التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم في دولة واحدة
لا شك أن قضية “التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم” هي من القضايا الشائكة المتعلقة بموضوع هذا الكتاب؛ ذلك أن مبدأ التعايش يعتمد على وجود قبول له عند سائر الأطراف، فليست المشكلة في الإسلام الذي بيّن بجلاء إمكانية تعايش المسلمين مع غيرهم ضمن ضوابط محددة -أهمها عدم الاعتداء على المسلمين- وإنما المشكلة الكبرى هي في الغير -إلا القليل- الذين لم يرضوا أن يتعايشوا هم مع المسلمين، ولم يتركوا المسلمين لحالهم، فلا زالوا يكيدون للمسلمين ويؤذونهم ويناصبونهم العداء ويبدون لهم العداوة والبغضاء في الماضي والحاضر وفي المستقبل، كما أخبر أصدق القائلين العليم الخبير جل جلاله: ﴿ وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ﴾.
على أن هذه الحقيقة لا تتعارض مع دعوة الإسلام للتراحم والتعايش بين أبناء البلد الواحد وإن كانوا من أديان مختلفة، بل إن دعوة الإسلام لا تنتشر إلا في أجواء التسامح والتعايش، فلا إكراه في الدين، ولا إقناع إلا بحجة وبرهان في أجواء ألفة والتقاء، بل إن من مقاصد الشريعة حفظ الأنفس والأموال والأعراض وهذا لا يحصل بتمامه إلا في أحوال الاستقرار والأمن المبني على تعايش سلمي واضح المعالم، قويّ الحضور في مجالات الحياة العامة.
الكتاب من تأليف فضيلة د. سور رحمن هدايات.