مقالاتمقالات المنتدى

مؤسسة الذاكرة الحضارية للأمة المسلمة

مؤسسة الذاكرة الحضارية للأمة المسلمة

 

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

 

مفهوم الذاكرة، مفهوم مركزي في حياة الإنسان منذ خلق الله تعالى أبينا آدم وعلمه الأسماء كلها، وأمره أن يحفظها ولا ينساها، وعرفه عدوه اللدود إبليس وحذره أن ينسى أنه عدو له ولزوجه فيشقى، لكن آدم نسي فكان ما كان من إخراجه من الجنة وإنزاله للأرض مبتلاً وممتحناً هو وذريته إلى يوم الدين، ثم أنزل الله لنا كتبه السماوية تترى حتى لا ننسى عداوتنا للشيطان، ولا ننسى أوليائه من الجن والإنس، ولا ننسى أيضاً الصادقين من المؤمنين، وأمرنا تعالى أن نتذكر كل ذلك ونورثه للأجيال التي تخلفنا دائماً حتى لا  يحيون ولا يموتون  إلا وهم مسلمون، وحذرنا تعالى أن نتغافل عن ذاكرة الإيمان والكفر والتفريق بينهما فنضيع ونهلك.

واليوم نجد التجارب تجرى على البشر والحيوانات لزرع ذكريات مزيّفة في أدمغتهم أو نقل الخواطر إليهم، كما نرى على وسائط التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة للاتصالات التفنن في مسخ ومسح الذاكرة للبشر، ناهيك عما تفعله وسائل الإعلام والتعليم ومناهج الدراسة من تزييف الوعي ومسح الذاكرة أو تغييرها إلى حيث يريد أعداء الأمة، فتنشأ أجيال جديدة لا علاقة لها بقيم الأمة وقضاياها، بل تكون توجهاتهم حيالها مشوهة ومغلوطة، وليست هذه الثّورة التكنولوجية سوى في بداياتها، فكيف بها في عندما تتطور  في زمن الهجمة المسعورة على الإسلام والمسلمين القادم.

واليوم نحن نرى آثار ذلك رأي العين، فالصهاينة اليهود الذي سرقوا فلسطين في القرن الماضي تميزوا بذاكرة قوية توارثوها من أسلافهم تربى عليها أبنائهم حتى صارت عقيدة راسخة وعادو لسرقة فلسطين، وعلى العكس منا انطفت الذاكرة وتم تفريغها من مركزية القدس وفلسطين في الوعي الفردي الجمعي المسلم ففقدنا فلسطين والقدس، وسنظل كذلك حتى نستعيد ذاكرتنا للحضارية من جديد في قلب تربيتنا لأجيالنا الجديدة.

واليوم وغزوة طوفان الأقصى تدخل يومها الثاني عشر ، وقد زاد ثبات أهلنا المجاهدين والمرابطين في غزة؛ وفي عموم فلسطين، بالرغم من  اشتداد دموية العدو الصهيوني بمزيد من استهداف الفلسطينيين في غزة، بعد أن قصف مستشفى الأهلي المعمداني وأصاب أكثر من 500 شهيد أكثرهم من الاطفال بخلاف مئات الجرحى، بخلاف استهداف قادة الجهاد. في ذات الوقت الذي تجمع فيه معسكر الاستكبار  في الأرض والبغي بغير الحق من الأمريكيين والأوروبيين ومن والاهم مثل الهنود وغيرهم ممن طمس الله بصيرتهم فأيدوا الكيان الغاصب ومنعوا عن أهلنا في غزة أي معونة وتكالبوا كلهم عليهم يريدون إبادتهم، بل إنهم بخلوا بمجرد قرار من مجلس الأمن الدولي يدين الكيان الغاصب وإجرامه، أما عن الحكام العرب والمسلمين فلا تسل عنهم فهم قد تودع منهم أجمعين.

فغزوة “طوفان الأقصى” ونتائجها المتوالية؛ في جوانبها الإيجابية وآثارها الكبيرة، تثير الكثير من الأفكار والتداعي لتأسيس المؤسسات الواجب التشمير من علماء الأمة ورجالها ومؤسساتها وحركاتها لبنائها، من أجل الاستفادة من الغزوة بشكل صحيح بدلا من ردود الأفعال التي سرعان ما تبرد في القلوب والعقول وتتلاشى من الذاكرة وتعود الأمة لسباتا من جديد.

ففي هذه اللحظات الحاسمة في حياة الأمة التي تستعيد فيها معاني العزة والكرامة والجهاد، ويفيق أبنائها؛ خاصة الأطفال والشباب، على حقيقة المعركة بين الإيمان والكفر، تحتاج الأمة لمن ينتهز هذه الفرصة السانحة والمنحة العظيمة التي منحها الله للأمة على أيدي ثلة من المجاهدين لتعيد تجديد إيمانها ودينها ودنياها من جديد، ومن ضمن ما يجب على الأمة الشروع في عمله اليوم هو  تأسيس مؤسسة جديدة لحفظ الذاكرة .

وهذا المقال يقترح مؤسسة للذاكرة الحضارية للأمة تكون نواة للبناء عليها من أجل إعادة الأمة الواحدة التي حمت المقدسات وحفظت الأوطان والإنسان المسلم، فبقاء الأمة يرتبط ارتباطاً وثيقا بإحياء الذاكرة وجعل القيم والأحداث والمعاني راسخة في القلوب والعقول دائما أبدا، في حين أن فقدان الذاكرة كارثة من أكبر الكوارث التي تواجه أي أمة وتعرضها للفناء.

وأعتقد أننا إذا أحسننا بناء هذا المركز ووفرنا له التمويل والكفاءات القادرة، فإنه سيكون خطوة صحيحة وصحية نبني عليها جسرا ونبدأ بها خطوة في طريقنا الطويل نحو الخروج من أزمتنا الراهنة وتخاذلنا وضياع أجيالنا الجديدة، وأن نحدد وجهتنا، وأن نعلن رؤيتنا، وأن نُعِد وسائلنا وأدواتنا وما استطعنا من قوة لنجاهد أعداءنا حتى تحرر كل مقدساتنا ويتحرر قبلها إنساننا المسلم من الذل والعار والإخلاد إلى الأرض.

لماذا نحتاج مؤسسة الذاكرة الحضارية؟

إن إبقاء حالة الذاكرة الضعيفة أو ذاكرة السمك التي تتميز بها مؤسساتنا وإنساننا المسلم اليوم على قيد الحياة بنفس معالمها ومنطلقاتها؛ عبث فكري، وتخلف عقلي، وانحراف شرعي، وجهل بتاريخ الصراع، ماضيه وحاضره ومستقبله. ولكن إنعاش هذه الذاكرة وجعلها حية دوما في قلوب وعقول المسلمين ستساعد الأمة في إعادة انطلاقها، وتساهم في استنهاض طاقاتها وإمكاناتها، فلم يتبق للأمة اليوم؛ في ظل تخاذل الحكام وأصحاب القوة والمال وتكالب الأعداء على الأمة؛ وفي القلب منها فلسطين، إلا خيار وحيد نُدفَع إليه مجبرين، ولا نسير إليه مختارين، يتمثل هذا الخيار  في الانحياز الكلي لذاكرة الحضارية نحييها في القلوب والعقل بكل الطرق.

نحن نحتاج مركز لإحياء وإنعاش ذاكرة الأمة بالأحداث الجسام التي تمر بنا حتى لا تبرد مشاعرنا سريعا ونعود لما كنا فيه من لهو وفرح وركون للدنيا وإخلاد للأرض. مركز للذاكرة يذكرنا دوما فلا ننسى، وإحياء ثقافة التذكر التي رسخها القرآن المجيد بتشديده الدائم على: التذكر والتذكير والذكر، بل إنه جعل الذكر هو قمة الإيمان، والمؤمنون هم الذين يتذكرون، والرسول قبلهم هو مذكر.

 

واحدة من أهم مهام المؤسسة

نطرح في هذا المقال مثال لمهمة واحدة من مهام هذه المؤسسة متعلق بالأطفال والشباب المسلمين والمرأة المسلمة. حيث يمكن من خلال تعاون مثمر بين المثقفين، والفنانين، والخبراء في التكنولوجيا، والتربويين، وعلماء الاجتماع والتاريخ والسياسة والحرب والإعلام الذين ستستقطبهم المؤسسة من المؤمنين بالأمة ومستقبلها، البدء في تخطيط مشروع لبناء ذاكرة الجيل الجديد من أطفال وشباب المسلمين تجاه قضايا الأمة، يكون مشروعا مضادا وأساسيا للتصدي للمنظور الغربي والحكومي والعلماني السائد بشأن تاريخ المسلمين عموما وتاريخ فلسطين والفلسطينيين على وجه الخصوص، بحيث يكون هذا المشروع خطوة حاسمة في تكوين مستوى جديد من الوعي والمعرفة بشأن عنصر أساسي في بناء هوية هذه الأجيال المسلمة وتوجهاتها وانتمائها؛ هو الذاكرة.

والهدف الرئيس من هذا  المشروع هو  تقديم منظور للأطفال المسلمين مفاده أنهم أبناء الأمة المسلمة الواحدة الموحدة في المستقبل بإذن الله، من خلال تعزيز شعور  هذا النشء المسلم بالاعتزاز بتاريخه بما يُقيم جسورا من القيم والشعور المشتركين تربط بين الأجيال الجديدة من المسلمين عبر العالم.

 

من أهم فوائد هذا المشروع ومستهدفاته ومحتوياته

1- أن نجعل يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، أكثر الأيام بهجة وفرح وبشر  بالنسبة للأمة المسلمة والإنسان المسلم منذ النكبة عام 1948م، فقد شفى الصدور وأفرح القلوب وأحيا الآمال بعد عقود من  الذكريات المؤلمة والندوب التي خلفتها عشرات السنين من الهزائم والتراجعات عن ثوابت القضية.

2- أن الجهاد لا يموت في وجدان الأمة وواقعها، فعلى الرغم من استشهاد كثير من قادة الجهاد في العقود الأخيرة؛ وفي مقدمتهم الشهيد أحمد ياسين، فإن ذكراه ورسالته ودروسه ظلت حية في الأجيال الجديدة من الفلسطينيين وأنتجت غزوة “طوفان الأقصى المباركة وجيلها المبارك”.

3- أن نعيد تدبر القرآن من جديد وتيسيره لأطفالنا وناشئتنا، فنعيد قراءة قصة أنبياء الله مع أقوامهم، وفي القلب منهم نبينا ورسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم، ونتذكر  أمرين. أولا، عندما نسقط، ننهض مرة أخرى ونبدأ من جديد. وثانيًا، عندما نواجه مأساة وخسارة، يجب أن نعود إلى البداية ونتذكر من نحن.

4- أن نفكّر  في ما حصل بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وما نراه من تدمير أحمق للبشر والحجر من أعداء الله ورسوله والمؤمنين، والخسارة الفادحة التي يتحملها بثبات المجاهدين في فلسطين، والموت/ الشهادة في كل مكان وفي كل لحظة ولكل الأعمار، والذي  كان من الممكن أن يترك اليأس يتسرب في قلوب أمة بأكملها، وكيف نجعله نورا يهدينا في طريقنا لتحرير القدس من خلال أيدي وعقول وجهاد الأجيال الجديدة التي نربيها اليوم.

5- يمكن عمل ذلك كله من خلال كتب للأطفال والشباب تناسب أعمارهم وأذواقهم ونفسياتهم، فيمكن من خلال إبداع مجموعة من القصص القصيرة المفعمة بالحماس التي كُتبت خصيصاً من أجل تعليم الأطفال عن فلسطين والتي تحرضهم على الجهاد، فعندما تجتمع في هذه القصص: الرسومات الجذابة والنص المؤثر، اللغة المشوقة السهلة يمكن أن ننقل إلى أجيالنا الجديدة الفكرة البسيطة والقوية في آن معاً عن فلسطين، فنكسب ذاكرة حديدية ونشئا قويا في دينه محبا للغته. وهي مكاسب لو نعلم عظيمة في طريقنا للبناء الجديد لأمتنا.

6- أن نروي قصصا مكتوبة ومصورة ومسموعة للأجيال الجديدة عن قصة المرأة الفلسطينية والطفل والشاب والفتاة والعجوز الفلسطيني المسلمين المجاهدين والمرابطين في فلسطين والذين هم في مقدمة المجاهدين.

7- إطلاق مشروع “المرأة المسلمة في التاريخ الإسلامي من أجل التعريف بالدور المركزي الذي تضطلع به المرأة المسلمة في تاريخ الجهاد وتربية المجاهدين، واستخدام الوسائل الحديثة في إنجاح المشروع عبر استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال. فمن خلال قصص متصلة بشخصيات نسائية مختارة تتسم بأهمية كبرى في تاريخ الإسلام والجهاد في سبيله. وتكون موجهة لجميع الأعمار من الأجيال الجديدة من المسلمين، والتربويين، والمعلّمين، والجمهور العام المعني بتاريخ الجهاد يمكن أن نعيد صياغة ذاكرة الجيل الجديد من المسلمين.

 

خاتمة

الذاكرة هي مستودع الخبرة، والتداعيات التي تستدعيها هي التي تحرك سيرنا في الحياة، فكل ذكرى تستدعي الذكرى الأخرى، وصورة شيء تجذب إليها صورة أخرى؛ سواء كانت إيجابية أو سلبية، ومن ثم تتشكل قيم الإنسان وتوجهاته. وما يجره ذلك من تداعيات في العقل والنفس والقلب فتنتج أفعالا وأقوالا تؤثر على الحياة، ومن ثم فإننا كأمة وأصحاب فكر ورأي  لا يُفترض بنا أبدًا أن نخرج من غزوة “طوفان الأقصى” كما دخلناها، لا ينبغي أن يكون هذا أبدًا. ففي زمن الصوت والصورة والآفاق المفتوحة يتم تزوير الماضي والحاضر المشاهد بأم أعيننا، فهل نثق بالتاريخ الذي يقدمونه لنا، وهل نظل نثور ثم نهدأ كأن شيئا لم يكن بسبب ضعف ذاكرتنا الحضارية ؟

أنظر إلى ما فعلوه في مجزرة الأمس في المستشفى المعمداني وإلصاق التهمة بحركة الجهاد الإسلامي، والترويج للكذب بكل وقاحة من أمريكا ورئيسا وقادتها وكل من تبعهم من الغاوين المضلين. في ظل هذا الكذب والتزوير والغش والخداع والحرب على فلسطين والإسلام والمسلمين نحتاج أن نعيد ثقافة التذكر والتذكير القرآنية في الأمة من جديد

 

من لهذا العمل العظيم الأجر الكبير الأثر؟؟؟

اللهم إني استغفرك من تقصيري في حق أمتي وتفريطي في أمرها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى