مقالاتمقالات مختارة

ماذا بعد اغتيال الشهيد العالم فادي البطش؟

بقلم أويس عثمان

فجعنا صباح أمس باغتيال العالم الفلسطيني الشاب “فادي البطش” في ماليزيا وهو متوجه لأداء صلاة الفجر، بعد أن قام مسلحان -يعتقد أنهما ينتميان للاستخبارات الأجنبية- بحسب ما ورد من الجهات الأمنية الماليزية، بإطلاق الرصاص عليه من مسافة قريبة جداً، الأمر الذي أدى إلى استشهاده رحمه الله.

ومن المعلوم بداهة أن لا مستفيد من اغتيال “البطش” ومن سبقه من العلماء أو المقاومين سوى جهة واحدة، ألا وهي دولة الاحتلال ، التي تسعى لنشر إرهابها في كل مكان للحفاظ على أمنها ومصالحها بغض النظر عن الآلية والطريقة والمكان والشخص المستهدف، إذ لا مراعاة لأي شيء المهم مصلحة الكيان أولاً، ثم بعد ذلك يأتي دور الدبلوماسية الصهيونية لتغطي على ذلك حال انكشافه!

بداية لابد من التأكيد على أن كل فلسطيني مستهدف من قبل الاحتلال، بغض النظر عن عمره، ودرجته العلمية، وانتمائه السياسي، وما يستطيع أن يقدمه في مواجهة الاحتلال ومقاومته.

لابد من التأكيد أن كل فلسطيني مستهدف من قبل الاحتلال، بغض النظر عن عمره، ودرجته العلمية، وانتمائه السياسي، وما يستطيع أن يقدمه في مواجهة الاحتلال ومقاومته

وهذا الأمر لا يحتاج إلى إثبات، لأنه مستمر منذ وجود الاحتلال الصهيوني وعصاباته على أرضنا، واستهداف الفلسطينيين بات متنوعاً بين الاغتيال، والاعتقال، والإبعاد، والحصار، والابتزاز، والإهانة، وغيرها. وما هذا كله إلا انعكاساً لفكرة يؤمن بها الاحتلال، أن دولته لن تكون في مأمن طالما هناك فلسطيني حي، ولهذا لو قدر له أن يقتلهم جميعهم في الوطن والمنافي لما تردد!
لكن الاحتلال يولي أولوية في أنشطته الإرهابية لتصفية أو إخفاء أولئك الذين يندرجون تحت واحد من الأصناف التالية:

1- من لهم باع في العمل العسكري المقاوم، من حيث الممارسة أو التخطيط، أو حتى الدعم والإسناد المالي والمادي والمعنوي.

2- الكفاءات العلمية التي تدعم المقاومة، أو التي تنتج ما يخفف من حصار الاحتلال وتضييقه، مثل مسألة الكهرباء والطاقة في غزة على سبيل المثال.

3- القيادات الجماهيرية والفكرية، التي يمكن أن تؤلب الشعب على الاحتلال، وتشكل تياراً قوياً يعارض سياساته، أو لديها قبول من كافة الفصائل، وشعبية لدى الشارع، وما أحداث القدس الأخيرة وما نتج عنها من استهداف للقيادات، وعلى رأسهم الشيخ الأسير رائد صلاح إلا مثالاً على ذلك.

4- القيادات الحركية والتنظيمية، التي تتصدر القيادة وتدير شؤون الحركة وتحمل عبء إدارة ملفاتها المختلفة.

والأفراد المنضوون تحت أي صنف من هذه الأصناف يجب أن يدركوا أنهم مستهدفون لطبيعة عملهم، ومسؤولياتهم العظيمة؛ لأنهم يشكلون مقدمة الجيش المقاوم للاحتلال كل بحسب مكانه ومسؤوليته، وهذا يعني أن على كل فرد أن يأخذ الأمر على محمل الجد من حيث إمكانية تقديمه لنفسه وروحه إما بالاغتيال أو الاعتقال، أو التضييق كحد أدنى.

إن ما قام به الاحتلال، ممثلاً بجهاز “الموساد” أو أي من أجهزته الأخرى، لن يكون الأول ولن يكون الأخير، لأننا في حالة حرب وصراع، ونحن في ميدان المعركة شئنا أم أبينا، وإن لم نحمل السلاح، أو نشتم رائحة البارود والمدافع!

إن ما قام به الاحتلال، ممثلاً بجهاز “الموساد” أو أي من أجهزته الأخرى، لن يكون الأول ولن يكون الأخير، لأننا في حالة حرب وصراع، ونحن في ميدان المعركة شئنا أم أبينا، وإن لم نحمل السلاح، أو نشتم رائحة البارود والمدافع

إن ما ينبغي أن يدركه كل فرد، أن ميدان المعركة لا يقتصر على حمل السلاح، وإن كان هو الأهم والأبرز، ولولا ذلك لما سعى الاحتلال لاغتيال الشهيد الدكتور “فادي” ومن سبقه من الشهداء. بل إن كل ما يمكن أن تساهم فيه تجاه قضيتك هو سلاح تواجه فيه المحتل، وتضربه فيه من ناحية من نواحي قوته !

لكن وفي نفس الوقت، فإن الاحتلال لن يتوقف عن استهداف كل من يسعى لمقاومته، خصوصاً في ظل الصمت تجاه ما يقوم به من تصرفات تعتبر محرمة قانونياً ودولياً، ولست بصدد سرد النصوص القانونية التي تنص على ذلك. لكنها في المجمل تدور على أن الدول لابد وأن تُحترم سيادتها، ولا يجوز ممارسة أي عمل عسكري عليها دون موافقتها.

لكن السؤال الأهم، والذي يُطرح الآن. ماذا بعد اغتيال الشهيد البطش؟ وما الواجب تجاه ذلك؟

وأرى أنه من المناسب أن أتناول هذا الأمر بمجموعة من النقاط، وهي:

– رصدت العديد من الدعوات التي تطالب الحركة والفصائل الفلسطينية بتنفيذ عمليات اغتيال لبعض الصهاينة خارج فلسطين المحتلة، وأرى هذه الدعوات غير صائبة، إذ الحركة تؤمن أن مقاومتها لا تكون إلا في الداخل الفلسطيني، وأن ممارستها لمثل هذا الأمر خارجياً يعني وقوعها في مشاكل أمنية وقانونية وسياسية هي في غنى عنها . وهو ما يزيد من العداء لها وعزلتها، بل ويسبب الحرج لكل من يسعى لدعمها، ويعطي الآخرين المبرر لاستهدافها؛ لتدخلها في شؤون الدول الأخرى عسكرياً!

– وعطفاً على ما سبق، فإنني مع المقاومة النوعية التي تنتقي أفراداً لهم وزنهم في الكيان الصهيوني، كرد على ما يقومون به، وفق مصالح ترسمها المقاومة تراعي بها الوضع السياسي العام والإقليمي، مع العلم أن قتل بضعة أفراد من الكيان الصهويني كافٍ لإخفاتهم من الرئيس لأدنى محتل منهم.

ولا يشترط في الاستهداف أن يكون عسكرياً فحسب، بل إن الاستهداف النفسي والإعلامي والقانوني، هو ذو تأثير عليهم، إذ أولئك يحرصون على حياة، وبالتالي يخافون من كل ما يهددهم ويتوعدهم.

إن الاستهداف النفسي والإعلامي والقانوني لقادة الاحتلال وجنوده، ذو تأثير بالغ عليهم، إذ أولئك يحرصون على حياة، وبالتالي يخافون من كل ما يهددهم ويتوعدهم

– لست أهلاً للحديث عن طبيعة العمل العسكري وسريته، لكن هذه الأمور والأحداث المؤسفة تدعونا لمراجعة آليات التواصل والتنسيق وشبكة المعلومات الداخلية للحركة، ليس على المستوى العسكري -وإن كان هو الأكثر استهدافاً- وإنما على جميع المستويات. وما ينبطق على خارج فلسطين ينطبق على داخلها أيضاً. ومن المعلوم أنك لن تستطيع إخفاء عمل أفرادك بنسبة 100% خصوصاً في ظل وجود عدو يمتلك وسائل رصد وتجسس بالغة في التعقيد والتقدم، لكن هذا لا يغني من المراجعة والسعي في التطوير الأمني للحفاظ على كل فرد .

– نحن بحاجة إلى بث الثقافة الأمنية بين الأفراد، وكلما زادت المسؤوليات بات هذا الأمر أكثر ضرورة وأهمية، وكل فرد في الحركة هو مهم جداً لها؛ لأنه يعتبر أحد أعمدة مشروع تحرير فلسطين، لكن وفي نفس الوقت، فإن الاستهانة بها يجرّ على صاحبه الكثير من المتاعب، ويضر بطبيعة العمل الحركي أو المقاوم، خصوصاً في الداخل الفلسطيني وفي الضفة الغربية على وجه الخصوص التي تقبع تحت كاميرات الاحتلال وجواسيسه والتنسيق الأمني.

ولهذا لابد من عقد دورات في ذلك، وتفعيل مبدأ “المعلومة على قدر الحاجة وليست على قدر الثقة”، والحرص على سرية المعلومات الخاصة بالأفراد وتفاصيل عملهم، خصوصاً إذا لم يكن هناك داعٍ أو ضرورة للتعريف بها.

إن الاستهانة بأهمية الثقافة الأمنية والوعي بها به يجرّ على صاحبه الكثير من المتاعب، ويضر بطبيعة العمل الحركي أو المقاوم، خصوصاً في الداخل الفلسطيني

– الشهيد المهندس د. فادي البطش أثبت مدى تأثير الكفاءات العلمية في معركتنا ضد الاحتلال، وهذا يتطلب المزيد من الاهتمام بصناعة العلماء والمختصين في كافة المجالات، خصوصاً العلمية والقانونية والعسكرية، وعلى الحركة أن تسعى لمضاعفة أعداد الكفاءات والعقول المميزة من أفرادها، لأن الإعداد الجيد يتطلب جيشاً من أولئك الذين يغيرون من موازين القوى في الصراعمع العدو .

– هناك معركة قانونية لابد من خوض غمارها بشكل لا هوادة فيها، والتي ستتضح معالمها بعد انتهاء التحقيقات والكشف عن المنفذين، ولابد للحركة أن تصب كل جهدها في هذا المنحى، صحيح أن الدبلوماسية الصهيونية قد تتدخل لعدم إنجاح الأمر، لكن يكفي أن نحاول بمهنية وأن نقوم بواجبنا لنشعرهم أن الفلسطيني لا يذهب دمه هدراً، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على شهدائنا الذين يسقطون في مسيرة العودة في غزة أيضاً.

ختاماً.. رحم الله شهيدنا الذي انضم إلى كوكبة شهدائنا البررة، ونسأله تعالى أن يعين شعبنا على الأخذ بثأره وثأر إخوانه الذين استشهدوا من قبله، إنه سميع مجيب.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى