ماذا تريد الهند من أفغانستان؟
بقلم حسن الرشيدي
“الهند لا يمكنها تقديم أية مساهمة لتحقيق السلام في أفغانستان”
هذا ما صرح به رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق شاهد خاقان عباسي، عام 2017 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يعلن به رفض باكستان التدخل الهندي ومساهمتها فيما يعرف بعملية السلام في أفغانستان برعاية غربية.
ولكن لماذا تتجه الهند إلى أفغانستان؟
يمكن تلخيص النظرة أو الأهداف الاستراتيجية الهندية لأفغانستان من عدة زوايا:
- وقف الطموح الباكستاني للتمدد الإقليمي، ومحاربة الجماعات التي تصنفها الهند بأنها إرهابية.
- التنافس الهندي الصيني على النفوذ في جنوب آسيا وآسيا الوسطى.
أولا: الصراع الباكستاني الهندي في أفغانستان:
تحاول باكستان عبر دعمها لطالبان العودة مرة أخرى لجعل أفغانستان حديقة خلفية وعمق استراتيجي داعما لها في صراعها التاريخي مع الهند، حيث تشعر باكستان أن الهند تريد انهاء تقسيم شبه القارة الهندية وجعلها موحدة وابتلاع باكستان مرة أخرى، مما جعل الهند تحاول وقف هذا التمدد.
وفي نفس الوقت فإن أمريكا تريد للهند دورا في أفغانستان، حيث كانت الخارجية الأمريكية تشدد في بياناتها على الدور المهم الذي تلعبه الهند في الأمن الإقليمي بما في ذلك التحول في أفغانستان، وذلك عن طريق دعم الهند لأفغانستان عبر التجارة والاستثمار والتعمير ومساعدة قوات الأمن الأفغانية.
ويبدو أن الولايات المتحدة تلوح دائما بدور هندي كلما شعرت أن باكستان تأخذ موقفا متشددا في دعم طالبان، نظرا للعداء التقليدي بين باكستان والهند.
ولكن الباحث الهندي في مؤسسة فيفيكاندا البحثية الهندية نيتين أنانت غوخيل يرى “أن الهند هي بنفسها تسعى لدى واشنطن وبكين وموسكو للحد من دور الجيش الباكستاني في أفغانستان”.
وتحاول الهند بالأخص استغلال الولايات المتحدة التي تريد أن تجعل الورقة الهندية كعامل ضغط نفسي على باكستان، لإجبارها على التعاون معها في مكافحة الإرهاب ودحر الجماعات الإسلامية، ففي زيارة قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق بوش لكل من الدولتين في الأسبوع الأول من مارس 2006، حاول فيها بوش ابراز التمييز في علاقات الولايات المتحدة بكل من الدولتين فقد أعلن البنتاجون تزويد الهند بطائرات اف 16 و اف 18، وأنه سيتم دراسة تزويدها بالتكنولوجيات العسكرية الجديدة في كل مرة يتم فيها تطوير قدرات القوات المسلحة الأمريكيةـ بالإضافة إلى توقيع الطرفين أثناء الزيارة اتفاقا تاريخيا للتعاون النووي السلمى، رغم عدم توقيع الهند حتى الآن اتفاقية حظر الانتشار النووي.
وقد سبق وأن أصدرت طالبان بيانا هددت الهند فيه قائلة أنه من غير المنطقي تماما، أن يورط المسئولون الهنود بلدهم في كارثة لمجرد إرضاء الأميركيين.
لكن أخطر ما تنظر إليه الهند في أفغانستان هو مسألة احتلالها لكشمير، وتاريخيا شكل المقاتلون البشتون المتواجدون في باكستان وأفغانستان شوكة في ظهر الهند وحدا لطموحاتها في كشمير، فهؤلاء المقاتلون الشرسون تمكنوا من وقف تقدم الجيش الهندي في كشمير في أعقاب الاستقلال عام 1947، واستطاعوا مساعدة الجيش الباكستاني في الاحتفاظ بثلث كشمير.
لقد بدأ التفكير الباكستاني يتجدد مرة أخرى إلى كشمير بعد عام 1990، حينما أعادت المخابرات الباكستانية تنظيم المجاهدين الذاهبين إلى كشمير بعدما رأت اندلاع انتفاضة للشباب الكشميري ضد الاحتلال الهندي.
وعملت المخابرات الباكستانية على تجميع الشباب من أنحاء العالم الإسلامي أشبه بما حدث في أفغانستان مع الغزو السوفيتي لأراضيه، ولكن بالطبع كانت النتيجة أقل بكثير مما كان في الثمانينات حيث سهلت حكومات شرق أوسطية ذلك الحشد بدعم أمريكي إبان الحقبة الأفغانية.
ويشير تقرير نوقش في الكونجرس الأمريكي أعدته وكالة الإف بي آي الأمريكية أن المخابرات الباكستانية في عام 1992 أنفقت ما يقرب من ثلاثة مليار دولار، وهذا ما يعادل خمس الميزانية الدفاعية الباكستانية لدعم الإرهاب في كشمير حسب وصف التقرير، ووفقا لهذا التقرير فإن عدد ما يتم تدريبهم من الشباب يصل إلى عشرين ألف.
لقد قامت استراتيجية المخابرات الباكستانية في كشمير على أساس استنزاف الهند التي تفوق باكستان عددا وعدة، بسلسة من الحروب السرية عن طريق جماعات المقاومة الكشميرية الإسلامية منها أو الوطنية.
ولكن بدأت جماعات المقاومة الكشميرية تخرج عن السيطرة لذلك بدأ الموقف الباكستاني منها ينقلب، يقول شوجا نواز مؤلف كتاب “السيوف المتقاطعة: باكستان وجيشها والحرب الداخلية” أن الاستخبارات العسكرية الباكستانية فقدت سيطرتها على المجموعات المسلحة في كشمير، وطبقًا لنواز فإن بعضًا من المجموعات التي دربتها الاستخبارات الباكستانية لإشعال المقاومة في كشمير، تورطت في تفجيرات وهجمات داخل باكستان ولذلك تحولوا إلى أهداف للجيش.
وقبل ما يقرب من 13 عاما وبالتحديد في عام 2008، تعرضت الهند لأكبر هجوم شنه عليها مقاتلون من كشمير التي تحتلها الهند منذ استقلال كل من باكستان والهند عن بريطانيا،
وخلال هذه السنوات كانت ست منظمات إسلامية رئيسية على الأقل وعدد من المنظمات الأصغر تعمل في كشمير، مثل حزب المجاهدين وحركة الأنصار التي تشير تقارير إلى أنها تضم عددا كبيرا من غير الكشميريين، وذلك إضافة إلى جماعات العمر والبرق وجيش محمد وعسكر طيبة التي تتشكل إلى حد كبير من مقاتلين من أفغانستان وباكستان، وقد تدرب كثير من هؤلاء الإسلاميين في أفغانستان، وقد توجت هذه الأحداث بخطف طائرة هندية من قبل المقاتلين الكشميريين والتوجه بها إلى أفغانستان.
كل هذا جعل النظرة الهندية إلى أفغانستان أنها مصدر خطورة ويجب تأمينها بنظام لا يعادي الهند ولا يتحالف مع باكستان.
فالهند تعتبر حركة طالبان مقربة من باكستان، لذلك سعت بكل جهودها من أجل تقويض نفوذ الحركة، وكانت أكثر الأطراف قلقا من الاتفاق الذي تم بين إدارة أمريكا ترامب وبين طالبان، بالرغم من اشتراط أمريكا على طالبان بعدم مساندة الجماعات التي تقاتل الهند في كشمير وغيرها، ولكن من يضمن المستقبل؟ لذلك لم تخفي الهند ارتياحها مع قدوم بايدن والاعلان عن البدء في مراجعة الاتفاق الأمريكي مع طالبان.
ثانيا: التنافس الهندي الصيني على النفوذ في آسيا الوسطى
خلال العقود الأخيرة أصبحت الهند واحدة من أكثر الدول التي تحقق نمواً اقتصادياً سريعاً، بفضل المشروعات التنموية الضخمة التي نفذتها، وبجانب سرعة نموها الاقتصادي، فإن الهند التي يزيد عدد سكانها عن مليار و300 مليون نسمة، تسعى إلى توسيع نفوذها السياسي والعسكري إقليمياً ودولياً، وباتت من أهم اللاعبين الأساسيين في جنوبي القارة الآسيوية.
في عام 2012 قامت حكومة الهند باستضافة قمة دلهي الاستثمارية حول أفغانستان، والتي دعت فيها القطاع الخاص في الدول الإقليمية إلى الاستثمار في أفغانستان: لإنشاء ما أطلقت عليه حلقة حميدة من التنافس الاقتصادي السليم في أفغانستان.
وتقول الاحصائيات أن القطاع الهندي الخاص يستثمر ما يزيد على عشر مليارات دولار في أفغانستان، غير مشروع خط الغاز الذي سيمر بين تركمانستان عبر أفغانستان وباكستان إلى الهند، بينما تبلغ مساعدات الهند 2 مليار دولار للحكومة الأفغانية.
كما تستغل الحاجة الأمريكية للهند كدولة إقليمية كبرى تحاول أن تنضم لنادي الدول الكبرى في تحجيم الصين التي يعدها الاستراتيجيون في أمريكا العدو الأساسي الذي يمكن أن يهدد عرش تربع أمريكا على قمة النظام الدولي، وفي هذا الصدد كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ريكس تيلرسون قد صرح بأن الهند بلد محوري بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، والبلدان سيواصلان الاستفادة من روابطهما الاقتصادية القوية.
وبعدها زار تيلرسون نيودلهي لتحديد معالم ما بات يطلق عليه “الشراكة الاستراتيجية لمئة عام” بين البلدين، وفي كلمة له خلال الزيارة أشاد تيلرسون بدور الهند في المنطقة، وقال إنها هي وبلاده تعتبران من أهم البلدان الساعية إلى إحلال الاستقرار العالمي، وتهجم في الوقت نفسه على القيادة الصينية، وأضاف أن الهند بحاجة إلى شريك موثوق في المحافل الدولية، وأود أن أقولها بصراحة إنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي هذا الشريك الموثوق، نظراً لقيمنا المشتركة ورؤيتنا المتطابقة حيال الأمن والاستقرار بالعالم، والصين تتحدى وتنتهك القوانين الدولية عبر الاستفزازات في بحر الصين الجنوبي.
ونظرا للحدود بين الصين وأفغانستان فإن أمريكا بخطواتها تلك تريد منح الهند نفوذاً في أفغانستان والتأثير على الساحة الأفغانية، وقطع الطريق على الصين.
واتخذ التواجد الهندي شكلا مخابراتيا، ووفق تقرير لـدورية فورين بوليسي الأمريكية، فقد تمكنت المخابرات الأفغانية بمعلومات من المخابرات الهندية من اعتقال مواطنين صينيين في كابول نهاية العام الماضي، في عملية شملت ضبط كميات من الأسلحة والمخدرات، واتهامات لباكستان بالتورط، ووفق التقرير فإن ما حدث وإن لم ينته بإدانة رعايا بكين، فإنه يظهر قوة نفوذ الاستخبارات الهندية في البلد المضطرب من جهة وخشية نيودلهي من منافسة صينية، من جهة ثانية.
ولكن رجال أفغانستان لا يقبلون الهند ولا يريدون لها دورا، وإذا استمرت الهند في تواجدها فإن مشروعاتها ومخابراتها سيكون معرضا لهجمات طالبان في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي.
(المصدر: مجلة البيان)