مقالاتمقالات مختارة

محاذير علمية في طريق التكوين الفقهي الدعوي للداعية

محاذير علمية في طريق التكوين الفقهي الدعوي للداعية

بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد

وإذا كانت المحاذير الأخلاقية تقطعه عن توفيق الله، وتحجبه عن النور والإلهام والإشراق، فإن إهمال المحاذير العلمية تأتي على ما تبقى لديه من علم مجرد، وتضله عن الطريق تمام الضلال، ومن هذه المحاذير:

أن يتوقف عن المتابعة والقراءة، حيث يتصور الداعية في بعض الأوقات أنه قد وصل إلى درجة تؤهله للدعوة لم يعد معها في حاجة إلى مزيد متابعة ولا كثير تحصيل، وهنا نذكِّره بالقول المشهور: “لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه علم فقد جهل”.

ونوجه نظره إلى القرآن الكريم في قصة موسى والخضر: ألم يكن موسى من أعلم الناس، فهو نبي صنعه الله على عينه، وعلَّمه من فضله، ومع ذلك حين قام خطيبا في الناس وسئل من أعلم الناس؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فقال له: بلى، عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك.

وروي أن أحد السلف في لحظات موته يسأل صاحبا له عن مسألة في المواريث فقال له يا أبا فلان وماذا ينفعك علمها الآن وأنت على فراش الموت؟! فرد عليه: أفلا أموت وأنا أعلمها خير من أموت وأنا لا أعلمها؟

وروى ابن الجوزي عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: رأى رجل مع أبي محبرة، فقال له: يا أبا عبد الله، إنك قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين ومعك المحبرة تحملها؟! فقال له أبي: «مع المحبرة إلى المقبرة»، وسمعته مرة يقول: أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر.

 إهمال جانب على حساب الآخر، فإذا كانت المتابعة والمطالعة الدائمة أمر يجب أن يهتم به الداعية ويداوم عليه، فإن موازنته بين أمور الفقه وأمور الدعوة هو ما يشكل فيه هذا الاتزان المنشود.

فلا يصح للداعية أن تكون كل قراءاته ومتابعاته في الفقه وأصوله وقواعده متناسيا جانب الدعوة وتاريخها وفقهها وآفاقها، فإنه حينئذ تخفت فيه هذه الروح التي تؤثر في الناس ويترتب عليها الإنذار: “فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون” التوبة: 122.

كما لا يصح منه أيضا أن يتضلع في جانب الدعوة ويهمل جانب الفقه وما يتصل به من أصول وقواعد وضوابط، فإنه حينئذ يفقد الضابط الذي يضبط الروح الدعوية والوهج السماوي، ومن ثم يتعرض للوقوع في محظورات دعوية وفقهية معا.

والمنهج الصحيح أن يوازن الإنسان بين هذين المجالين فيقرأ هنا كما يقرأ هناك، ويتابع هناك كما يتابع هنا، وإلا أصبح خلقا ممسوخا مشوها بعيدا عن الاتزان ومقتضى الصراط المستقيم.

(من كتابه كلمات في صناعة الداعية الفقيه)

المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى