مقالاتمقالات مختارة

محاسن القضاء الإسلامي

محاسن القضاء الإسلامي

بقلم قاسم صلاح

بسم الله الآمر بالعدل والإحسان، والناهي عن الظلم والعدوان، الذي رفع السماء ووضع الميزان، وأوصانا ألا نطغى في الميزان، وأرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم ليوضح للبشرية سبيل الهدى والحق والإيمان والإحسان، وينقلها من ظلم الأهواء إلى عدل الواحد الديَان.

فإنّ الأمم ما زالت منذ فجر التاريخ وهي تتباهى بنظمها وتشريعاتها، فتطور التشريع فيها دليل على ارتقائها وتطورها، وهو الضامن لاستمرارها وبقاء عزها وسؤددها.

ولذلك نجد أن القضاء في الإسلام نال منزلة عالية سامقة، فأعدّ الفقهاءُ توليه من أوجب فروض الكفايات (1)، بل هناك من فضّله على الجهاد (2)، الذي هو ذروة سنام الإسلام. والقضاء الإسلامي بقي زمانًا طويلًا، يعبر عن عدل الإسلام وسماحته ورحمته، مبهرًا بذلك جميع الأمم التي شاهدتُه، فأظهر في نظم وتشريعات أرقى النظم والقوانين الأوربية، التي تأثرت بالفقه المالكي(3)، الذي حكم طوال ثمانية قرون الأندلس، التي كانت منارةً للعلم ومنبعًا للثقافة الراقية في مختلف نواحيها.

ومعيار التفاضل بين أي نوع من أنواع الأقضية والقوانين، هو قربه أو بعده عن العدل، فكلما اقترب القضاء من تحقيق العدل بنسبة عالية زادت أفضليته، والأحكام القضائية الإسلامية، مستمدة من الوحي المطهر من الرب الخالق الحكيم العليم بحاجات البشر ومصالحهم، وهو أعلم بما يصلحهم دنيا وأخرى، { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير } [سورة الملك:14].

وفي هذه المقالة نحاول استعراض بعض محاسن القضاء الإسلامي الجمة، ومنها أنّ:

1-القضاء الإسلامي رباني المصدر: القضاء في الإسلام مستمد من مصادر التشريع الإسلامي، وهي متعددة ومختلفة باختلاف المذاهب الفقهية، والمتفق عليها أربعة مصادر هي: القرآن والسنة والإجماع والقياس، وهي راجعة للوحيين الكتاب والسنة، والوحي معصوم من الخطأ والزلل، ولذلك أرشدنا الله وأوصانا بالتحاكم إلى شرعه الحكيم، فرب البشر هو أعلم بما يصلحهم، يقول تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا } [سورة الأحزاب:36]، وأَنّبَ من خالف شرعَه وحكمه، وعدّه ممن يبتغي حكمَ الجاهلية، وهي الأحكام الجائرة الظالمة التي كانت منتشرة بين العرب قبل الإسلام، ويُقصد بها كل ما خالف شرع الله تعالى، قال عز وجل: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون } [سورة المائدة:50]، فمن كان موقنًا بالله وبحكمته لم يرض أن يترك ما أنزله الله من أحكام مطهرة، ويذهب للاحتكام إلى شرائع تخترعها عقولُ البشر القاصرة عن تفهم العلل والحِكم والأسرار الربانية في الأحكام المطهرة.

2- القضاء الإسلامي قضاء أخلاقي: يحمي أخلاق الفرد والمجتمع من الفساد، يقول الدكتور مناع القطان: “والقوانين الوضعية تهمل المسائل الأخلاقية، وتقصر المخالفة على ما فيه ضرر مباشر بالأفراد، أو إخلال بالأمن والنظام العام، فلا تعاقب القوانين الوضعية على الزنا في هاتين الحالتين يمس ضرره المباشر الأفراد، كما يمس الأمن العام، وأكثر القوانين الوضعية لا تعاقب على شرب الخمر، ولا تعاقب على السكر لذاته، وإنما تعاقب السكران إذا وجد في الطريق العام في حالة سكر بيِّن”(4)، وهذا الأمر له تبعات كبيرة على سلامة المجتمع والأسرة، ويسبب إهمال الأخلاق إلى ازدياد معدلات الجريمة، فالأخلاق هي الحصن المانع من تجرأ الناس على ارتكاب الجرائم.

3- القضاء في الإسلام ذو طابع إصلاحي: فهو يميل للإصلاح بين الناس، ويدعو للعفو والمسامحة، ابتغاءً للأجر الجزيل من الله يومَ القيامة، وهذا لا يعني ترك بيان الحق وتمكين صاحبه من أخذه، ولكنه يعني نشر فضيلة التسامح بين البشر، ولذلك يُقرر الحُكم، ثم يأتي التحفيز على العفو والمسامحة، يقول الله { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرين } [سورة النحل:126]، وهو القائل سبحانه { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين } [سورة الشورى:40]، وهذا بلاشك يقلل من عدد القضايا المرفوعة إلى القضاء، ويعجل من البت فيها غالبًا، بسبب الدور الإصلاحي للقاضي، خلافا للقضاء الوضعي، الذي يفتقد هذا الجانب، ويسعى لإحقاق الحق، ولو أدّى ذلك إلى الضرر والخصومة والعداوة الدائمة بين الناس.

4-متنوع في وسائل الإثبات: ولذلك اختلفت آراء الفقهاء كثيرا في الفروع والقضايا الظنية، وكان همهم الوصول إلى أقصى درجات العدل، ولذلك ذكروا طرقًا عديدة وكثيرة للوصول للحق، واستعملوا الأمارات والقرائن وفراسة القضاة، وقد كتب الإمام ابن القيم كتابًا جليلًا في ذلك، سمّاه الطرق الحكمية والحكم المرعية، وممن قال في ذلك: “فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ. فَإِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْعَدْلِ وَأَسْفَرَ وَجْهُهُ بِأَيْ طَرِيقٍ كَانَ، فَثَمَّ شَرْعُ اللَّهِ وَدِينُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَأَعْدَلُ أَنْ يَخُصَّ طُرُقَ الْعَدْلِ وَأَمَارَاتِهِ وَأَعْلَامَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يَنْفِي مَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْهَا وَأَقْوَى دَلَالَةً، وَأَبْيَنُ أَمَارَةً”(5).

بخلاف القوانين الوضعية التي جعلت وسائل الإثبات محددة معينة لا حيدة عنها، وفي حال وجود أي خلل فيها تبطل القضية من أساسها ويضيع حق المجني عليه، بسبب قصور الأدلة، أو الطعون الموجهة لها.

5- متوازن وحكيم في تحقيق العدل مع الرحمة: ويظهر ذلك جليًّا في أصول المحاكمات الجزائية الشرعية، فمفهومها واسع جدا، في الشريعة الإسلامية، ولذلك القضاء الإسلامي حريص على وصول المجني عليه أو ورثته إلى حقه، وبعد تمكينهم من حقهم، يدعوهم للمسامحة والعفو، أما في القوانين الوضعية فهي تقف في صف المتهم دائما، وأي خلل في أصول المحاكمات يعود على القضية برمتها بالإبطال وفي هذا مراعاة للمتهم على حساب المجني عليه، بل إنها تبالغ في العطف على المجرم حتى بعد ثبوت إدانته، وتمنع عقوبة الإعدام عنه، مهما كان مفسدًا، زاعمةً أن المجتمع يتحمل جزءًا كبيرًا من الجريمة، بسبب تقصيره في رعاية المجرم في صغره، مما دفعه للارتكاب جريمته تلك، ولذلك من الواجب تقديم واجب الإصلاح للمجرم، لا عقوبته العقوبة البدنية الرادعة له ولأمثاله، ولهذا شرعت العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية، وفي هذا التوجه إهدار لحقوق المجني عليهم وللمجتمع بشكل عام، لصالح المجرم، الذي ألحق الأذى والضرر البالغ بضحاياه، حتى وصل للقتل أحيانا.

6-ثراء المخزون القضائي بالواقعات والسوابق القضائية: حكمت الشريعة الإسلامية طوال عقود مديدة بلادًا وأجناسًا مختلفة، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، واستوعبت اختلاف البيئات والعوائد والأعراف، وصار لدينا مخزون فقهي وقضائي ثريٌّ جدًّا، يصعب حصره، بل قد يكون محالًا، والقضاء الإسلامي بذلك يتفوق على القوانين المدنية الغربية كالقانون الفرنسي، الذي لا يراعي اختلاف العوائد والأعراف للبلاد الأخرى، بخلاف دول القانون العام كالقانون الإنكليزي، الذي يعتمد على السوابق والأعراف القضائية، ولا غرابة في تفوقه عليها جميعها، فهو قد استوعب بلادا وأقواما مختلفين، وحكم بالعدل بينهم عبر مئات السنين، وأما القوانين الوضعية التي حُكم بها، في البلاد العربية، فهي محض اجتهادات لقضاة مدارس غربية غريبة عن ثقافة الشعوب المسلمة، فرضت حكم قوانينها على المسلمين، زمن ضعفهم وانحلال أمرهم، وتسلط الفرنجة عليهم، وشعورهم بالنقص أمامهم، فباتوا يقلدونهم في كل شيء، ويولونهم زمام أمور السياسة والجيش والتعليم، فكان ما كان من استبدال الأحكام الشرعية بالقوانين الوضعية المستوردة، والخليطة من قوانين متعددة، يقول الشيخ عطية سالم متحدثًا عن بداية ظهور القوانين الوضعية في العالم العربي: ” أما وجوده فِي مصر: فَكَانَ بَدْء ذَلِك سنة 1856م وَقبلهَا كَانَ الحكم لِلْإِسْلَامِ. وَلَكِن بَدَأَ فِي هَذَا التَّارِيخ مُنْذُ أنشأت مجَالِس قضائية محلية. بجوار المحاكم الشَّرْعِيَّة الْمَحَلِّيَّة أَيْضا. ثمَّ تشعب الْقَضَاء وَوجدت الامتيازات والحماية. وَفِي سنة 1876 ظَهرت المحاكم المختلطة على يَد نوبار باشا فِي عهد إِسْمَاعِيل باشا وَكَانَ قانونها مكونا من القانون الفرنسي والإيطالي والبلجيكي وواضعه ((مسيو مونري)) المحامي الفرنسي الَّذِي كَانَ مَوْجُودا بِمصْر آنذاك”(6).

7- متوازن في حفظ حقوق الفرد وحقوق المجتمع والدولة: انتشرت فلسفتان متضادتان في أوربا، وهما فلسفة الحرية المطلقة وذلك أواخر القرن الثامن عشر، وفلسفة الاشتراكية، وبناء على سيطرة إحدى الفلسفتين تطورت أحكام وقوانين القضاء في أوربا، فروسيا مثلا، وهي رائدة الشيوعية في زمانها، حرمت الفرد من أكثر حقوقه، وجعلت منه خادمًا وعبدًا مملوكًا للدولة، ولذلك وقع على الأفراد ظلمٌ شديد، راح ضحيته ملايين البشر، في رحلات التهجير القسري إلى سيبيريا، الاستيلاء على أموال الناس بحجة حاجة الدولة لها، دون أي اعتبار أو تقديم أي تعويض معقول ومناسب، بخلاف القوانين الغربية التي أعطت الأفراد حريات شبه مطلقة، فلما وجدت المفاسد الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية لسوء استعمال تلك الحريات الممنوحة لكل الناس، بدأت في تقييدها، شيئا فشيئا، لكبح جماح تسلط الشركات العملاقة على اقتصاديات الدول، وتحكمها في قرارها السياسي أحيانا كثيرة، مع انتشار الجريمة والرذيلة، وكم من طريق سريع يخدم ملايين البشر، يقطعه كوخ صغير قديم واقعًا في وسطه، بحجة احترام الملكية الفردية، والإسلام وسط بين النظريتين، فهو يحترم الملكية الفردية ويعلي شأنها، ويعظّم من حرمة الأموال والدماء و الأعراض، وفي نفس الوقت يحرص على تحقيق مصالح الدولة والمجتمع، وتحقيق متطلباته، ولو على حساب الملكية الفردية، مع تقديم التعويض العادل والمعقول لصاحب الحق الخاص، وبذلك يكون قد وازن بين مصالح جميع الأطراف.

8-الاعتماد على الوازع الديني لدى المتخاصمين: بما أن القضاء الإسلامي هو قضاء ديني يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية هي معتقد الخصوم في الغالب، فإن القضاء يحكم بما يظهر له من البينات والحجج، ويحث المتخاصمين على التزام الشرع وتقوى الله في أنفسهم، ومن أدلة ذلك قوله النبي عليه الصلاة والسلام: “إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيتُ له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها”(7)، ولذلك فاعتقاد المتخاصمين يخفف كثيرا على القضاة، خاصة في اعتماد يمين المدعى عليه أو المدعي في حالات، وكذلك في شهادة الشهود، وغير ذلك من التفاصيل، بخلاف القضاء الذي يعتمد القانون الوضعي، فإن الناس لا يرون له قداسة في نفوسهم، فيسعون جاهدين للتحايل والتملص من أحكامه، التي يرونها برأيهم جائرة وظالمة.

9-سعة السلطات الممنوحة للقضاة في الإسلام: في الإسلام يقوم القاضي بمهام عديدة، لا تقتصر على الدور القضائي المعروف في الدولة الحديثة، بل يتعداها إلى سلطة تشريعية للقوانين، فيما يخص التعزيرات، وشيء من السلطة التنفيذية فيما يخص قضايا الحسبة، ولذلك فإن مشاركة القاضي في منع مسببات الجرائم المختلفة من خلال سن القوانين التعزيرية الضامنة لتقليل وقوع الجريمة، ومعالجة الانحراف الأخلاقي وغير الأخلاقي في المجتمع أولا بأول من خلال وظيفة الاحتساب، كل هذا يجعل عدد القضايا المعروضة بين يدي القاضي قليلة مقارنة بعدد القضايا المعروضة أمام القضاء الوضعي.

10-القضاء الإسلامي وقائي: يعالج المشكلات من أساسها، وذلك بمنع مسببات الجريمة في المجتمع، وكذلك الظواهر السلبية، معتمدا على السلطات الواسعة الممنوحة للقضاة، ومستفيدًا من الوازع الديني المنبثق عن العقيدة الإيمانية لدى المسلمين بشرعهم، مما يجعله أكثر عدلا وإنصافا للجميع، فغالب جرائم الشرف والقضايا الأسرية، تكون بسبب اختلال ميزان العدل في الحكم بين الزوجين، ولذلك يعرض كثير من الشباب عن الزواج خوفَا من التبعات القانونية الجائرة بحقه في حال حدوث الخصومة والفرقة بينه وبين زوجته، ومثل تلك القضايا يطول سردها وبيان محاسن الأحكام الإسلامية المتعلقة بشروط الزوج والزوجة والولي والمهر والحضانة والنفقة وغيرها، بينما نجد القضاء الوضعي يعالج أعراض المرض ولا يعالج المرض نفسه، وهذا ما يجعل القضايا فيه عسيرة الحل.

11-سرعة الفصل في الخصومات: مما يتميز به القضاء الإسلامي هو سرعة الفصل بين المتخاصمين، نظرا لعوامل كثيرة، من توفر المحاكم في كل نواحي البلاد، وكثرة رجال الفقه والشريعة العاملين في سلك القضاء، وتنوع وسائل الإثبات، وسلاسة سير أصول المحاكم الجزائية وعدم تعقيدها، بما يتيح للقاضي التصور الكامل للقضية مع سرعة البتة فيها، مقارنة بالقضايا المعروضة على القانون الوضعي، التي قد ترحل لجيل آخر.

12-المرجعية الشرعية للقضاء الإسلامي: ولذلك نرى ثبات الأحكام القطعية بالرغم من تباعد البلاد واختلاف الشعوب الداخلة في الإسلام، وتلك الأحكام الثابتة قليلة جدا نسبيةً، بالنسبة إلى الأحكام التعزيرية والأحكام المبنية على الأعراف، وفي ذلك مساحة كبيرة للتأقلم مع جميع البلاد، ومراعاة للواقع المقضي فيه، بخلاف القوانين الوضعية المستوردة، والتي تكتسب شرعيتها من السلطة التشريعية التي تسن القوانين، وتلزم القضاة العمل بموجبها، وفيها اختلاف من زمن إلى آخر، فما يكون محرمًا في زمن، يصير واجبًا في زمن آخر، مع انقطاعها عن الأخلاق السامية، والنظر إلى الأحكام نظرة مادية مصلحية صرفة.

وفي الختام: فإن القضاء الإسلامي له مزايا ومحاسن كثيرة وعديدة جدا، لا يمكن حصرها في هذه المقالة، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وبالرغم من تلك المزايا والمحاسن، غير أن القضاء الإسلامي هو مكون من مكونات منظومة شاملة، تحكم الفرد والمجتمع والدولة، وترتبط بالأخلاق والعقيدة، وفي حال كان المجتمع مغزوا فكريا من قبل الغرب، ويعاني من هشاشة فكرية، واستعمار أجنبي ثقافي، فإنه لن يتقبل الأحكام الإسلامية، وسيرفضها ويقابلها بالاستهجان، لأنها غريبة عن الثقافة السائدة فيه، والأفكار التي تلقن لأبنائه منذ الصغر، ولذلك لابد من وجود أرضية متقبلة ومؤمنة بالشرع عقيدة وأخلاقًا وسلوكًا، حتى تثمر أحكام القضاء في الإسلام و تظهر جمالها ورونقها، وذلك بالتثقيف المستمر والدعوة الجادة لجميع فئات المجتمع للالتزام بالإسلام فكرا وعملا وسلوكا.

(1) نهاية الزين (ص: 366).

(2) نفس المصدر، (ص: 366).

(3) انظر كرمًا: أثر فقه الإمام مالك في القانون المدني الفرنسي “قانون نابليون” عبد السلام أحمد فيغو، أثر الفقه المالكي في القانون المدني الفرنسي، العقد نموذجًا، بن خدة حمزة، وأثر الفقه الإسلامي على القوانين الغربية، خليل غصن،

(4) تاريخ التشريع الإسلامي، مناع القطان (ص: 21).

(5) الطرق الحكمية (ص: 13).

(6) كتاب محاسن الشريعة ومساوئ القوانين الوضعية – تواجد القانون في البلاد الإسلامية، (ص: 42).

(7) صحيح البخاري: كتاب الشهادات باب من أقام البينة بعد اليمين ح (2534).

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى