضحايا الذين قتلوا بأشد أنواع الأسلحة فتكاً تحت لافتة مكافحة الإرهاب في بلاد العرب والمسلمين؟

للأسف لم يقتصر الأمر على الحكومات، ولكنه انتقل إل بعض القوى العلمانية والملحدين وخصوم الإسلام، الذين يرددون كلاماً رخيصاً يدعي أن الإرهابيين والمتشددين تسللوا إلى قلب الأويجور فحرضوهم على الثورة! كيف يثورون وهم في المعتقلات والسجون وتحت القمع الدموي الذي لا يرحم؟

إني أناشد التجار والأفراد والشركات والمؤسسات الذين يملكون ضميراً إنسانياً حياً أن يقاطعوا الصين اقتصادياً، حتى تفيء إلى الصواب، وترفع يدها عن الأشقاء المسلمين في تركستان الشرقية.

أما الحكومات فأمرها إلى الله، لأن الشعوب العربية لم تعد تملك إزاءها شيئاً بعد أن قويت قبضتها، وصارت حساسيتها مفرطة ضد كل ماله علاقة بالإسلام، ونطلب من الله الرحمة واللطف.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى