مقالاتمقالات مختارة

مستقبل الصراع في تونس

مستقبل الصراع في تونس

بقلم حسن الرشيدي

لم يكن أحد يتوقع أن تبدأ ما عرف بظاهرة الربيع العربي حين انطلقت من تونس أواخر عام 2010 وامتدت في عدد من دول المنطقة، ولكن بمرور أكثر من عشر سنوات وطيلة الفترة الماضية بدأت أحلام هذا الربيع تتهاوى وتنهار إما بتدخلات خارجية، وإما بتصدي عصابات الفلول في هذه البلدان الذين يريدون ارجاع نفوذهم المفقود، وإما سوء إدارة وقلة خبرة سياسية ممن أداروا أمور الحكم في بلدان الربيع العربي، وقد تكون هذه الأمور الثلاثة معا متداخلة.

وظلت تونس أولى البلدان صامدة إلى حد ما لهذه الأنواء طيلة الفترة الماضية كاستثناء، إلى أن أقدم الرئيس التونسي قيس سعيد على اقالة الحكومة وتجميد البرلمان.

وتصاعد التوتر في البلاد في الخامس والعشرين من يوليو الحالي، بعد أن أقال الرئيس قيس سعيد، رئيس الوزراء هشام المشيشي وعلق عمل البرلمان، وهي خطوة اعتبرها خصوم الرئيس في تونس “انقلاباً خطيراً”.

وهنا يتبقى السؤال الأهم هل انتهى بالفعل الربيع العربي بذلك الاجراء الذي اتخذه الرئيس التونسي؟ هل سيعود النظام السياسي التونسي إلى سابق عهده ما قبل 2010 من الحكم الفردي مرة أخرى؟

لوضع سيناريوهات مستقبل تونس يجب علينا تحليل العوامل المؤثرة في الصراع الدائر الآن في تونس ومدى تأثيرها في السيناريوهات المستقبلية.

أولى هذه العوامل هي التدخل الخارجي:

وتدخل الخارج في الشأن الداخلي التونسي يأتي على صورتين: إما تدخل إقليمي أو دولي.

فالتدخل الخارجي جاء من محور دول الإقليم والتي ترى في الربيع العربي خطرا عليها، من زاوية الفوضى التي يسببها في المنطقة، وأيضا من تداعياته وتأثيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية.

وكما ساعد هذا المحور على وأد الربيع العربي في دول مثل مصر وليبيا وسوريا، فإنه يتطلع الآن إلى انهاء هذا الربيع في دولة المهد والذي انطلق منها وهي تونس، حتى يكون كابوس الربيع العربي قد انتهى دائما في نظر هذا المحور.

قامت استراتيجية هذا المحور لتغيير الأوضاع في تونس على نحو ما جرى في مصر مع بعض التغييرات الجوهرية والتي سببت كثيرا من المتاعب فيما بعد.

أما أوجه التشابه الذي يجري الآن في تونس مع ما جرى في مصر بعد يناير 2011 وحتى يوليو 2013 فارتكزت على ثلاثة محاور رئيسة:

أولا/ إيجاد طرف داخلي قوي يتحالف معه ويسلمه السلطة…هذا الطرف يرفض الربيع العربي ويشعر أن مصالحه سوف تنهار إذا استمر التغيير، ويدرك أن تبعيته لقوى المحور المناوئ للربيع العربي هي التي تضمن بقاءه في السلطة.

ثانيا/ عدم تمكين القوى التي أتى بها الربيع العربي إلى الحكم من السلطة الحقيقية والفعلية، بحيث تفشل هذه القوى في إدارة أمور البلاد خاصة المعيشية منها، مما يتسبب في إيجاد حالة من التذمر وخيبة الرجاء من التغيير داخل الطبقات الشعبية، والتي كان يحدوها الأمل في مستقبل جديد وغد مشرق بعد عقود من التهميش والضياع.

ثالثا/ استنفار آلة إعلامية قوية من قنوات فضائية وصحف ومجلات ومواقع تواصل اجتماعي وغيرها، لتنفير الناس من أي تغيير سياسي وشيطنة القوى التي استفادت من الربيع العربي.

رابعا/ احداث فوضى في الشارع والدفع بمجموعات يتم تأجيرها لتعتدي على مقرات قوى التغيير واحراقها، لإنهاك قوى التغيير تلك وليسيطر الشعور بالإحباط وفقدان الثقة في أي تغيير مرتجى من هذا الربيع.

كل هذا حدث في الحالة المصرية وتم تكراره في السيناريو التونسي مع استحداث عدة تغييرات:

أولى هذه التعديلات هو اختيار شخصية مدنية منتخبة والدفع به في المقدمة، مع الصبر الطويل لكي ينضج افشال الربيع العربي على نار هادئة، وهذا التغيير كان دافعه الرئيس هو تخفيف غضب الغرب أو عدم احراج قادته أمام شعوبهم، فالغرب لا يريد شخصا عسكريا على رأس السلطة في دول الربيع العربي لعدة اعتبارات: حتى لا يمكن تسمية ما يحدث بأنه انقلاب عسكري، وأيضا حتى يتولى زمام الأمور شخصا مدنيا يجيد السياسة ويحسن إدارة الأمور ويتعامل مع الغرب بذكاء، بدون استثارة شعوب المنطقة ويدير الملفات الاقتصادية والاجتماعية بكفاءة وبأقل فساد ممكن.

ثاني هذه التعديلات عدم تعطيل الدستور، بل أن يكون هناك حرص على المسار الدستوري خاصة أن الدستور نفسه يعطي الرئيس الحق في تعطيل البرلمان بعد مشورة رئيس البرلمان، وقد اعترف راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي بتلك المشورة مع العلم بأن هذه المشورة غير ملزمة، أما تأويل تلك المادة أو هذا النص فيخضع لتفسيرات عديدة، بعضها بعيد وبعضها جري تحريفه، المهم أن تكون الاجراءات في النهاية دستورية بصرف النظر عن تفسيرها وتأويلها.

ثالث التعديلات هو تحييد الجيش والمؤسسة العسكرية، أو اظهارها بصورة محايدة حتى وإن تم استقطاب القادة لكي يقوموا بحماية الإجراءات المتخذة، ولكن ليس ليحكموا بل يؤدوا أدوارهم خلف الستار.

أما الموقف الدولي ونخص الموقفين الفرنسي والأمريكي وهما الدولتان التي لديهما مصالح قوية في تونس والاقليم فكان موقفهما مختلفين.

فالموقف الفرنسي شديد التحفظ في تصريحاته العلنية، وان كان بعض المراقبين يلمحون إلى دور فرنسي خفي في الأحداث، خاصة أن هناك علاقات قوية تربط قاسي سعيد وماكرون ولا يستبعدون تنسيقا إقليميا فرنسيا فيما جرى.

أما الموقف الأمريكي فكان الموقف العلني هو الإصرار على أن ترجع الديمقراطية إلى تونس، وأن إجراءات قاسي سعيد تكون في إطار الدستور، ونلاحظ تدخلا أمريكيا استعراضيا من جانب ادارة بايدن والحريصة على رفع شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان.

أما العامل الثاني في توقع مستقبل الوضع في تونس هو السلوك السياسي في الداخل التونسي للقوى السياسية:

والمرء يندهش لماذا التركيز إعلاميا على حزب النهضة واهمال بقية القوى الأخرى من علمانية ويسارية وجلها معارضة لإجراءات الرئيس قاسي سعيد.

وبنظرة علمية موضوعية على حجم النهضة وأداءها في السياسة التونسية، وباعتبار نتائج الانتخابات التي جرت في تونس منذ بدء مجريات الربيع العربي، يمكن إدراك حجم القوة الحقيقية لتيار النهضة على النحو التالي:

نصيب حركة النهضة في البرلمانات المتعاقبة على النحو التالي:

89 مقعد من 217 بنسبة 40٪ (المجلس التأسيسي الوطني 2011-2014)

69 مقعد من 217 بنسبة 31.7% (برلمان 2014-2018)

54 مقعد من 217 بنسبة 24.8٪ (برلمان 2019-)

نصيب حركة النهضة في الوزارات المتتالية منذ عام 2011:

– حكومة حمادي الجبالي من حركة النهضة ما بين أواخر 2011 ومارس 2013، عددها 30 وزير منهم ١٥ وزير من حركة النهضة بنسبة 50%

– حكومة على العريض من حركة النهضة (مارس 2013-يناير 2014) وكان بها 10 وزراء من أصل 27 وزيراً من النهضة بنسبة 37%.

– حكومة مهدي جمعة (من خارج النهضة) (يناير 2014-فبراير 2015) وكان بها 21 وزير مستقل (نسبة النهضة صفر٪)

– حكومة الحبيب الصيد (من خارج النهضة) (فبراير 2015-أغسطس 2016) وكان بها 26 وزير بينهم وزير واحد فقط من النهضة بنسبة 3.8%.

– حكومة يوسف الشاهد (أغسطس 2016-فبراير 2020) وكان بها 26 وزير من بينهم 3 من النهضة بنسبة 11.5%.

– حكومة إلياس الفخفاخ (من خارج النهضة) (فبراير 2020-سبتمبر 2020) وكان بها 30 وزيراً منهم 6 وزراء من حركة النهضة بنسبة 20٪.

– حكومة هشام المشيشي (من خارج النهضة) (سبتمبر 2020-يوليو 2021) وكان بها 25 وزير (نسبة النهضة صفر٪)

نصيب حركة النهضة في رئاسة الجمهورية منذ 2011:

لا أحد (صفر٪).

هذه الأرقام انما تدل على أن حزب النهضة وتيارها وان كان من أقوى التيارات في الشارع التونسي ولكن لا يستطيع الحكم بمفرده، كما انه استوعب الدرس الذي حدث في مصر جيدا، وبات يدرك أن قوى الإقليم لا تريد تياره موجودا في السلطة ولا في غيرها، ولذلك بنى لعبته السياسية على تنازلاته السياسية وتحالفاته حتى مع العلمانيين والكارهين لحكم الإسلام، على أمل ان يتم قبوله سياسيا بعيدا عن الاستعباد والتهميش فضلا عن الاستئصال.

المصدر: مجلة البيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى