ماذا وراء استهدافهم لفرع الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين بتونس
بقلم د. محمد فتحي الشوك (خاص بالمنتدى)
رفضت المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة الدّعوى الاستعجالية الّتي تقدّم بها “الحزب الحرّ الدّستوري” و رئيسته عبير موسي ،ضدّ فرع الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين ، لإيقاف نشاط ندواته و مؤتمراته داخل البلاد ، و هي الدّعوى القضائية الثّانية الّتي ترفض بعد أولى تقدّم بها نفس الحزب سنة 2018.
و عوض احترام الحكم القضائي و اتّباع السّبل القانونية و الالتجاء إلى الاستناف خيّر رافعو الدّعوى الاعتماد على الشّارع و ممارسة البلطجة و الإرهاب لوضع حدّ لنشاط من يتّهمونهم زيفا بالإرهاب.
فماذا وراء هذه الهيستيريا و الرّغبة المستميتة لإيقاف نشاط فرع الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين بتونس و هل سينجحون في ذلك؟
إشهار مجاني:
الكثير من التّونسيين لم يكونوا ليعرفوا شيئا عن الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين لولا الضّجة الّتي إثارتها حوافر هؤلاء الموتورين، والكثيرون اقتنعوا بأنّ له دورا ايجابيا فاعلا و مؤثّرا بما أنّه استثار حساسية من لا يريدون لأيّة مؤسّسة ذات صفة إسلامية بلعب أيّ دور كان.
الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين مؤسّسة إسلامية مستقلّة خاصّة تأسّست سنة 2004،لها شخصيتها القانونية و الاعتبارية وذمّة مالية مستقلّة ،تجمع علماء المسلمين من مختلف بلدان العالم و عضويتها مفتوحة أمام العلماء الّذين تخرّجوا من جامعات الشّريعة و الحاصلين على شهادات عليا في الدّراسات الإسلامية من مختلف الجامعات ذات الصّلة و كلّ من له عناية بعلوم الشّريعة و الثّقافة الإسلامية و له فيها إنتاج معتبر أو نشاط ملموس.
رؤية الاتّحاد هي علمائية شرعية عالمية مستقلّة و مهمّته ترشيد قضايا الأمّة الإسلامية و رسالته توحيد جهود العلماء لأجل تبليغ رسالة الإسلام بمنهجية وسطية و اعتدال و التعريف بالقضايا الإسلامية العادلة.
ترأّس الاتّحاد الدّكتور أحمد الرّسيوني في 7 نوفمبر2018 خلفا للعلّامة الدّكتور يوسف القرضاوي و يضمّ مجلس الأمناء ثلّة من خيرة الدكاترة و الأكاديميين في العالم الإسلامي.
يضمّ الاتّحاد أكثر من 90 ألف عضو منهم السنّة و الشّيعة و الاباضية، مقرّه الرّئيسي في قطر و له فروع في مختلف بلدان العالم بما فيها تونس الّذي ابتدأ نشاطه بعد تأشيرة نشرت في الرّائد الرّسمي التونسي بتاريخ22 أفريل 2012.
فرع الاتّحاد في تونس يعمل بترخيص من الدّولةالتونسية و وفق قوانينها و تحت رقابتها كأيّة منظّمة أخرى و كانت له دورات تكوينية في العلوم الاسلامية أثّتها خيرة الدّكاترة و الأكاديميين في تونس، و يترأّس الفرع الدّكتور عبد المجيد النجّار الأستاذ السّابق بجامعة الزّيتونة و بجامعات الجزائر و الإمارات و قطر و المغرب و هو يشغل أيضا خطّة أمين عام مساعد بالاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين كما أنّه عضو بالمجلس الأوروبي للإفتاء و البحوث.
يعبّر الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين عن توجّه عصري و مقاربة مجدّدة في معالجة شؤون المسلمين و قد وسّع مجال اهتماماته لتشمل مجالات المالية و الاقتصاد و علم الاجتماع سعيا منه لأن يكون الرّأي الشّرعي أقرب ما يمكن إلى مقاصد الشريعة لتنزيل الأحكام و تنسيبها حسب متغيّر المكان و الزمان.
ولعلّ تبنّي الاتّحاد لهموم الأمّة و قضاياها و انفتاحه على كلّ مكوّناتها مع الوقوف المبدئي الى جانب الشّعوب في تطلّعها للحرّية و الكرامة هو ما جعله مستهدفا و مرمى لسهام أعداء الحرّية و قوى الاستبداد ، ليصنّف تنظيما إرهابيا في 22 نوفمبر2017 من قبل السّعودية و الإمارات و مصر و البحرين لدواع سياسية و عقابا له على مواقفه.
تصنيف من قبل من يمارسون الإرهاب و ينتهجون القمع و الاستبداد لإقصاء خصومهم و تدجين شعوبهم ، اذ صارت تهمة الإرهاب جاهزة لوصم كلّ من يخالفهم الرّأي، و هو ما لم يكن له أثر يذكر في الحدّ من نشاط الاتّحاد بل زاده زخما، و هو المنتظر من الحملة العشواء الّتي أعلنها عليه هذه الأيّام أذيال منظومة الاستبداد العربي و سليلتها في تونس بغية إطفاء شعلته ، في حملة إشهار مجانية لن تزيده إلّا ثباتا ، توهّجا و تمدّدا.
اسلاموفوبيا محلّية:
تتّهم عبير موسي سليلة منظومة الاستبداد و رأس حربة الثّورة المضادّة في تونس فرع الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين بتونس بأنّه تنظيم اخواني ينتهك مدنيّة الدّولة و دستورها و نظامها الجمهوري ،و في ممارسة لسكيزوفرينية مقيتة تخرق قوانين الدّولة و تستهين بمؤسّساتها و دستورها لترمي عرض الحائط بحكم محكمة قابل للاستناف فتلتجأ لسلوكيات البلطجة و العصابات و تمارس العنف و الإرهاب ضدّ من تتّهمهم زورا بالإرهاب.
بضع عشرات من الموتورين المأجورين اعتصموا أمام مقرّ الفرع بشارع خير الدّين باشا لغاية عرقلة نشاطه و فرض أمر واقع بإغلاقه أمام تهاون السّلطات في تطبيق القانون لزجر و كبح سلوكيّات فاشيّة تستقوي على الدّولة بتواطئ من الدّاخل و إسناد من الخارج ممّا يهدّد السّلم الأهلي و يجعل التجربة التّونسية النّاشئة و المتعثّرة أصلا في مهبّ الرّيح.
تحرص موسي الّتي تتشدّق بوطنيّتها و بمرجعيّتها التونسية على تطبيق قانون لم يصدر في وطنها و هي تجتهد في ذلك إرضاء لمشغّليها و مموّليها و تستمرّ في دورها الوظيفي التخريبي للتّجربة التونسية مستغلّة مناخ الحرّيات الّتي لا تؤمن بها و مستعملة لآليات الدّيمقراطية الّتي تكفر بها، و ما جعلها تنجح في مسعاها هو تشتّت المحسوبين على الثّورة و حساباتهم الضيّقة و صراعاتهم الإيديولوجية إذ يرى بعضهم في تصرّفات الفاشية الفجّة و عربدتها تعبيرا عن مكنون يبطنه أو يخجل من ممارسته صراحة وجد في موسي ضالّته لإقصاء خصمه السّياسي متناسيا حكاية الثّور الأبيض.
يكفي في تونس المحوّل وجهتها منذ عقود ، أن يكون المسمّى “إسلامي” حتّى تستثار حساسية البعض و تقرع طبول الحرب و تبرز أعراض اسلاموفوبيا محلّية أشدّ و أمرّ من الاسلاموفوبيا حيث نشأتها اذ دوما ما تكون التفريخات السّرطانية أشرس و أشدّ ضررا من الورم الأمّ.
فكيف ان اقترن الإسلامي بالاتّحاد العالمي هذه التّسمية المخيفة الّتي تحيل الى مفهوم وحدة الأمّة و مشروعها الكوسموبوليتي؟
و كيف إذا أضفنا إلى ذلك لفظ العلماء المسلمين بكلّ ما تعنيه الكلمة و هم لا يحتاجون الى علماء حقيقيين بقدر احتياجهم لمتعالمين و متفيقهين و دجّالين يزيّفون الوعي و يكتفون بفتاوى نقض الوضوء و جواز مسح الجوارب و آداب النّكاح ورصد هلال رمضان و خصوصا تحريم الخروج على وليّ الأمر حتّى و إن زنا على المباشر أو سلب الأرض و هتك العرض أو فقأ العيون ؟
أليست خلطة عجيبة تفسّر استنفارهم و اصطفافهم أمام خطر داهم ينذر بصحوة الأمّة؟
كيف تريدون لمجهود عقود من التغريب و التهميش و الصّدام مع معطيات التّاريخ و الجغرافيا و سياسات تجفيف المنابع و التّفقير المادّي و الرّوحي أن تذهب سدى في لمح البصر؟
ألم تنتج لنا تلك السّياسات المخرّبة و المدمّرة للإنسان مسوخا بشرية هجينة و مضطربة سهلة الاستقطاب و التّوجيه ممّا جعل تونس مدجنة لتفريخ أعتى الإرهابيين و أشدّهم بطشا بشهادة الجميع؟
و للمصادفة أنّ فرعا بهذا الاسم المستفزّ لمرضى الايديولوجا و المصابين بالاسلاموفوبيا يتّخذ له مقرّا بعنوان أكثر استفزازا: شارع خير الدّين باشا ذاك الإصلاحي المجدّد الملقّب بأبي النّهضة التّونسية ، و هو من ساهم في إصدار قانون الأمان و تولّى رئاسة المجلس الكبير الّذي أخرج أوّل دستور في تونس و في العالم العربي و الإسلامي سنة 1861،و قد سعى لإصلاح التعليم الزيتوني و هو صاحب كتاب”أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك”(1867 سنة)و الّذي بلور فيه رؤيته لمشروع إصلاحي شامل و متكامل للنّهوض بالعالم العربي و الإسلامي و تهيئته لاسترجاع دوره الحضاري و لدخوله الحداثة دون التخلّي عن مقوّماته الذّاتية و هويّته و عقيدته.
و لأجل هذا و بناء عليه فمطلوب من كلّ غيور على قيم ثورة الحرّية و الكرامة و غيور على هويّته بأن يساند فرع الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين بتونس بأيّ طريقة يراها مناسبة و على الدّولة أن تتحرّك لفرض القانون كما فعلت ذلك عند فكّها الاعتصام أمام مصنع التّبغ بالقيروان أو منعها للبعض من إقامة صلوات الجمعة ، لكي لا يقع الاحتكام إلى الشّارع الّذي نعرفه و يعرفنا.
“يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” (التّوبة) (32).