مأساة مسلمي الروهينغا.. إلى أين؟
إعداد محمد غلام
هائما مستغرقا في تفكير لا يتوقف عن مستقبل أولاده وأي مصير ينتظرهم.. أرسل “حمدوه كاييس” زفرة حرّى وهو يقلب نظره بين أطفاله الستة أمام خيمته البائسة ثم يرسله بعيدا إلى أفق لا نهاية له.
لا يدرك حمدوه تعقيدات السياسة ولا حسابات القوى الكبرى إزاء معضلة الروهينغا ولا دوافع الصين وروسيا لمنع أي إجراء في مجلس الأمن الدولي لمحاسبة الطغمة العسكرية المطعّمة بفائزة سابقة بجائزة نوبل هي أونغ سان سو تشي، ولا سر تلكؤ القوى الغربية كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في اتخاذ أي إجراء أحادي كما اتخذت في أزمات أخرى أقل كلفة إنسانية، ومتى كانت الإنسانية تحرك القوى الكبرى؟!
تهجير آخر
لكن مصير التهجير مرة ثانية إلى جزيرة نائية تهددها الفيضانات والأعاصير يجري التخطيط لسوقهم إليها يبدو شغله الشاغل، لا يحتفظ حمدوه بكثير ود إلى مخيمه لامباشيا رقم 4 في منطقة أوكيا بولاية كوكس بازار حيث يسكن، فقد ذاق فيه الأمرين، لكنه يدرك أن القادم أسوأ، ومنه الإعادة القسرية إلى أراكان دون منحه حقوقه الإنسانية.
قالها حمدوه بكل إصرار متحدثا عن الخطة التي تعارضها بشدة منظمات حقوقية وإغاثية، ورافضا تصويره خوف الاعتقال “لن أذهب إلى مخيم جزيرة باشان تشار إلا ميتا أو في الأغلال، ولن أعود إلى أراكان دون منحي الرقم الوطني وإعادة ممتلكاتي إلي”.
لا يلقي حمدوه بالا -وربما لا يدرك- حجم المصالح الاقتصادية المتعاظمة لبنغلاديش في تجارتها الخارجية مع ميانمار ومنها إلى الصين، وقد رصدنا تسارعا لإنشاء طريق الحرير الجديد الرابط بين بنغلاديش والصين عبر ميانمار، وقد اكتملت أجزاء منه، كما رصدنا عبر ميناء حدودي تسارع شحن البضائع إليها، في حين يقول كثير من الصحفيين البنغاليين -ممن يتحفظون على ذكر أسمائهم- إنه تفسير للغز “تغير موقف” بنغلاديش المفاجئ من قضية الروهينغا واتباعها سياسة تضييق صارمة تجاههم.
اعتبارات اقتصادية
بل يهمس لك آخرون -دون تقديم دليل- بأن بنغلاديش “أغرتها” ميانمار والصين بـ”شيء” من عائدات أنابيب نفط صينية قادمة من الشرق الأوسط تمر عبر أراكان كانت هي سر تهجير المسلمين من ديارهم، فضلا عن ثروات أراكان الضخمة.
وبعيدا عن الاعتبارات الاقتصادية، الواقعي منها والافتراضي، يبدي كثير من اللاجئين الروهينغيين -ممن التقيناهم عبر المخيمات المتناثرة على طول الحدود مع ميانمار- الرغبة في العودة إلى أوطانهم في أراكان، ولكن بشروط.
ويقول شمس العلم ذو الـ52 ربيعا وهو من قرية “شدر فره” بمنطقة مونغدو بأراكان “أريد العودة ولكن لابد من معاقبة المجرمين قبل ذلك وإعادة ممتلكاتنا.. هم يكذبون، يريدون عودتنا ثم قتلنا.. لا نثق فيهم”.
ويشترط مولوي كبير (30 عاما) تعويضه عما لحق ممتلكاته من تدمير وحرق، قبل العودة. ويقول إن شقيقه مسجون في ميانمار مدى الحياة، وهو لا يعرف إن كان حيا أو ميتا.
ويضيف “لا نريد العودة إلى ميانمار قبل تحقيق الأمن ومنحنا الجنسية والمساواة الكاملة.. لم يحصل كثير من أقاربنا وجيراننا على جنازة، وانتهى بهم المطاف في مقابر جماعية بعد قتلهم ذبحا وحرقا”.
وتقول الستينية الروهينغية بشرى نور الإيمان “هذه ثاني مرة أهرب فيها إلى بنغلاديش. قتل زوجي على يد الرهبان البوذيين.. لا أريد العودة لأنني لا أريد لأحفادي أن يواجهوا المخاطر التي واجهت”.
موقف بنغلاديش
ورصدا لموقف الحكومة البنغالية من قضية ترحيل بعض اللاجئين إلى جزيرة “باشان تشار” أو العودة إلى ميانمار توجهنا إلى حاكم إقليم كوكس بازار محمد كمال حسين.
ومع تأكيده أن نقل 100 ألف منهم إلى الجزيرة سيكون في غضون أيام، فإنه أصر على أن ذلك سيكون “طوعا” وليس عن طريق الإكراه.
وبشأن رجوع اللاجئين الروهينغيين إلى ميانمار، قال إن ذلك يجب أن يجري وفق ضمانات دولية وفي إطار اتفاق يقضي بمنحهم كامل حقوقهم.
وانتقد المسؤول البنغالي بشدة حكومة ميانمار لتراجعها عن اتفاق ثنائي قبل عام مع بلاده يقضي بعودتهم، وأكد أن حكومة بلاده باتت مقتنعة أن ميانمار لن تقبل بعودتهم إلا تحت الضغط الدولي المكثف والتهديد الذي لا مراء فيه.
ومع تضاءل الاهتمام الدولي بمحنة الروهينغيين، حتى مع استمرار جيش ميانمار في ترويع من بقوا في ولاية أراكان، يقول الكثير منهم ممن قابلناهم في معسكرات بنغلاديش البائسة إنهم يخشون نسيانهم قريبا، ومن هؤلاء حمدوه كاييس الذي لا يزال هائما لا يعرف وجهته ولا أين تقذف به المقادير هو وأولاده الستة وزوجته المريضة.
(المصدر: الجزيرة)