مقالاتمقالات مختارة

ما الذي يعنيه وعد نتنياهو بضم غور الأردن؟

ما الذي يعنيه وعد نتنياهو بضم غور الأردن؟

بقلم بشار طافش

الحقيقة الساطعة أن الكل يتساءل الآن عن الجديد الذي سيظهر نتيجة تطبيق قرار نتنياهو الأخير بضم غور الأردن على الجانب الفلسطيني المحتل إلى سيادة دولة الاحتلال فيما لو فاز نتنياهو في الانتخابات القادمة، كيف سنفهم هذا القرار وفلسطين كلها محتلة وهي عمليا تحت حكم دولة الاحتلال اليهودية منذ عقود، ما الجديد إذا؟

جدير بالذكر كذلك أنه بالأمس الثلاثاء حذّرت الأمم المتحدة نتنياهو وحكومته من الإقدام على اتخاذ هذه الخطوة، لأنه لن يكون لها أساس قانوني في القانون الدولي، إنه تحذير يدعو إلى السخرية والضحك، أليس كذلك أعزائي؟ وكأن دولة الاحتلال تملك أساس قانوني في القانون الدولي مثلا.

لكن المثير في وعد نتنياهو هذا، أن زعماء دولة الاحتلال عدلوا تماما هذه المرة عن نهج كان في السابق، ألا وهو إشعال حرب في غزة ومن ثم يشرعون لأنفسهم استباحة الدماء الفلسطينية وقتل النساء والشيوخ والأطفال والعُزّل وهدم المنازل كدعاية انتخابية أساسية لا بد منها قبل أي استحقاق رئاسي لإرضاء الشعب اليهودي المتعطش أبداً لدماء العرب، لنجد نتنياهو بالأمس وهو يُعلن من مدينة أسدود المحتلة وعده بضم غور الأردن على الضفة الغربية إلى سيادة دولة الاحتلال في حال أنتخب مجددا كرئيس حكومة، وما إن أَعلن عن وعده هذا حتى اضطُر إلى الهرب مهرولا جراء صواريخ المقاومة محلية الصنع حين بدأت تتساقط على مدينة أسدود تاركاً مؤتمره الصحفي ورائه، وأثناء البلبلة الإعلامية التي رافقت هذا الوعد أطل علينا مراسل القناة اليهودية 13 وهو يقول أن إطلاق الصواريخ من غزة لم يكن مصادفة بل كانت حماس تعلم مسبقا بموعد المؤتمر الصحفي لنتنياهو وأرادت أن تبلغه امتعاضها الشديد من وجوده بالقرب من غزة ولتبلغه أيضا ردها الفوري على وعده الفارغ.

اليوم أرى وكأن الشعب اليهودي بدولة الاحتلال غير متحمس بالمرة لهذا الوعد ولا يريد أن يعرف ماهيته وما الذي يعنيه بالضبط بالنسبة له، تماما كمثل ملايين العرب بمن فيهم أنا، شعب دولة الاحتلال يعنيه اليوم فقط أخبار صواريخ المقاومة التي حملت رئيس حكومتهم بالأمس على الهرب مهرولا من أسدود دون أدنى رد، ويعنيهم أيضا أن حكومتهم لجأت مجددا وللمرة المئة إلى مخابرات السيسي من أجل التهدئة مع حماس، هذا الذي يعنيهم بعيدا عن تلك الوعود والقرارات التي باتت لا تؤثر لا على الفلسطيني ولا على مقاومته ولا على حقيقة كيانهم اليهودي العنصري الغاصب التي باتت مكشوفة لشعوب العالم الحر.

صراحة يجب أن لا يعنينا نحن العرب جميعا هذا الوعد لا من ناحية قانونية ولا غيرها، الواقع الحالي فرض علينا بالضرورة عدم الالتفات لهكذا أمور إلا إذا كانت لا تزيد من يأسنا وبؤسنا كما يراد لها أن تكون، حسب اعتقادي المتواضع، كل الذي يجب أن يثير اهتمامنا كشعوب عربية هو تلك الصواريخ الغزية محلية الصنع التي نزلت على مدينة أسدود المحتلة وأثناء وجود رئيس حكومة دولة الاحتلال بها، وما شكله ذلك من هزيمة معنوية ضخمة لدولة الاحتلال وجيشها وحكومتها وشعبها، هذا الذي يجب أن يعنينا أعزائي، لا تجعلوا من تلك العناوين الإخبارية أداة هدم لمعنوياتكم وعزيمتكم كما يراد لها، متى كان للقرارات الدولية الخاصة بالصراع العربي الصهيوني أي وزن؟ ثم أننا كشعوب ما الذي ننتظره بالضبط من زعمائنا العرب أكثر من الشجب والاستنكار في أحوال مماثلة؟ ثم هل أن نتنياهو بحاجة بالفعل لفرض تلك السيادة على الأغوار بينما وصلت سيادته بالفعل إلى عقر القصور بكل تلك العواصم؟ شيء يدعوا إلى الضحك حد البكاء.

البعض ما زال يحلل ويقول إن نتنياهو جاد ولا يجب النظر إلى كلامه كمن ينظر إلى برنامج انتخابي لمرشح عربي، بل هو جاد وسينفذ وعده فور فوزه بالانتخابات، مستغلا بذلك وجود ترمب على رأس الإدارة الأمريكية الأكثر صهيونية، والتطبيع العربي الرسمي العلني، لكن عزيزي المحلل السياسي منذ متى كان الوضع على غير الذي نراه اليوم؟ فمنذ أن تأسست دولة الاحتلال أربعينيات القرن الفائت والوضع كهذا الوضع سواء على صعيد كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة ودعمها غير المحدود لدولة الاحتلال، أو تلى صعيد الوضع العربي الرسمي منذ اللحظة الأولى لإعلان دولة الاحتلال وهو كما هو مع فارق بسيط من العلنية الوقحة في التطبيع، والتوق إلى التمرغ في أحضان الصهيونية.

هي دعوة إلى كل مواطن عربي عادي مقهور ومعدم بأن لا يزيد قهرك قهراً ولا انعدامك انعداما وأنت تتابع نشرات الأخبار وهي وتستضيف المحللين والصحفيين والكتاب ليفندوا تبعات وعد بنيامين نتنياهو بضم غور الأردن لسيادة كيانه، لا تنجر وراء تلك التحليلات التي تريد لك الانتحار من شدة اليأس، انظر إلى الجانب المضيء في هذه المسألة وفقدان خيارات دولة الاحتلال في التعامل مع المقاومة والشعب الفلسطينيين، وعلنية الحالة العربية الرسمية التي جلّت لنا نحن الشعوب أمور لطالما كانت مختلطة علينا في السابق وشديدة الضبابية، كيف أصبحت الآن واضحة وضوح الشمس. لا يعنينا أبدا ما الذي يُقصد من وعد نتنياهو وحتى قراره غدا بضم الأغوار، نحن الشعوب لسنا أستوديوهات إخبارية.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى