مراجعة كتاب “إنسانية محمد .. وجهة نظر مسيحية “
مراجعة طارق عزت
لماذا سمح النبي محمد لوفد مسيحي من نجران بالصلاة في مسجده عندما زار المدينة المنورة؟ ولماذا ينسى المسلمون اليوم أن نبيهم صلى الله عليه وسلم قبل التعددية الدينية؟
هل يمكن لمؤمن كاثوليكي أن يقبل النبي محمد باعتباره روح الحقيقة التي تنبأ بها يسوع في الكتاب المقدس؟
هذه ثلاثة أسئلة تتبادر إلى الذهن بعد قراءة كتاب الدكتور كونسيدين الجديد ” إنسانية محمد: وجهة نظر مسيحية “.
للإجابة على السؤالين الأولين ، لا يتذكر العديد من المسلمين أو ربما لم يعرفوا حتى عن وفد نجران . كانوا مجموعة من حوالي ستين أو ثمانين عالمًا مسيحيًا ، وعلى رأسهم أبو حارثة بن علقمة أسقف نجران.
يذكر الدكتور كونسيدين القصة في الفصل الأول من كتابه ليثبت أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) شجع التسامح الديني وكان من دعاة التعددية الدينية.
يتوسع الدكتور كونسيدين في هذه البراهين في الفصل الثاني موضحًا أنه في عام 622 م منح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) اليهود الحرية الدينية من خلال ميثاق المدينة المنورة .
إن موقف النبي محمد الحازم ضد جميع أنواع التحيز هو موضوع الفصل الثالث ، وهي قضية تأتي في الوقت المناسب مع استفحال أزمة العنصرية في عدد من البلدان اليوم، ويذكر الدكتور كونسيدين القراء بفريضة الحج الملهمة التي قام بها مالكولم إكس عندما اكتشف عدم وجود تفاوت عرقي في مكة.
الفصل الرابع: طلب العلم وأهميته في الإسلام. قد يكون القراء على دراية بتاريخ المسلمين بالأندلس والتفاعلات الإيجابية بين أتباع الديانات الإبراهيمية ، لكن القليل منهم على دراية بأهمية صقلية في نقل المعرفة إلى أوروبا.
يلقي الدكتور كونسيدين الضوء على تلك الحقبة الذهبية للإسلام في أوروبا ليعطينا مثالًا إيجابيًا آخر على حوار الحضارات وثماره.
ثم تناول الدكتور كونسيدين موضوع حقوق المرأة في الفصل الخامس ، وقدم ملخصًا يبرز أهمية الجوانب المتعلقة بالمرأة في الإسلام، فمن وجهة نظره أن الإسلام في القرن السابع أعطى للمرأة عددا من الميزات في وقت لم تتمتع النساء الأخريات في العالم بنفس الحقوق. لقد كانت ثورة اجتماعية.
ويختتم الكتاب بمعالجة السؤال الثالث المطروح. هل يمكن للمؤمن الكاثوليكي أن يقبل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على أنه “روح الحق” الذي تنبأ به يسوع في الكتاب المقدس ؟
قد تكون الإجابة على هذا السؤال هي الأكثر إثارة للاهتمام من بين الأسئلة الثلاثة للعديد من القراء. نقل عن عيسى عليه السلام : ” إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ،وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ.” (يوحنا 14: 15-17 )
هل أخبر عيسى عليه السلام أتباعه بنبي يأتي بعده؟ وهل لم يذكر في هذه الآيات إلا محمد من سلالة النبي إبراهيم عليه السلام من ابنه إسماعيل؟
سيرد معظم المسلمين على هذا السؤال بالإيجاب. وجميع المسيحيين ، مع استثناءات قليلة مثل الدكتور كونسيدين ، قد يزعمون أن الأمر ليس كذلك.
وهناك آية قرآنية تؤكد موقف المسلمين ، قال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } (الصف : 6 )
وجدت صعوبة في التوقف عن القراءة بمجرد أن بدأت بقراءة الكتاب. يعتبر توقيت إصدار الكتاب ممتازًا لأن معظم القضايا المتداولة ذات صلة بعالمنا اليوم. في وقت تتصاعد فيه القومية والانقسام والاستقطاب في العديد من البلدان ، يعد هذا الكتاب تذكيرًا قيمًا بقيمة التعددية الدينية.
جلب عام 2020 عددا من التحديات بما في ذلك المناهضة العالمية للعنصرية ، وهو موضوع تمت تغطيته جيدًا من قبل الدكتور كونسيدين.
يعتبر هذا الكتاب مفيدا أيضًا ومرجعا ذهبيا للتعامل مع التحديات العالمية مثل قضية اللاجئين. لقد استمتعت بقراءة هذا الكتاب وأوصي به بشدة لجميع القراء من كل الديانات والطوائف.
بالنسبة للمسلمين ، يعد هذا الكتاب بمثابة تذكير مناسب لما أظهره النبي محمد صلى الله عليه وسلم من رأفة وإنسانية. كان رحمة للعالم بأسره.
وبالنسبة للأشخاص الذين ينتمون إلى ديانات أخرى وليس لديهم ديانات ، يعتبر الكتاب مصدرًا مهمًا ومحايدًا وموضوعيًا.
وكان الأكاديمي الأميركي الكاثوليكي أستاذ علم الاجتماع بجامعة رايس بالولايات المتحدة كريج كونسيدين قد نشر مقالا منتصف السنة الجارية بمجلة “نيوزويك” عبر فيه عن إعجابه بشخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإنسانيته، وذكّر بتعاليمه في مواجهة الأمراض المعدية.
وقال الكاتب والباحث المتخصص في العلاقات بين الأديان الدكتور كريج كونسيدين إن نبي الإسلام هو أول شخص في تاريخ البشرية عارض العنصرية والعبودية.
ويضيف مؤلف كتاب “إنسانية محمد.. نظرة مسيحية”، أنه متأثر بشخصية الرسول الكريم وبمقولاته، وأنه كثيرا ما يستشهد في مقالاته بأحاديث نبوية.
ويرى الكثيرون أن مقالات كونسيدين وكتبه تخاطب الغرب الحديث بأسلوبه، وتجيب عن تساؤلاته بشأن التقارب بين الأديان وتركز على المشترك فيها.
د.كريغ كونسيدين أستاذ جامعي في علم الإجتماع بجامعة رايس
(المصدر: إسلام أونلاين)