ماذا تبقى من كلمة بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد عام (4)
بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)
في مثل هذه الأيام منذ عام مضى وقف بنيامين نتنياهو مزهوا على منصة الأمم المتحدة متحدثا ومبشرا بالنعمة التي يحملها هو وباقي عصابة المجرمين في الكيان المحتل للعالم، وتحدث عن سلامه المنشود وتطبيعه التام الفوائد مع ممالك اتفاقات ابراهام وغيرها من جمهوريات التتبيع، وأن على الفلسطينيين تتبع خطوات هؤلاء المطبعين فعصر السلام والرخاء ينتظرهم.
عندما سمع البعض هذا الحديث الكاذب أصابه الوهن ولعب به الشيطان ووسوست له نفسه الأمارة بالسوء؛ خاصة لو اجتمع مع نفر من المتخاذلين أو المخذلين أو استمع لإعلام الفتنة ودعاة الصهيونية في بلادنا، فقال في نفسه: ماذا علينا وعلى الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين لو كففنا أيدينا وجنحنا للسلم أو بمعنى أدق للاستسلام، فلا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده كما قال أشباهم من بني إسرائيل من قبل تشابهت قلوبهم قاتلهم الله أنى يؤفكون.
ولم يعلم هؤلاء الطيبون المخدوعون أو الخبثاء الخائنون أن الرباط والمرابطة والدفاع عن الأرض والمقدسات وإراقة الدماء الزكية ثمن قليل لإيقاظ وعي أمة أوشكت على نسيان عقيدتها وإيمانها وقرآنها وعمت عن التفرقة بين أعدائها وأصدقائها.
لكن الفلسطينيون المرابطون على أرض المقدس يجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، سرعان ما جاءوا نتنياهو بما يحذر ردا على خطابه المختال الفخور، فلم يتأخر الفلسطينيون عن الرد القاسي عليه، فبعد خطابه بأيام جاءته رسالة الرد من رجال صدقوا فجاسوا خلال الديار من خلال طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر. وجاء الطوفان ليزيل الغشاوة عن العيون ويزيح الران عن القلوب ليحي من حي عن بينة ويتعرى كل خائن ومتخاذل والذي أفشل كل اتفاقات ابراهام وعرى كل خائن وبث الرعب في قلوب كل صهيوني، ففر الآلاف دون رجعة عائدين من حيث جاءوا، وما زال زلزال الطوفان يصدع أركان كيان القتل، فعلى الرغم من كل عمليات الهجوم الوحشي والقتل الجماعي لكن جبانا صهيونيا لا يجرؤ على العودة لمستعمرات الشمال المغصوبة ولا إلى غلاف غزة العزة.
وعودة لما قاله نتنياهو في خطابه لنرى ما هي حقيقة سلامه الذي يطالب به الفلسطينيين؟، يقول الغاصب المتغطرس:
-“لقد سعيت منذ فترة طويلة إلى تحقيق السلام مع الفلسطينيين–لكنني أعتقد أيضًا أنه يجب علينا عدم منح الفلسطينيين حق النقض ضد معاهدات السلام الجديدة مع الدول العربية.”.
إذن كيف يستفيد الفلسطينيون من السلام المعروض؟ يقول نتنياهو:
“يمكن للفلسطينيين الاستفادة بشكل كبير من سلام أوسع. وينبغي أن يكونوا جزءًا من العملية، ولكن ينبغي ألا يكون لهم حق النقض على العملية“. لماذا؟ لأن” الفلسطينيون يمثلون مجرد 2% من العالم العربي، وطالما أنهم يعتقدون أن الـ 98% الآخرين سيبقون في حالة شبه حرب مع إسرائيل، فإن تلك الكتلة الأكبر، وذلك العالم العربي الأكبر يمكن أن يخنق الدولة اليهودية ويزيلها ويدمرها في نهاية المطاف. لذلك عندما يرى الفلسطينيون أن معظم العالم العربي قد تصالح مع الدولة اليهودية، فمن المرجح أيضًا أن يتخلوا عن وهم تدمير إسرائيل وأن يتبنوا أخيرًا طريق سلام حقيقي معها“.
نهج سلام نتنياهو
ثم يعرض علينا نهج السلام الذي يقبل به والمتمثل في ” صنع السلام مع المزيد من الدول العربية لأن ذلك سيزيد في الواقع من احتمالات صنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين“.
ويقول مدللا على ذلك: ” لسنوات طويلة، تم رفض نهجي للسلام من قبل ما يسمى بـ “الخبراء“.إذن، هم كانوا مخطئين. فحسب التوجه الذي تبنوه، لم نبرم معاهدة سلام واحدة لمدة ربع قرن. ومع ذلك، في عام 2020، بموجب التوجه الذي دعت إليه، جربنا شيئًا مختلفًا، وقد حققنا في غضون فترة وجيزة للغاية اختراقًا ملحوظًا. لقد حققنا أربع معاهدات سلام بالتعاون مع الولايات المتحدة. حيث أبرمت إسرائيل أربعة اتفاقات سلام في أربعة أشهر مع أربع دول عربية هي كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب“. ومع توسع دائرة السلام، أعتقد أنه يمكن أخيرًا التوصل إلى طريق حقيقي نحو سلام حقيقي مع جيراننا الفلسطينيين.
ولكن هناك تحفظ، كما قال، والذي يجب أن يقال هنا بقوة. فما هو؟
لا يمكن تحقيق السلام إلا إذا كان قائمًا على الحقيقة. حيث لا يمكن له أن تستند إلى الأكاذيب. ولا يمكن له أن يستند إلى تشهير لا نهاية له بحق الشعب اليهودي. فما هي هذه الحقيقة التي يستند إليها سلام نتنياهو؟
نعود لكتابه “مكان تحت الشمس” الذي كتبه منذ أكثر من أربعة عقود (40 سنة كسنوات التيه في سيناء تماما)، ففي الفصل المعنون “نوعان من السلام“ يقول:
“يجب أن ندرك أنه يوجد في العالم نوعان من السلام: سلام بين دول ديموقراطية، وسلام مع دول ديكتاتورية وهما مختلفان…السلام الأول لا تستخدم فيه القوة إلا في حالة استنفاد كافة الامكانيات بعكس النظم الديكتاتورية…
وهذه هي خلاصة الصعوبة في صنع السلام في الشرق الأوسط: إسرائيل، هي الديموقراطية الوحيدة في المنطقة.. في حين لا تبدي دولة عربية واحدة ولو مؤشرا واحدا ضعيفا لوجود ديموقراطية فيها.. والخلاصة لما يريده بالسلام: فالسلام بين الدول الديموقراطية هو حالة انسجام كامل بين شعوب وجماعات تعتمد على قيم ثقافية مشتركة يكون أمن كافة الأطراف معتمدا بوجودها على هذه الشراكة في القيم. في حين أن سلام الديكتاتوريات هو “سلام الردع” وهو الوضع الذي لا تكون فيه حرب حتى لو لم يسده أي انسجام ولا أمن باستثناء الأمن الذي يعتمد على ردع المعتدي وهذا هو السلام الوحيد الممكن تحقيقه حاليا بين إسرائيل والعرب، سلام مسلح وحذر يوفر لإسرائيل درجة كافية من القوة القادرة على ردع الجانب العربي عن استئناف الحرب.
ثم أخذ في بيان الحقيقة التي يجب أن يقر بها الفلسطينيون، حيث نقرأ في الفصل التاسع وعنوانه “سلام دائم“، ما يلي:
إن إسرائيل مؤهلة للتوصل إلى سلام مع كافة الدول العربية المجاورة، ولكن، كي يكون هذا السلام دائما، يجب أن يرتكز على أسس متينة من: الأمن، والعدل، والحقيقة بشكل خاص. إذ أن الحقيقة كانت الضحية الأولى في المعركة العربية ضد إسرائيل، والسلام الذي يرتكز على أنصاف الحقائق، وعلى التشويه، لا بد أن يتحطم في النهاية على صخرة الواقع في الشرق الأوسط.
–إن السلام الحقيقي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار طبيعة المنطقة الحقيقية، وحالات العداء الخاصة والدائمة فيها. وعليه أن يعرض حلولا واقعية للنزاع الجوهري القائم والدائم بين العالم العربي وبين دولة اليهود. إن النزاع ينبع من وجود كيان يهودي مستقل بالذات، وليس له علاقة بالأرض بشكل خاص. إن كل ما شاهدناه حتى الآن (تسعينيات القرن الماضي) يدل على أن معارضة العرب لوجود إسرائيل كانت وما زالت العقبة الرئيسة التي تحول دون تحقيق السلام.
وبعد أن يأتي بالشواهد التي تدلل على ذلك من وجهة نظره، يصل إلى هذه النتيجة:
–نقطة الانطلاق التي يجب أن نبدأ منها في حل النزاع بين العرب وإسرائيل أن تعترف الدول العربية وتسلم بوجود إسرائيل بصورة مباشرة ودون شروط. لا يكفي إنهاء الحرب، إنما يجب على أنظمة الحكم العربية التخلي نهائيا عن سعيها للقضاء على دولة اليهود، ومنح هذا التغيير مصداقية عن طريق إبرام سلام رسمي معها.
–أن يتخلى العرب ادعاء أن القضية الفلسطينية هي القوة المحركة للنزاع العربي الإسرائيلي لأن العكس هو الصحيح، فلو تم حل القضية الفلسطينية ستبقى هنالك عناصر قوية في العالم العربي والإسلامي تسعى للقضاء على إسرائيل، لأن مطالب العرب الفلسطينيين سواء الحقيقية منها أو الوهمية لا يمكن أن تكون بمثابة المسدس المحشو والملصق بدماغ إسرائيل.
إذن ما هي الحقيقة العملية على الأرض التي على الفلسطينيين أن يقروا بها توجعلهم جديرين بالسلام؟ يقول نتنياهو:
- الٌإقرار إن احتمال قيام دولة فلسطينية إسلامية في الضفة الغربية وغزة أولا ومن ثم في الأردن يشكل خطرا ليس على إسرائيل فقط. إذ أن مثل هذا التطور سيجل إيران إلى مشارف تل أبيب، ويمنحها إمكانية الاقتراب من سوريا من جهة الجنوب، وشبه الجزيرة العربية من الشمال، وإلى مصر من الشرق، ومعنى هذا التطور واضح بالنسبة لإسرائيل. إن وجود دولة فلسطينية لا بد أن يلزم إسرائيل ، عاجلا أم آجلا، بالدخول في مجابهة خطرين شديدين يهددان وجودها: جبهة شرقية قومية متحدة مع العراق، أو جبهة إسلامية متطرفة بزعامة إيران. لذا فإن المطالبة بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية تتعارض كليا مع السعي لتحقيق سلام حقيقي. إذ أن وجودها يمن حالة عدم استقرار ونزاع مستمر يؤدي في النهاية إلى حرب حتمية.
2-كما أن هذه المطالبة تتجاهل حقيقة وجود دولة فلسطينية قائمة حاليا في الأردن…لذلك هنالك حل للنزاع بين الشعبين يتمثل بإقامة دولتين: دولة يهودية للشعب اليهودي غرب نهر الأردن، ودولة عربية للشعب العربي شرقي النهر. واضح أن هذا القول لا يرضي القوميين الفلسطينيين، لكن لا يهم هذا أبدا.
3-الفلسطيني الذي يختار العيش في الضفة الغربية يجب عليه الاعتراف بحقية أنه اختار أن يكون أقلية في منطقة خاضعة لسلطة الدولة اليهودية، ولا يحق له المطالبة بدولة فلسطينية. إن الموضوع الذي يجب مناقشته والتفاوض بشأنه مع عرب الضفة الغربية هو مسألة صفتهم المدنية وليس مطالبتهم بالسيادة العربية على المناطق الحيوية لمستقبل إسرائيل… من أجل السلام يطلب من العرب التنازل عن منطقة الضفة الغربية، قلب الوطن القومي اليهودي، والسور الواقي لدولة غسرائيل، والتي تشكل استمرارا للجدار الواقي في هضبة الجولان.
4-كذلك الحال بالنسبة لمطالبة العرب باسترجاع القدس.. لا شيء خاص بالعرب فقط في القدس الشرقية، فهذا الجزء من المدينة يضم الحي اليهودي، كما تشمل أيضا المسجد الأقصى وحائط المبكى ومدينة داوود، كانت تلك عاصمة الشعب اليهودي لأكثر من ألف سنة وتشكل اليوم مركز الطموح للشعب اليهودي في سبيل العودة إلى “أرض إسرائيل” وبعثها من جديد. لذا لا يجب أن لا يطلب من إسرائيل التفاوض بشأن أي جزء من القدس، يمكن فقط للعرب المطالبة بحقوقهم المدنية.
هكذا فالحقيقة عند نتنياهو والتي تجعل الفلسطينيين جديرين بالحصول على السلام هي التنازل عن كل فلسطين بالنزوح إلى الأردن وسيناء، ومن يتبقى منهم في الضفة يكون مجرد مواطن في دولة اليهود ليس إلا.