مقالاتمقالات مختارة

محاور الخطاب الإسلامي في ظل أزمة كورونا

محاور الخطاب الإسلامي في ظل أزمة كورونا

بقلم عزة مختار

هل يعد الوباء العالمي #كورونا طوفان نوح الذي تستفيق البشرية بعده وتؤوب إلى ربها وخالقها وتعدل عن خط الظلم الذي يحكمها بالرأسمالية العفنة التي تجنبت مصالح الإنسانية ووضعت مصالح حفنة قليلة على رؤوس الأشهاد وحياتهم دون اعتبار لأي عامل إنساني قبل الغرق الكلي؟

هل يمثل المسلمون بما يحملونه من منهج سماوي لم تنل منه يد بشرية بالتحريف بالزيادة أو النقصان، وبما يحمله من توازن يحفظ حياة الإنسان في الدنيا ويضمن نجاته في الآخرة، ويضمن كذلك بقاء الإنسانية في أمان على ذلك الكوكب، هل يعد السفينة المنقذة لمن يلحق بها خاصة بعد رفع الأذان في عواصم أوروبية لأول مرة؟

هل تعد ممارسات المسلمين في أوروبا كافية لإقناع الآخر بالإسلام وهم الذين يقطنونها منذ عشرات السنين وسط التضييق والملاحقة والاتهام بالإرهاب وكانوا برغم ذلك دافعاً لإسلام المئات، بل والآلاف في كل بقاع القارة القديمة ؟

ثم على الوجه الآخر: هل يعد العالم العربي والإسلامي نموذجاً جاذباً لمن يريد الاهتداء بنور الإسلام أن يتبعه؟ وإن لم يكن للدين دولة تعبر عنه وينطلق منها فاتحاً قلوب الخلق، فمن يمثل الإسلام اليوم ومن يعبر عنه، ومن يحمل رايته ليجوب بها العالمين؟

الحضارة الغائبة في الداخل العربي والإسلامي

تعد نازلة كورونا هي النازلة الأكبر والتي أحاطت بالبشرية كلها من عرب وعجم، وكل شعب من الشعوب أظهر حضارته في استقبال المحنة، وتعرّت شعوب وحضارات مادية، وانكشف زيفها وضآلة حجمها وأنها تقف بغير عمد تستند عليها، قرر أهلها عدم معالجة كبار السن وأصحاب الاحتياجات الخاصة من مرضى متلازمة داون.

لقد كشفت الحضارة الغربية عن وجهها القبيح حين تخلت عن الشق الإنساني بها لصالح الرأسمالية العفنة، تتناحر على كل وسيلة تقيها المرض ولو كان على حساب الآخر، ووسط تلك الإشكالية وقفت تبحث عن دواء بكل قوتها، تنفق فيه الأموال، وتغدق على الباحثين ولو كانوا على غير ملتها، المهم هو العلم في المقام الأول، العلم الذي وقف عاجزاً حتى اليوم عن مواجهة فيروس لا يرى بالعين المجردة.

وعلى الجانب الآخر نجد دولاً وكيانات مسلمة تحافظ على الإنسان لمجرد كونه إنساناً، لتتضح أصالة الفكر والهوية ولو بنسبة، كما نجد أيضاً شعوباً وأنظمة بعيدة كل البعد عن أي تعاطي حضاري غربي أو إسلامي، فهي لا تُعنى بالإنسان، ولا بالمادة، هي مجرد بوق غربي مقلد ومردد لما يسمعه ليس أكثر، فلا هي اهتمت بالعلم الذي حث عليه القرآن الذي تتعبد به ليل نهار، ولا هي اهتمت بالمادة فاستغلت مقدرات البلاد والعباد في رفع شأنهم، ولا هي عنيت بالإنسان لتتميز عن غيرها ولو في جانب واحد من جوانب الحضارة.

فكانت المحصلة حضارة إسلامية غائبة ليس عن الغرب وحده، وإنما غائبة بمعالمها وكنهها وروحها وفكرها ومرونتها وسعتها وعمقها عن العقلية العربية المسلمة ، فإن سألت أحدهم كيف هو تصورك للمجتمع الإسلامي، فلا يكاد يبين أو يتصور أو يصف، إن صورة المجتمع الإسلامي حين يطبق الإسلام مجهولة لدى معظم المسلمين، كذلك الحضارة الإسلامية بمفهومها الشامل مجهولة لديهم خاصة أن الاستعمار الغربي حرص على طمس كل ما يتعلق بالتاريخ الإسلامي واستبداله بدراسة تاريخه، وحضارته هو، كما حرص على تجميد الفكر الإسلامي فلا يتناسب مع روح العصر ومستلزماته، ليظل معلقاً بالغرب وحده، وليشعر في باطن فكره ووجدانه أنه أبداً لن يقدر على مسايرة تلك الحضارة العرجاء إلا بالتخلي التام عن حضارته الإسلامية وكل ما يمت إليها بصلة، عليه أن يترك الأمر جملة، كي يستقبل المنتج الحضاري الغربي جملةً وتفصيلاً، ويرفع المسلم بالفعل راية الاستسلام كي يستمتع باستهلاك كل ما هو آت، يفقد الثقة في ذاته، يقرر أن يسكن ويكتفي بالسكون والهوان.

وتأتي الجائحة العالمية لتثبت الجريمة في حق الإنسانية الكبرى، يتفرغ العالم المادي للبحث عن دواء بينما يتسبب في قتل المئات من كبار السن وأصحاب الحاجة مستخدماً في ذلك أموال المسلمين وأفكار علمائهم، بينما العالم العربي يأخذ دور المتفرج والمنتظر لما تؤول إليه الأمور.

إن صورة المجتمع الإسلامي حين يطبق الإسلام مجهولة لدى معظم المسلمين، كذلك الحضارة الإسلامية بمفهومها الشامل مجهولة لديهم خاصة أن الاستعمار الغربي حرص على طمس كل ما يتعلق بالتاريخ الإسلامي واستبداله بدراسة تاريخه

دعوة لعمل مؤتمر إسلامي شامل لعلماء المسلمين والحركة الإسلامية

وتقع المسئولية الكبرى على علماء المسلمين وهيئاتهم الرسمية وغير الرسمية لتشكيل طليعة إسلامية تعليمية وتثقيفية تقوم بدورها في الداخل الإسلامي، إن أولى محاور تجديد وتغيير الخطاب الإسلامي في المحنة العالمية وغيرها، هو الداخل أولاً؛ فالأرض الجدباء لا ينتفع بها أحد، ولن تنتفع الأمة بالإسلام حتى تتلقي القرآن بالقلوب التي تلقته في مكة، فتحولت من أمة غثاء ترعى الغنم، لأمة حضارة في سنوات معدودة ، وبنفس المفاهيم التي أدركوه بها، ولن نستطيع تحمل تلك المفاهيم والتبعات كي تتسلح الأمة وتتقوى به على فهمه والعمل به، فعلى العلماء أولاً أن يحرثوا أرضهم الخاصة، ويصلحوا من شأنها، ويهيئوها لاستقبال الدين بالمفهوم الجديد، المفهوم الذي تنزل على النبي في جوف الغار، وهو ذاته الذي أمره أن يستعين بالصلاة والقيام كي يتحمل تبعاته في قوله تعالى في سورة المزمل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 1 – 7] ومن هنا أدعو هيئات علماء المسلمين، والحركات الإسلامية التي واجهت الكثير من المحن وما زالت تواجه وتحارب على كل الأصعدة، وما زالت صامدة -ولو بشكل جزئي- رغم تكالب المحن عليها، أن تشترك جميعها بعمل مؤتمر إسلامي جامع عن طريق شبكة الإنترنت دون التواصل المباشر لتقدم قدوة للعالم في فن إدارة الأزمات، يكون الحديث فيها عن محورين أساسيين:

الأول/ هو البناء الداخلي وكيفية إعادة الأمة الإسلامية إلى هويتها الحقيقية وكيفية استعادة دورها المنوط بها.

الثاني/ هو أولويات الخطاب الخارجي لغير المسلمين، وكيفية تقديم الإسلام في حقيقته كمنقذ للبشرية دون غيره من الوسائل.

إن الإسلام ليس ديناً لاهوتياً كما تصور أهله منذ أكثر من مئتي عام، وكما حاول الغير أن يصور، إنه منهاج حياة كامل، له جانب صغير اسمه عبادات، وله جانب حياتي اسمه معاملات وأخلاق وآداب تنظم حياة الإنسان لتكون في أبهى صورة تضمن له السعادة التي يبحث عنها، والأمان الذي يفتقده، والعدالة التي غابت.

إن الإسلام ليس ديناً لاهوتياً كما تصور أهله منذ أكثر من مئتي عام، وكما حاول الغير أن يصور، إنه منهاج حياة كامل، له جانب صغير اسمه عبادات، وله جانب حياتي اسمه معاملات وأخلاق وآداب تنظم حياة الإنسان لتكون في أبهى صورة تضمن له السعادة التي يبحث عنها، والأمان الذي يفتقده، والعدالة التي غابت

إن العالم مهيأ اليوم لاستقبال الإسلام بصرف النظر على الأنظمة والحكومات والشركات متعددة الجنسيات التي توجه سياسات العالم تجاه حتفه المؤكد ، والمسلمون في العالم اليوم مهيؤون للعودة وتحمل المسئولية تجاه دينهم ورسالتهم لضمان أمن وسلامة العالم ليحيا في سلام من جديد، لكن الأمة تفتقد لتلك الطليعة المسلمة التي تتولى عملية التوجيه والقيادة بكل ما يلزمها من أسباب تضمن لها النجاح والتقدم دون التعرض للوأد من البداية، طليعة تفهم السياسة وتحادث العالم بلغته التي يفهمها ويحتاجها، وساعتها سوف تجد الشعوب الغربية تدخل في دين الله أفواجاً، بعد أن يفقه الداخل حجم ما يحمل من مشروع لا يخصه وحده، وإنما يخص العالم كله، فالرسالة منذ بدايتها تحمل أمارات عالميتها وشمولها، يقول رب العالمين لنبي الإسلام: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 117] إن شعوب العالم تمر اليوم بمحنة عظيمة تضعها أمام مصير محتوم، وما أشد قسوة الموت عند من لا يؤمن بإله ولا يعرف له مصيرا بعد الموت، لقد آن الأوان أن يتحرك الجميع على مستوى العلماء ومسئولي الحركة الإسلامية على خطى متوازية للوصول لصيغة داخلية وخارجية، يخرج بها الإسلام من حالة السكون، إلى حالة الفعل الجديرة بها، لقد آن للأمة أن تتبوأ مكانتها.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى