ماكرون والهروب من أزمة العلمانية اليعقوبية
بقلم د. أبو يعرب المرزوقي
? لا أحتاج للرد على ماكرون. ولعله ما يزال معتقدا في خرافات هيجل حول ▪️خروج الإسلام من التاريخ ▪️وعودته إلى النوم ▪️وكسل الشرقيين.
?لكني سبق أن بينت بمناسبة مواقفه من تركيا في مسألة شرق المتوسط أنه قزم ▪️لا يمكن أن يكون لأقواله ▪️ولا لأفعاله أثر على المسلمين والإسلام.
?فما عجزت دونه ▪️ الولايات المتحدة ▪️وقبلها الاتحاد السوفيتي ▪️ وقبلهما كليهما ▪️ والحروب الصليبية ▪️ وحروب الاسترداد ▪️وحروب الاستعمار لا يمكن أن ينجح فيه ماكرون.
? خاصة وفرنسا خسرت كل علل عنجهيتها بعد أن صارت قوة ثانوية في نظام العالم.
? ما يعنيني إذن ليس ما كرون ولا فرنسا بل اغلب النخب العربية التي تدعي الحداثة – بأصنافها الثلاثة وعلاقتها بالثورة المضادة: ▪️ اليسار ▪️ والقوميون المتياسرون ▪️والليبراليون المستلبون.
? فهم الوحيدون الذين يمكن أن يؤثر فيهم كلام ماكرون.
?وهم يرون ▪️في كلامه على ما يسميه أزمة الإسلام علما ▪️ في حين أن الأزمة ليست عيبا ▪️ بل هي من علامات التعافي بعد الانحطاط الذي كان شبه موات.
?وهو ما يسعدهم دون شك لأنهم ينتظرون منه ما ينتظره هو في حملته الانتخابية للتعويض عن فقدان الشرعية المناسبة للتحولات التاريخية التي أنهت العلمانية اليعقوبية في العالم.
? فهو يحاول استمالة اليمين حتى ينتخب ثانية لحكم فرنسا خاصة وألمانيا قللت من شأن دوره كما هو بين في أزمة الحوض الشرقي من المتوسط بين تركيا واليونان.
?وهم يدعون الحداثة بمعانيها الثلاثة بعد أن تبين للجميع أنهم أكثر نخب الأمة ▪️تخلفا معرفيا ▪️وانحطاط خلقيا.
? ولذلك فهم لا يجدون من يحالفهم في تصورهم لحداثة
?لم يعد لها من سند حتى في الغرب إلا أقصى اليمين.
?وإذن فهم مثله ▪️يعانون من أزمة شرعية ▪️ويبحثون عن تعويض تكتيكي يقدمون فيه العاجل على الآجل.
? وكل تعويض من هذا الجنس يسد الآفاق ولا يبقي للإمكان محل.
?فبدلا من التكيف مع تحولات العالم الأقرب إلى روح العصر وإلى الحس الشعبي تراهم يحاولون الاصطفاف مع الثورة المضادة مثله.
? لأنه حتى في ذلك أراد أن ينضم إلى ▪️إسرائيل ▪️وإيران في مساندة فرعي الثورة المضادة ▪️التابعين لهما ▪️والمسيطرين على ➖ الخليج ➖ ومصر ➖والهلال لمنع التحول الجاري في أوطانهم ولو بالقبول بمواصلة التبعية للاستعمار التي تحولت إلى اسلاموفوبيا.
? ولعل «كب» الدمية على كتفيه من العلامات القاطعة على العبودية.
? فما يعتبره ▪️ماكرون ▪️ والنخب العربية المتحالفة ➖ معه ➖ومع الثورة المضادة أزمة الإسلام هو في الحقيقة أزمة ▪️العلمانية اليعقوبية خاصة ▪️والحداثة الغربية عامة.
? والنخب العربية التي تعيش على انحطاط اليمين الغربي الاستعماري مثلها مثل سلفية المخابرات التي تعيش على انحطاط ماضينا.
? إن أزمتهم تتمثل في تمسكهم ▪️بخرافة النقاء العرقي ▪️والمركزية الثقافية ▪️والتفاضل بين البشر بغير التقوى الذي جعلهم يعتقدون في وحدانية ▪️العنصر ▪️والقيم ▪️والقوانين في الدولة الواحدة.
?إنها هي التي تجعلهم يفرضون التعدد ▪️العرقي ▪️والقيمي ▪️والقانوني في نفس الدولة وكذلك في المعمورة.
? لا يدركون أن الإنسانية اليوم أقرب إلى ما ▪️يعرف به الإسلام الدولة الواحدة ▪️ويسعى به إلى تحرير البشر من عبادة العبادة إلى عبادة رب العباد ▪️بما كان تحريرا للإنسانيةمن الاستعباد الاستعماري ➖ الفارسي ➖ والبيزنطي في الشرق والغرب حيث تلتقي القارات القديمة الثلاث حول الأبيض المتوسط:
1️⃣- فهي متعددة الأعراق ما يغني عما يحاوله العرق ذو الأغلبية من استئصال الأعراق
ذات الأقلية (الحجرات13).
2️⃣- وهي متعددة المعتقدات ما يغني عما يحاوله الدين ذو الأغلبية من استئصال للأديان ذات الأقلية (دستور الرسول والمائدة 48).
3️⃣- وهي متعددة اللغات مع الاتفاق على لغة مشتركة للتواصل دون استئصال اللغات الأخرى (لكل أمة رسول بلسانها)
4️⃣- وهي متعددة الثقافات مع مشترك كوني يمكن من التعايش المتنوع (التاريخ الإسلامي تاريخ شاركت فيه كل الشعوب الإسلامية بثقافاتها المختلفة مع المعايير الأسمى المستمدة من قيم الإسلام)
5️⃣- وهي أخيرا تجعل ▪️بالتزاوج والاختلاط ▪️والتعاون ▪️والإثراء الحضاري المتبادل شبه حضيرة السعي إلى توحيد البشرية رغم التعدد، بل بفضل التعدد والتنوع في هذه المستويات الخمسة التي يعتبرها القرآن الكريم من آيات الله.
? وبهذا المعنى فالأزمة التي يتكلم عليها ماكرون وقد سبقه إليها كل أعداء الإسلام ممن ينتسبون إليه بدعوى تحديثه توهما أن الأديان كلها من نفس الطبيعة في حين أن:
1️⃣. اليهودية ليست إلا دين قبيلة عانت من العبودية ▪️فحرفت الديني الذي خلصها منها ▪️فجعلت رسالة موسى حكرا عليها ▪️واعتبرت نفسها شعبا مختارا ▪️وغيرها عبيدا لها، فكان رمزها عبادة العجل وجعل بعديه أداتي سلطانها على غيرها أي ▪️ربا الأموال (معدن العجل) ▪️وربا الأقوال (خوار العجل).
2️⃣. المسيحية حافظت على هذه العقيدة وزادتها تحريفا بأن جعلت المسيح ابن الله وضم كل من يعتنق هذا التحريف إلى المسيحية (رسائل بولص إلى الاغيار)، إغراء لجعل العبيد بمعنى الجوهيم يصبحون مؤمنين ▪️بوساطة الكنيسة ▪️وبوصاية الحكم بالحق الإلهي البديلين من اليهودية بعد اتهام اليهود ▪️بخيانة المسيح ▪️والمشاركة في صلبه.
? والإسلام أصلحهما وأعادهما إلى الأصل الذي هو الديني في كل دين والفلسفي في كل فلسفة لأنه يستند إلى بيان ▪️امتناع الإحاطة في نظرية المعرفة والنظر ▪️وامتناع الكمال في نظرية العمل والقيمة.
? ولكن دون أن يمنعهما إذ اعتبر من واجب دولته حماية جميع الأديان ▪️المنزلة ▪️وغير المنزلة.
? فالبقرة 62 ضمت إلى الإسلام الصابئية واليهودية والنصرانية.
? والمائدة أضافت إليها المجوسية. والحج لم تستثن حتى الشرك.
?وفيها جميعا إرجاء الحكم بين الأديان في الواجب وقبولها في الواقع
? معتبرة التعدد شرطا في التسابق في الخيرات وشرطا في حرية المعتقد الديني
? اطمئنانا لقدرة الإنسان على تبين الرشد من الغي بديلا من الإكراه في الدين.
? والعلمانية اليعقوبية ليست إلا كاثوليكية الرؤية في شكل الحادي.
? ذلك أن موقفها مما يخالفها جعل رؤية الدولة العلمانية ▪️عقيدة بديلا من الإيمان بالمسيح ابنا للرب ▪️مع تكفير من لا يؤمن بها إلى حد العمل على ➖ تصفيته المدنية ➖ تصفية الكاثوليكية لكل من لا يؤمن بابن الله.
?وإذن فهي مثلها تفرض وحدانية العقيدة سواء كانت دينية أو الحادية
?وذلك هو ما يسميه ماكرون تجملا قوانين الجمهورية التي ينبغي أن تكون واحدة ومن واجب الدولة فرضها بالقوة.
? في حين أن الإسلام حتى بالنسبة إلى المسلمين يسلم بالتعدد المذهبي أي تعدد الأنظمة القانونية.
? ويمكن الآن أن أبين القصد بالأزمة الإسلامية في رأي ماكرون وكل المتمكرنين من النخب العربية العلمانية التي تؤمن بالعلمانية اليعقوبية:
1️⃣- فهم ينسبون إليه ما يسمونه إرهابا رغم كونهم لا يجهلون أن الإرهاب هو من صنع المخابرات التي تريد تشويه الجهاد الذي يقاوم الاستعمار بما يقتضيه دفاع المستعمَر للمستعمر والاحتلال أعني فضيلة رفض العبودية لأن المستعمر الذي يتكلم باسمه ماكرون في دار الإسلام بحلف مع الثورة المضادة هو الإرهاب وليس مقاومته.
2️⃣- وهم ينسبون إليه ما يسمونه الكومينوتارسم خلطا بين الحفاظ على عقائدهم وهذه النزعة التي سموها انفصالية في حين أنها ممارسة لعباداتهم كما يحددها القرآن وفيها آداب العيش المشترك في تقاسم الفضاء العام بقيم الإسلام الخلقية التي منها:
▪️ آداب الحشمة
▪️ واحترام قيم الأسرة
▪️ ورعاية الأهل ➖ وخاصة الأطفال ➖ والشيوخ العجز.
? فالمجاهدون المسلمون لما يقاومون الاستعمار لا يمكن أن يعتبروا إرهابيين حتى لو ردوا على الاستعمار بنفس طرقه في التنكيل بالانديجان
? لان أخلاق الفروسية التي استعملها صلاح الدين لم تقابل بالمثل
? وقياسا عليه فأخلاق الفروسية التي استعملها قادة حروب التحرير ▪️ في الجزائر ▪️ وتونس ▪️ وليبيا ▪️ وفي فلسطين لم تقابل بالمثل.
? والإرهابيون الذين أنشأتهم مخابرات ▪️إسرائيل وإيران ▪️والأنظمة العميلة ▪️ وأمريكا وروسيا كلنا يعلم ▪️ أن جلهم ليسوا مسلمين أصلا ▪️وأن الشباب الذي صدق هذا الظاهرات كان من المغرر بهم فتورطوا في مشروع لم يكونوا قادرين على فهمه وفهم ما ورائه.
?فمثلا كل العمليات الإرهابية الكبرى كانت ضد المسلمين وضد تراثهم في العراق وسوريا.
? وما كان منها ضد الغرب (مثل الحادي عشر من سبتمبر) كان المنفذون من شباب السنة لكن المخططين كانوا ▪️إما من دهاة إيران ▪️أو من دهاة إسرائيل ▪️أو من الأنظمة العملية لهما ▪️ أو مباشرة من أمريكا وروسيا بعد أن صارت أوروبا أعجز من أن تقود السياسة الدولية الساعية لتأزيم محاولات الاستئناف.
? أما أخلاق العيش المشترك عند شباب الضواحي في أوروبا وأسرهم.
? فهي من فضائل الأخلاق الإسلامية لأنها محكومة بالنساء (1)، التي تعتبر كل البشر أخوة دون اعتبار للفروق العرقية والطبقية والجنسية وبالمساواة بين البشر.
? لأن المعيار الوحيد للمفاضلة بينهم هو التقوى أي احترام الشرائع وحصر العبادة لله وحده
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)