ماذا تبقى من القضية الفلسطينية؟
بقلم مصطفى أبو السعود
لو عُدنا بالذاكرة إلى بداية القرن الماضي لوجدنا أن حضور القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي والرسمي العربي كان أفضل مما هو عليه الآن، حيث كانت فلسطين هي المعشوقة التي لا يختلف اثنان على حبها.
وهنا يُطرح سؤال ما سبب ذلك؟
دينياً_ فإن قضية فلسطين هي من صميم العقيدة فالدفاع عنها واجب، وربما يرجع ذلك إلى حداثة الكارثة، وربما لأن الكيان الصهيوني لم يُرسّخ أركانه بعد في تلك الفترة حيث إنها كانت فترة إثبات وجود جغرافي واقعي، ثم إن موجة العنفوان الثوري لما تزل مشتعلة بحكم أن الدول العربية لم تتخلص بعد من الاستعمار الغربي لها، وهذا ساعد على خلق وإعطاء مساحة واسعة للتفاعل والتأييد بكل مستوياته وأركانه مع قضية فلسطين، بدليل أن من كان يفكر أن يتعامل مع الكيان بغير منطق (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة) كان يواجه بالقوة، ويتم طرده من الاجماع العربي، وكان يعيش منبوذا.
لكن هل بقيت فلسطين سيدة الحضور كما كانت؟
المتأمل في الوضع العربي قديما يجد أن فلسطين كانت سيدة الحضور، فلم يخلُ مجلس من مجالس العرب من الحديث عنها، لكن مع مرور الوقت _ وبحكم أننا كعرب ومسلمين نعاني من قصر النفس _ أصبح من يتحدث عن فلسطين هم المشتغلون بالسياسة أو المنشغلون بها و الكتاب والمثقفين وأصحاب الرأي والشعراء كل واحد يتناولها من منظوره، فبدأ هذا الحضور بالتحول إلى حالة باهتة، وسكنت آخر الأولويات!
لماذا صارت القضية الفلسطينية سيدة الغياب؟
1- لأن الغرب ألقى بذور مقترحات حل للصراع العربي الصهيوني في رحم التربة ورحم الساسة، وعزف على وتر نظرية (فرق تسد) فنجح في زراعة الفرقة بين قلوب العرب، فبعضهم وافق على التعاطي والتجاوب مع المبادرات الغربية انطلاقاً من الواقعية السياسية، بينما بقى البعض الآخر في قائمة من يقول “لا” مصمماً على السير نحو البوصلة.
2-نجح الغرب في خلق فجوات سياسية ونفسية واقتصادية بين الشعوب العربية من خلال إثارة النعرات بكل أنواعها بين مكونات الوطن العربي.
3-زرع الغرب في كل بقعة عربية ملهاة تأخذ الشعب حيث تفاصيل حياته اليومية وهذا مقدمة لإشغاله عن القضية الأم حتى برز شعار “بلدي أولاً” وبات التعامل مع القضية الفلسطينية من باب المجاملات الدبلوماسية.
4- تم إحكام السيطرة على مفاصل المؤسسات التي تملك زمام الأمور في كل دولة وتدجينها بما يناسب مصلحة الكيان الصهيوني.
ماذا تبقى من القضية الفلسطينية؟
في البدء كان العرب يطالبون بكل فلسطين ثم تدريجاً تقلصت المطالب إلى الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني عام 1967، وبقى الأمر كذلك حتى وصلت القضية الفلسطينية إلى مرحلة أوسلو _ حيث مرحلة التسوية _ فتحولت من قضية سياسية بامتياز إلى قضية إنسانية، يتم من خلالها التعامل مع القضية من خلال مساعدات تقدم للشعب الفلسطيني استنادا لرؤية شمعون بيرس الاقتصادية التي طرحها في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، هكذا باختصار تحولت قضيتنا من سياسية إلى إنسانية حيث ينظر العالم لنا فقط كجوعى وعطشى فيطعمنا ويسقينا دون أن يتحرك لإعادة حقوقنا لنا من براثن الاحتلال.
وما أن جاء ترامب إلى عرش البيت الأبيض حتى ظهرت ملامح مرحلة التصفية النهائية للقضية الفلسطينية من خلال ما يعرف بصفقة القرن التي تجري على قدم وساق بموافقة ومباركة عربية سرية ورفض علني، حيث إن ترامب منح الذي لا يملكه، لمن لا ولم ولن يستحقه، وكأنه يسير على خطة سلفه بلفور، فالقدس قد صارت عاصمة للكيان الصهيوني، وقضية اللاجئين يُمهد لها الطريق لتختفي عن الأجندة، وتهويد الأرض في الضفة والقدس مستمرة، وقضية الدولة يتم الحديث عنها خارج حدود فلسطين من خلال تبادل أراضٍ مع مصر، وهكذا يتم التعامل مع فكرة التصفية النهائية للقضية الفلسطينية تدريجياً وحسب ما يخطط له على موائد الكبار، وما على الصغار إلا أن يقولوا “سمعنا وأطعنا “.
الواجب تأكيده في النهاية بأن ما تتعرض له القضية الفلسطينية هو أمرٌ خطير، إضافة للواقع الكارثي على أرض فلسطين، فثمة مخاطر تُحيق بها من خارجها تساعد على تصفيتها، وهي حالة التسارع العربي تجاه التطبيع مع الاحتلال ونجاح الاحتلال في اختراق وعي البعض العربي _ وإن كان قليلا من حيث الكم _ إلا أنه يبذل جهداً جباراً في الترويج للمشروع الصهيوني، وعلى رأي الذي قال بأنه إذا كان اليهود يحلمون ويجتهدون لإنشاء دولتهم من النيل إلى الفرات، فإن الأنظمة تساعدهم على تأسيس دولتهم من المحيط إلى الخليج!!
(المصدر: موقع بصائر)