د. زياد الشامي – موقع المسلم
لا تكاد تمر أيام معدودة حتى تطالعنا وسائل الإعلام العالمية عن انضمام دولة جديدة من دول الغرب والشرق إلى قائمة الدول التي تشرعن وتقنن حظر النقاب أو الحجاب في مؤسسات الدولة والمدارس….أو حتى الأماكن العامة , وعن مظاهر العنصرية والتمييز ضد المحجبات في دول طالما زعمت أنها راعية حقوق الإنسان ورائدة حماية الحريات الفردية وعلى رأسها الحرية الدينية!!!
يكفي أن نذكر أنه خلال الأيام القليلة الماضية وقعت أكثر من حادثة تؤكد ما سبق , فقد قامت ولاية بافاريا جنوب ألمانيا بحظر ارتداء النقاب في المدارس والجامعات وأماكن العمل الحكومية ومراكز الانتخاب , بعد أن وافقت الإدارة المحلية على مشروع قانون يحظر ارتداء الموظفات النقاب في الأماكن العامة التي فيها مخاوف تتعلق بالأمن العام حسب وزير الداخلية البافاري “يواخيم هيرمان” .
لم تكن ألمانيا التي دعت فيها المستشارة أنجيلا ميركل في ديسمبر/ كانون الأول إلى فرض حظر على النقاب “أينما كان ذلك ممكنا من الناحية القانونية” …وحدها من فعل ذلك , بل قامت فرنسا وبلجيكا بفرض حظر على ارتداء النقاب، ومنعته منطقة “لومباردي” شمالي إيطاليا، في المستشفيات والهيئات التابعة للإدارة المحلية.
أما الصين فقد ذهبت بعيدا في حملتها ضد الحجاب وكل ما يمت بصلة إلى دين الله الإسلام الذي يعتنقه ويدين به أكثر من 30 مليون مسلم هناك حسب إحصاء صيني رسمي , حيث أعلنت الصين أمس عن مكافأة قدرها ألفا يوان – ما يعادل 275 يورو – لمن يبلغ عن أي شاب ملتح أو امرأة منقبة في تركستان الشرقية “إقليم شينجيانغ” الواقع في شمال غرب البلاد , وخصصت سلطات بلدة “هوتان” صندوقا بقيمة مئة مليون يوان (13.7 مليون يورو) لتمويل ما أسمته مكافآت “الإرهاب” حسب صحيفة “هوتان” المحلية اليومية , والذي يرمز في عقلية الحكومة الصينية إلى مسلمي الإيغور ؟!
وإذا انتقلنا إلى ما تعانيه المرأة التي ترتدي الحجاب في القارة العجوز والولايات المتحدة الأمريكية فحدث ولا حرج , فليس المنع من ركوب وسائل النقل لمجرد ارتداء المرأة للحجاب هو المظهر الوحيد من مظاهر الاضطهاد فحسب , فهناك رفض توظيف المحجبة وتعرضها لمضايقات بل وعنف شديد حتى أثناء سيرها في الأماكن العامة !!
كانت آخر مظاهر تلك المضايقات ما كشفت عنه الممثلة الأمريكية الشهيرة “ليندسي لوهان” التي قالت خلال مشاركتها في البرنامج الصباحي على قناة ” ITV” البريطانية : إن موظفة أمن بمطار “هيثرو” بلندن طلبت منها مؤخرا أن تخلع حجابها ، لدى صعودها الطائرة للتوجه إلى نيويورك ، مشيرة إلى أنها لأول مرة عانت من التمييز خلال ذلك الحادث ” .
قد يكون من السابق لأوانه الخوض بمسألة اعتناق “لوهان” للإسلام بعد تقارير إعلامية تحدثت خلال الفترة الماضية عن هذا الاحتمال , خصوصا بعد ظهورها عدة مرات وهي ترتدي الحجاب ، ومشاهدتها في صورة وهي تحمل نسخة من القرآن باللغة الإنجليزية ….. إلا أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى تعليقها بعد حادثة مطالبتها بخلع الحجاب بالمطار حيث قالت : “خفت عندما شعرت بإحساس امرأة أخرى تنزعج من خلع حجابها وتكون مكاني , وأصبت بالصدمة أيضا حينها”.
لا يمكن أن يكون جميع ما سبق من إجراءات قمعية وممارسات عنصرية تجاه “الحجاب” أو “النقاب” لمجرد كونه قطعة من القماش تضعه المرأة على رأسها أو تغطي به وجهها وتخفي من خلاله زينتها …. بل لكونه سلوكيا نابعا من إيمان المرأة المسلمة بأن الحجاب فريضة من الله منصوص عليه في كتاب الله وسنة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم , وهو ما يعني أن الحملة العالمية ضد الحجاب تخفي في الحقيقة حربا على دين الله الخاتم وعلى كل ما يمت إلى هذا الدين بصلة .
لم تقتصر الحملة العالمية ضد الحجاب والنقاب على القارة العجوز والدول غير الإسلامية فحسب , بل وصلت آثار تلك الحملة – للأسف الشديد – إلى عقر ديار المسلمين , ويكفي الاستشهاد هنا بالحملة الشرسة ضد الحجاب في تونس في عهد الحبيب بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي……
لا يبدو أن القائمين على تلك الحملة الشرسة ضد الحجاب معنيون بإخفاء ما ورائها من عداء وحقد غير مبرر على دين الله الخاتم, فعهد التورية وعدم إظهار ما تضمره نفوسهم تجاه الإسلام عبر رفع شعارات المواطنة والتعايش والمساواة والحرية الدينية …….قد أصبح على ما يبدو من الماضي .
فها هي “مارين لوبان” مرشحة الرئاسة الفرنسية وزعيمة حزب يميني متطرف ترفض وضع قطعة قماش على رأسها – في دلالة رمزية للحجاب – كبروتوكول متبع للقائها بمفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان , رغم محاولات موظفو دار الإفتاء اللبنانية إقناعها بذلك , لتكون النتيجة إلغاء “لوبان” للزيارة ومغادرتها لدار الفتوى .
فمتى سيدرك العرب والمسلمون أن الحملة العالمية على الحجاب هي في الحقيقة حملة على دين الله الإسلام ؟!