مقالاتمقالات مختارة

مجزرة دوما تؤكد انطماس العدالة عند غياب التقوى

بقلم أ. أسامة شحادة

مرّت جريمة نظام بشار بحق أبرياء دوما وأطفالها مرور الكرام، فبرغم أنه قصف بالقنابل الفراغية سوق المدينة المحاصرة منذ ثلاث سنوات، والتي يموت أهلها يومياً من الجوع والعطش، وأوقع هذا القصف ما يزيد عن مائة قتيل من الأبرياء والأطفال والنساء وثلاثمائة من الجرحى، لم يهتز ضمير العالم، ولم يكفّ الطغاة من أمثال بوتين وخامنئي من التمسك ببقاء المجرم بشار!
ولم تحظَ هذه الدماء البريئة باهتمام العالم وإعلامه إلا على استحياء، فصدر بيان استنكار عن الأمم المتحدة، مرفق بتأييد مجلس الأمن لخطة سلام في سوريا تجامل المجرم بشار، ولن يكون مصيرها إلا الإهمال لعدم نية بشار السلام، ولعدم نية العالم معاقبته على جرائمه!
وهذا الحال من رعاية الإجرام والقتل منهج للعالم مستمر، طالما أن الضحية هي من المسلمين، فهاهم المسلمون يُقتلون في أفريقيا الوسطى على يد ميلشيات النصارى المتطرفين المدعومين من القوات العسكرية، دون اكتراث من المجتمع الدولي، وهاهم المسلمون يُقتلون ويُذبحون ويُحرقون في بورما على يد الميلشيات البوذية المتطرفة مدعومة بالقوات العسكرية ولم يرف للعالم جفن، وهاهم المسلمون في فلسطين تهاجمهم قطعان المستوطنين اليهود بحماية الجيش فتدنس المسجد الأقصى وتحرق مساجدهم ومساكنهم وأبناءهم، ولا ينزعج العالم ولا يقلق أمينه العام كي مون!
بينما “داعش” تلك اللعبة التي نَصيب الأعداء فيها أكبر من نصيب المغفلين من المسلمين، تقوم الدنيا لعملياتها وإرهابها، ويتجمع من أجلها الخبراء، وتصدر بشأنها القرارات الدولية، التي لا تُحفظ في الأدراج كحال القرارات الدولية ضد جرائم إسرائيل وإرهابها، لا، هذه قرارات تنفذ وفوراً!!
وهذه السياسة الظالمة ضد المسلمين على اختلاف بلدانهم ولغاتهم وعرقياتهم، سياسة ثابتة وأصيلة، ودافعها الأول هو العداء للإسلام والمسلمين بوصفهم العدو الخطير، الذي يهدد عروشهم وسلطتهم، فالمسلمون لأنهم مسلمون لا يَقبلون بعبادة غير الله عز وجل، ولا طاعة إله سواه، وهذا يتصادم بشكل مباشر مع الآلهة الباطلة والمزيفة، التي تقبل بالظلم للبشر وسرقة أموالهم وأعراضهم وخيراتهم واستعبادهم للشهوات والشبهات، بينما الإسلام ودين التوحيد، يحث الناس على رفض الظلم والدفاع عن أموالهم وأعراضهم وخيراتهم، والاستكبار عن عبودية غير الله عز وجل.
قال تعالى في بيان مدى حقد الفجار والكفار على أهل الإيمان: ” قُتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود* وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد* الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد” (البروج: 4-9).
وكأن هذه الآيات تصور لنا المشهد الذي نعيشه وكأنه تكرار لما يصنعه الطغاة المجرمون عبر التاريخ بأهل الإيمان، فالمؤمنون والمسلمون اليوم/ أصحاب الأخدود يُقتلون دون جريمة وذنب، فأي شيء ارتكبه أهل فلسطين حتى تصادَر أراضيهم ويقتل رجالهم ونساؤهم وأطفالهم وتنتهك مقدساتهم؟ وما هي جريمة المسلمين في بورما؟ وما هي جريرة أهل الإسلام في أفريقيا الوسطى؟ وماذا صنع أهل دوما إلا قولهم (ما لنا غيرك يا الله)، ما هي جريمتهم أيها العالم العلماني المادي، أهذه هي قيم الحداثة والديمقراطية التي تختبئون خلفها؟
وكحال أهل الأخدود تُشعل النيران فرادى وجماعات في أهل بورما وأفريقيا وفلسطين والشام والعراق من المسلمين، فكل القنابل الحارقة المحرمة تستخدم ضد المسلمين، وهذا العداء للمسلمين لا يقتصر على بلد أو دين أو أيديولوجية، بل يشترك فيه الجميع وكل بحسبه، ورأينا كيف تشوي الميلشيات الشيعية الطائفية شركاءهم السنة وهم يضحكون، وبلغت جرائمهم حدّا لا يُصدق، فعقب احتلال بغداد قامت الميلشيات الشيعية بشي عدد من الأطفال في الأفران مع بعض الخضراوات وإرسالهم إلى أهاليهم السنة من شركاء الوطن!
وتجري هذه الجرائم والمجازر بحق المسلمين والمؤمنين في كل وقت ومكان والمجرمون قاعدون ويتفرجون ويشاهدون ويشهدون، سواء كان هذا التفرج في مكان الجريمة من قبل المجرمين المباشرين، أو من قبل شركائهم في المحافل الدولية والقصور الرئاسية وقاعات اللقاءات الدبلوماسية التي تجتهد بحماية المجرم ورعايته والحفاظ عليه تحت شعار (مشاركة كافة الأطراف في الحوار والتنمية وبناء المستقبل)، يتفرجون على حرق الأبرياء عبر شاشات الفضائيات أو شاشات الهواتف الذكية!
قارنوا بين إجماع العالم على نبذ داعش وأخواتها من أي حوار، وبين الموقف المعاكس تماماً من الإصرار على إشراك بشار والحوثيين والميلشيات الشيعية في العراق في العملية السلمية، مهما فاقت جرائمهم جرائم داعش ومهما تجاوزت ضحاياهم آلاف المرات ضحايا داعش!!
وهل كانت لهذه الآلاف من الضحايا المسلمين اليوم ومن قبل ملايين الضحايا المسلمين التي قتلها الشيوعيون في روسيا والصين وأوروبا الشرقية مطلع القرن الماضي جريمة سوى إيمانهم بالله العزيز الحميد؟
إن مجزرة أهل الأخدود قديماً ومجزرة دوما وأخواتها حديثاً، تؤكد لنا ارتباط العدالة في العالم بوجود التقوى فيه، فإذا لم تعم التقوى قيادة العالم لن ينعم العالم بالأمن والسلام، ولقد جرب العالم حكم المسلمين له بالتقوى، فنعمت البشرية بالعدالة والأمن والخيرات.
واسألوا التاريخ: هل شهد العالم مجازر بشعة وحروبا عالمية إلا في ظل حكم العلمانية وغياب التقوى؟
واسألوا التاريخ: هل أمنت الشعوب على خيراتها وثرواتها إلا في ظل حكم الإسلام بالتقوى؟
واسألوا التاريخ: هل أمنت الشعوب من الإبادة بعد خسارتها الحروب إلا في ظل حكم التقوى الإسلامي؟
كان هذا هو الحال من قرون قريبة وسيعود حكم التقوى للعام ويعم البشرية العدل والأمن والرخاء، وقد لخص المسلمون هذه الحكمة العالية بقولهم: التقوى أقوى.

(المصدر: موقع أ. أسامة شحادة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى