مقالاتمقالات مختارة

ماميدوف: الجاذبية الكاذبة للاستقرار الاستبدادي

ماميدوف: الجاذبية الكاذبة للاستقرار الاستبدادي

ترجمة عادل رفيق

نشر موقع لوب لوج، وهو الموقع الإليكتروني الوحيد الذي حصل على جائزة آرثر روس الإعلامية المرموقة للتقارير المتميزة وتحليل الشؤون الخارجية من الأكاديمية الأمريكية للدبلوماسية، يوم الأربعاء 2 أبريل 2019 مقال رأي لـ إيلدار ماميدوف، الذي يعمل كمستشار سياسي للبرلمان الأوروبي، بعنوان “الجاذبية الكاذبة للاستقرار الاستبدادي”، ومن أهم ما تناوله المقال:

 عندما التقى زعماء الاتحاد الأوروبي بنظرائهم العرب في القمة الأوربية-العربية الأولى في القاهرة في فبراير الماضي، تعرضوا للنقد بسبب احتضانهم للاستبداديين العرب وتقديم الدعم الكبير لهم دون أدنى تردد. وعلى الرغم من أن البيان الختامي للقمة – إعلان قمة شرم الشيخ – أشار إلى حقوق الإنسان، فإن عنوانه “الاستثمار في الاستقرار” كشف أين تكمن الأولويات الحقيقية في هذه القمة.

في الحقيقة، لا يحظى الاحتفاء بـ “الاستقرار الاستبدادي” ومحاباته على حساب أي شيء آخر بتوافق الآراء داخل الاتحاد الأوروبي بأي حال من الأحوال. ففي الأسبوع الماضي، اعتمد البرلمان الأوروبي بأغلبية 408 أصوات مقابل 108 أصوات، مع امتناع 90 عن التصويت، تقريراً عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في فترة ما بعد الربيع العربي. وكان الاقتراح، الذي صاغه براندو بينيفي، وهو نائب اشتراكي إيطالي في لجنة الشؤون الخارجية، لإجراء تعديلات على التقرير يتبنى نفس لهجة البيان الختامي الذي صدر عن القمة الأوربية-العربية (وهو ما صوت ضده غالبية النواب).

ويتساءل التقرير عن الحكمة من وراء الاعتماد على الأنظمة الاستبدادية، مشيراً إلى طبيعتها الهشة، التي ظهرت بكل وضوح خلال الربيع العربي الأصلي. ويشدد التقرير على أن “الديمقراطية والثقة في المؤسسات والتنمية المستدامة تكمن في القلب من الدولة المرنة”، وذلك بالإضافة إلى الأمن والاستقرار على المدى الطويل.

وفي الواقع، فإن سجل القيادات المتسلطة التي جاءت بعد الربيع العربي في المنطقة لا يشي بكثير من التفاؤل. ففي مصر، أصبح نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي أكثر قسوة من ديكتاتورية سلفه حسني مبارك من نواح كثيرة. فالعنف لا يزال مستمراً في البلاد ويتفاقم بلا هوادة، بما في ذلك الهجمات على المسيحيين الأقباط التي تتم بشكل متكرر، على الرغم من الوعود التي أطلقها النظام، الذي وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري ضد حكومة منتخبة ديمقراطياً في عام 2013، بتوفير الأمن للمسيحيين المصريين. وتُعتبر شبه جزيرة سيناء بحكم الواقع منطقة للتمرد ضد الحكومة، وإن كان بمعدل منخفض، والتي تذكيها إلى حد كبير سياسة الأرض المحروقة التي يتبناها النظام ضد المسلحين هناك.

وفي نفس الوقت، فإنه برغم المؤشرات الإيجابية للنمو الاقتصادي في مصر حيث بلغ نسبة 5 في المائة، إلا أن آثار ذلك على الأرض لا يكاد يشعر بها عموم المجتمع المصري، وخاصة الشباب. ومثلما كان يحدث في عهد مبارك، فإن الفساد والمحسوبية وانعدام المساءلة تحرم الغالبية العظمى من المصريين من الاستفادة من أي فرص اقتصادية. ولا تزال جميع المكونات الرئيسية التي أدت إلى حدوث الثورة في عام 2011 – من القمع، وارتفاع مستويات بطالة الشباب، والإقصاء المجتمعي – لا تزال موجودة بكثافة.

وفي أماكن أخرى من المنطقة، أجبرت الاحتجاجات المستمرة في الجزائر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الحالي للبلاد، على التخلي عن الترشح لولاية خامسة والإعلان عن استقالته. وقد يكون بشار الأسد في سوريا قد بسط سلطته عسكرياً في خضم الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، إلا أن حجم الفظائع التي ارتكبها نظامه كفيل بأن يقوض قدرته على الاستمرار في الحكم على المدى الطويل. وتجد الأنظمة الملكية في الأردن والمغرب نفسها مضطرة إلى المحافظة على توازنات دقيقة بين مكونات الانفتاح المتواضعة في البلاد واحتواء التململ المتصاعد في البلاد تجاه الحكومة.

وقد سعت الأنظمة في حقبة ما بعد الربيع العربي، باستثناء تونس السعيدة، إلى إعادة صياغة العقد الاجتماعي الذي يربطها بالمواطنين، وذلك لضمان استمرار سيطرتها على السلطة. ففي حين كان هذا العقد في العهود السابقة يتضمن تقديم الخدمات العامة للمواطنين في مقابل خضوعهم للحكم الاستبدادي، فقد أصبحت الآن الوعود المطروحة من الأنظمة للشعوب قاصرة على توفير الأمن بشكل رئيسي (وليس توفير الخدمات لهم). ومن المفترض أن يؤدي انتشار الفوضى والفشل في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن إلى إخضاع السكان بالقوة وإرغامهم على الاستسلام لهذا العقد الجديد. ومع ذلك، فكما يظهر من حال بعض هذه الأنظمة في دول مثل مصر والجزائر، فإن الواقع الاستبدادي هناك غير مستقر من الأساس، والأنظمة الحاكمة فيها أكثر عرضة للانهيار من تلك الصور التي تريد إبرازها للواجهة (للوضع  السائد في ليبيا وسوريا واليمن ).

لقد أدرك البرلمان الأوروبي هذه الحقيقة من خلال رفضه صراحة لفكرة أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار إلا من خلال قمع الأصوات المعارضة. وبدلاً من ذلك، فإن النواب يؤكدون على الحاجة إلى “الدخول في حوار مع جميع الجهات السياسية الفاعلة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”. وهذا سيكون له آثار مستقبلية خاصة على العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث تهدر الأنظمة العربية والدول الغربية التي تدعمها الكثير من الوقت في شيطنة الإخوان المسلمين. ورغم هذه الجهود التي تبذلها هذه الأنظمة، فلن يحذو الاتحاد الأوروبي حذو مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين بأنها منظمة إرهابية.

وفيما يبدو أنه كان يهدف إلى تعزيز هذه النقطة، فقد حذر البرلمان الأوروبي من أن “الخطاب الذي تتبناه دول الخليج والتمويل الذي تقدمه” يتعارض مع أهداف الاتحاد الأوروبي في المنطقة. حيث رفضت، في الواقع، أغلبية النواب التعديلات التي أدخلت على التقرير والتي روجت لتلك الروايات التي تتبناها الدول الخليجية، مثل ربط الربيع العربي بنشوء منظمات إرهابية مثل الدولة الإسلامية (داعش)، والإشادة بـ “التأثير المعتدل” لمصر والمغرب والأردن، وتوجيه اللوم في كل المتاعب التي تعاني منها المنطقة على إيران، البعبع المفضل لدى صقور الشرق الأوسط. وقد تم تقديم هذه التعديلات بشكل كبير من قبل ممثلي القوى اليمينية المتطرفة، وبالتالي تعزيز التحالف غير المقدس بين الديكتاتوريين العرب ومروجي الإسلاموفوبيا في الغرب.

وبدلاً من ذلك، دعا النواب في البرلمان الأوروبي لجنة العمل الخارجي الأوروبية والدول الأعضاء إلى عدم التضحية بحقوق الإنسان من أجل تحقيق مكاسب قصيرة الأجل. كما حثوا الدول الأعضاء على وقف تصدير أي تكنولوجيا أو معدات إلى المنطقة يمكن أن تستخدمها الأنظمة في قمع الشعوب هناك.

وهذا لا يعني أن البرلمان الأوروبي يدعو إلى قطع العلاقات مع الأنظمة العربية. فمن متطلبات الدبلوماسية الحفاظ على العلاقات مع الجهات الفاعلة حتى وإن كانت بغيضة. حيث يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى هذه الأنظمة، على الأقل، لإدارة التحديات التي تواجه القارة من الهجرة غير الشرعية والإرهاب. لكن من أجل الاتساق والمصداقية، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يطبق على الديكتاتوريات العربية نفس المعايير التي يطبقها على إيران، والتي تتمثل في: المشاركة العملية المصالحية في المجالات ذات الاهتمام المشترك، ولكن الرفض القاطع والدؤوب لانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك إمكانية فرض العقوبات إن استلزم الأمر. ويمكن القول إن علاقات الاتحاد الأوروبي مع الأنظمة العربية أقرب بكثير من علاقته مع إيران، وبالتالي فقد تعاني مصالح الاتحاد الأوروبي نتيجة تبني نهج أكثر حزماً في هذا الخصوص. ومع ذلك، فإنه يمكن حل  هذه الإشكالية من خلال حقيقة أن: هذه الأنظمة حريصة على كسب الاعتراف الخارجي وإضفاء الشرعية على سياساتها، وتأمل في الحصول على ذلك من أوروبا، ضمن أمور أخرى؛ لذلك يجب على الاتحاد الأوروبي استخدام هذا الوضع كوسيلة ضغط لانتزاع تنازلات من هذه الدول بخصوص التخفيف من أشكال القمع الفظيعة التي تمارسها ضد شعوبها .

وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون خارج نطاق تقرير بينيفي، فإن الاتحاد الأوروبي سيكون أكثر فاعلية في تعزيز الوصول إلى حكم أكثر رشادة واحتراماً لحقوق الإنسان في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إذا ما دعا إلى ذلك من خلال ضرب المثل والقدوة. فبينما تراقب الشعوب والنخب العربية عن كثب صعود الشعوبيين اليمينيين المتطرفين، والتوجهات السلطوية في المجر وبولندا، في ظل معاناة الاتحاد الأوروبي من الهجرة غير الشرعية إلى القارة العجوز، فإن تعزيز الديمقراطية الليبرالية في الداخل الأوروبي في واقع الأمر من شأنه أن يكون له أعظم الأثر، وقد يفوق هذا الأثر ما قد يسفر عنه الترويج بشكل عام لهذا الشكل من أشكال الحكم.

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

(المصدر: المعهد المصري للدراسات)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى