متحدون في مواجهة صفقة القرن
بقلم د. يوسف رزقة
أجمعت جميع الفصائل الفلسطينية على رفض الموقف الأميركي الإسرائيلي، وتعاهدت معا على إفشل المشروع الأميركي الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتحطيم ثوابتها كحق العودة، والدولة والحدود، وقد رأت جميع الفصائل أن العدو وأميركا نفذوا خطوات رئيسة من صفقة القرن على أرض الواقع قبل الإعلان عنها، ومن أهمها: ضم القدس والجولان، ورفض الدولة الفلسطينية، والاستيطان، وتصفية الأنروا، وفصل الضفة عن غزة، وتحريك قطار التطبيع العربي مع دولة الاحتلال.
وفي ثنايا الموقف من صفقة القرن أكدت الفصائل الفلسطينية على أهمية الوحدة الوطنية، وأهمية إنهاء الانقسام، وأهمية العمل الوطني المشترك لمواجهة مشروع الصفقة وإفشالها، وأسف الحضور لغياب حركة فتح عن الاجتماع، وأكدوا على أهمية الانتخابات الفلسطينية الشاملة، ونبذ المناكفات الإعلامية، وأهمية الدور المصري والأردني الرافضين للصفقة، وللوطن البديل، سواء في سيناء أو الأردن، وأهمية توحيد الموقف العربي خلف الموقف الفلسطيني الرافض، ودعا دول الخليج لوقف التطبيع مع العدو.
ولم يغب عنهم الدعوة إلى الانسحاب من اتفاق أوسلو، ومن التنسيق الأمني، ومن التبعية الاقتصادية الإسرائيلي، ولكن المؤتمر لم يركّز على آليات عمل محددة لمواجهة صفقة القرن، وما جاء في كلمات الخطباء من آليات جاءت مبعثرة هنا وهناك، وجاءت مصبوغة بعموم القضية الفلسطينية، كالوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام، وكان الأجدى في نظري التركيز على عنوان المؤتمر، متحدون في مواجهة صفقة القرن) واشتقاق آليات عمل خاصة بمواجهة الصفقة. وكنت أود لو دعا المؤتمرون لمؤتمر عام أو مؤتمرات تجمع الكتّاب، والإعلامين، والقضاة، والعلماء، وقادة المجتمع المدني، والجامعات، والوجهاء والنخبة ، لرفض صفقة القرن، حتى يدرك العالم أن الفصائل والشعب متفقون على رفض الصفقة.
متحدون في مواجهة صفقة القرن. لماذا لم تلحق فتح بالمتحدين؟! هل رفضت اللحاق استعلاء، أم رفضا للمتحدين، أم أن قضية الصفقة ليست قضية وطنية ذات أولوية، ولا تستحق الاتحاد؟! أمر فتح في هذه القضية غريب، وغير مفهوم، وهي التي تختفي خلف اتهامات الآخرين، بينما الآخرون يدعونها لكلمة سواء في قضية صفقة القرن؟!
كان هذا نقصا في المؤتمر، وأمر آخر لم أفهمه حيث رفض أحد المتحدثين تشكيل لجنة وطنيا عليا لمقاومة الصفقة، وإحباط الجهود الأميركية الإسرائيلية، تحت زعم أن الهيئة تعني تشكيل بديل عن منظمة التحرير، وفي هذا الزعم نظر، وفشل في قراءة الهيئة؟!
منظمة التحرير مشكلة من فصائل، وفي خارجها فصائل مهمة، فماذا لو اجتمعت هذه الفصائل معا في تشكيل هيئة وطنية عليا متخصصة في متابعة تطورات الموقف الإميركي الصهيوني ؟! هل إذا شاركت المنظمة بفصائلها مع من هم في خارجها في تشكيل هذه اللجنة تكون اللجنة بديلا عن المنظمة؟! إن من يقول بهذا الزعم الفساد يكون جاهلا، أو مستعليا، أو يهدف إلى ضرب الوحدة الوطنية لأن دعوة المؤتمر جاءت من حماس؟!
ألم تشكل المنظمة هيئات وطنية متخصصة؟! ألم تشكل فصائل المقاومة في غزة ( الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار؟!). من قال إن هذه الهيئة هي بديل عن المنظمة، أو عن الفصائل القائمة؟! إن القضايا الوطنية العليا تستوجب تجاوز حالة الفرقة القائمة، والمسافات المتباعدة، والالتقاء في جسم وطني لمعالجة قضية وطنية عامة لا علاقة لها بالانقسام أو الانتخابات، أو حكومة الوحدة الوطنية، أو المنظمة، وهي لا تخص فتح وحدها، ولا تخص حماس وحدها.
إن من زعم الزعم الباطل، وفرّق الجماعة في قضية متفق عليها، يتاجر بالقضية، ويختفي خلف شماعة الانقسام، وخلف شماعة منظمة التحرير، ويقدّس الأشخاص والمؤسسات، على حساب القدس ، والأفكار، والأعمال الوطنية الوحدوية. ولو أنصف هؤلاء وطنهم وأنفسهم لأخذوا العبرة من عدوهم الصهيوني وكيف تتحد أحزابه الكثيرة عند الأخطار في القضايا الوطنية التي تهمهم. من لا يعظه القرآن، ولا تعظه السنن، ولا تعظه أحداث التاريخ، فليتعظ بالعدو الصهيوني وتصرفاته عند الأخطار العامة و العليا؟!
طبعا لم يخرج المؤتمر بتشكيل هيئة عليا للمتابعة، بسبب هذه الشبهة الفاسدة التي ذكرها فصيل دون إمعان النظر وتعمق التفكير، وهكذا حُرم الموقف الفلسطيني من هيئة متابعة، وعاد الأمر إلى النخوة الفصائلية بشكل مفرّق. إن من لا يجتمع على هيئة موحدة في قضية متفق على رفضها، أنى لهم أن يجتمعوا في قضية مختلف فيها؟! فلسطين تقول: أحيانا يجدر تجاوز المعترضين، والأخذ برأي الأغلبية، من أجل القضية الوطنية العليا، وربما يلحق غدا المتخلفون عندما يفقهون القضية بشكل صحيح.
متحدون في مواجهة صفقة القرن. وجه عددا من الرسائل للدول العربية. كانت الرسالة الأولى لجامعة الدول العربية تشكرها على موقفها الرافض لصفقة القرن. والرسالة الثانية كانت للدول التي تهرول نحو التطبيع مع دولة العدو وتقول لها إن هرولتكم تضر بالقضية الفلسطينية، وتساعد على تطبيق صفقة القرن. والثالثة للأردن وتقول فيها الفصائل إننا نرفض التوطين ونرفض الوطن البديل. والأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين. والرابعة كانت لمصر تقول لها إن سيناء مصرية، وإن الفلسطينيين لا يقبلون التوسع في سيناء، وإنه لا بديل عن فلسطين، وإن الشعب الفلسطيني الذي أسقط مشروع سيناء في ستينيات القرن الماضي قادر على إسقاطه مرة أخرى.
إن موقف الأردن الواضح والشجاع من صفقة القرن دفع الإدارة الأميركية إلى نفي مخاوف الأردن، قائلين أن الأردن خارج الصفقة. ولكن الإدارة الأميركية لم تنف الأنباء عن سيناء، مع أن القيادة المصرية رفضت المساس بحبة رمل من ترابها.
أميركا تحسب أنها تملك مفاتيح الحل، وأنها الدولة القادرة على توزيع الأراضي والمناطق في الشرق الأوسط، وكأنها الوريث الوحيد للعالم، لذا هي تهدد بالصفقة الفلسطينيين تارة، والأردن تارة أخرى، ومصر تارة ثالثة، وتهدد بإسقاط حماس قبل تطبيق الصفقة، وبالضرب على رأس آبو مازن إذا ظل يعارض الصفقة؟!
متحدون في مواجهة الصفقة، وجه رسالة خامسة لأميركا يقول فيها إن الصفقة ليست قدرا لا مفرّ منه، وإن أميركا بقوتها وعظمتها ليست قدرا محتوما على الشعب الفلسطيني، ومن ثمة فإن الفلسطينيين يرفضون الصفقة، وهم جاهزون لمقاومة النفوذ الأميركي، ولمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. أميركا لا يحق لها التدخل في الشأن الفلسطيني، وإن الصراع على فلسطين باق ما بقي الاحتلال، وإن أميركا لن تستطيع تغيير جغرافية المنطقة، لأن في فلسطين شعب حرّ لا يبيع أرضه ووطنه بمال أميركا وإسرائيل والعرب، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. مؤتمر متحدون قدم ما يستطيع من البيان في مواجهة العدوان، وبقي أن يقدم المؤتمرون مواقف عملية موحدة لمواجهة أي خطوة تنفيذية يخطوها العدو،أو حلفاؤه، أو عملاؤه على أرض فلسطين.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)