مقالاتمقالات مختارة

لماذا يحب الملحدون العرب إسرائيل؟

بقلم روحي أحمد

أثناء تصفحي لليوتيوب وجدت فيديو معنوناً بـ “ليه بتكره إسرائيل؟” للملحد المشهور شريف جابر، يبرر فيه دعمه لإسرائيل صراحةً ويحاول أن يعطي أسباب على الأقل، لنفي كره إسرائيل. الحجة التي اعتمدها شريف في الفيديو هي حجة واحدة: القوة. فإسرائيل هي الدولة الأقوى على مستوى الشرق الأوسط علمياً وتعليمياً واقتصادياً وعسكرياً، فاتخذ شريف تلك القوة التي تحيط إسرائيل مبرراً كافياً حتى يدعم هذا الكيان الصهيوني المحتل وبكل وقاحة لا تخلو من السذاجة والعقد النفسية المستقاة من طبيعة ما عاشه الملحد شريف خاصة، والملحد العربي عامة. ونرى تكرار هذا الموقف الداعم للكيان الصهيوني مرة تلو المرة من قبل بعض الملحدين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي! فالسؤال المطروح الآن هو: أين ابتدأت المشكلة؟ ولم يحب بعض الملحدون العرب إسرائيل؟

قد تكون بدايات المشكلة عند الملحد العربي في طفولته. أغلب الظن أن الملحد لم يعش طفولته إلا ضمن نطاق الوطن العربي، متسماً بعاداته ومتشرباً آثاراً تفرضها ظروفٌ معيشيةٌ صعبة؛ كالفقر والجهل والتعرض للتسلط الدائم من قبل القوى العليا عليه: الأم والأب ابتداء، المعلم الشديد، وما ينتجه التسلط والقهر الواقع على من يعلو هذا الطفل مرتبةً كتسلط أصحاب العمل أو النظام الحاكم ككل على شعبه. فينشأ الملحد العربي، كأغلب أطفال العرب تحت قوىً قمعية بشكل أو بآخر. كما أنه قد ينشأ تحت تربية دينية مؤسطرة (ذات أسس أسطورية) منذ عمر مبكر للغاية، تربط جميع مناحي الحياة ربطاً لا مناص منه بالدين، فيبرر كل عمل، كل صغيرة وكبيرة بأساس ديني شمولي غير قابل للتساؤل.

يتصور شريف -مثالاً على السذج من الملحدين العرب- أن الإلحاد قد منحه منعة فكرية، وحصانة إنسانية، تجعله يتخذ قراراته الفكرية في دوغمائية إلحادية جديدة غير مدركٍ ذلك

إذا، فالملحد العربي قد ترعرع في وسط من القهر الإنساني واشتد عوده فيه، حتى أضحى إنساناً مقهوراً أمام القوة. شعوره بالعجز هو سمة رئيسية من سمات قهره و”تخلفه”، فهو لم يتعلم كيف يجابه عجزه مطلقاً بل تشرب خضوعاً مطلقاً للعجز هذا دون أدنى محاولة لتغييره وإنهاءه. ابتداء من الشعور بالعجز تجاه الطبيعة وقواها، فهو غير قادر على مواجهتها إلا عن طريق اتكالية مفرطة على القوى الماورائية والحلول السحرية، وهو ما سيشكل أساساً قوياً حين تحوله من الإيمان للإلحاد، مروراً بالقهر المستمد من قوة المتسلط الكامنة في أي حامل للسلطة: الشرطي أو المدير أو الحاكم أو المحتل!.. إلخ.

وحين تحول العربي -المعظِّم لإسرائيل- من الإيمان إلى الإلحاد، تبدلت لديه أغلب القيم التي امتلكها مسبقاً، لافتقاره لأي أسس تنبني عليها قيمه سوى الأسس الدينية في أغلب الأحيان، فأرض فلسطين لا تعني له شيئاً إلا أنها أرض الإسراء والمعراج، والأقصى لا يعني له شيئاً إلا أنه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهو ما كان يعتبره مسبقاً عظيماً للغاية، لدرجة منح روحه فداء لمقدساته. لكنه وبعد أن ألحد، سقط في فخ فقدان القيمة والهوية، ولم يستطع أن يجد مبرراً كافياً لدعم القضية الفلسطينية لافتقاره للأسس الدينية التي بنى عليها كل دعمه للقضية. ومن الجدير بالذكر أن الملحد العربي يفقد ساعتها أي ثقة بالإعلام العربي لإحساسه الباطن بأنه وسط خديعة ضخمة منذ ولادته، فيتجه للإعلام غير الناطق بالعربية والإسرائيلي تحديداً حتى يستقي منه الاخبار كمصدر موثوق للمعلومات والأخبار فيخدع بالكذب الإعلامي المسيس لصالح إسرائيل. لقد فقد هذا المقهور كل الثقة فيما حملّه مسبقاً هذه الثقة، فأصبح كالريشة الساقطة من الطير، تتحرك بعشوائية شديدة وسط الرياح المتلاطمة في المنطقة.

شريف جابر (مواقع التواصل)

العجز تجاه قوى الطبيعة، والعجز أمام قوى التسلط ما زال حاضراً في نفسه، لكنه الآن سيختلف في توجهه نحو الأقوى الجديد. فمن الناحية الطبيعية، لم يعد هذا المقهور يؤمن بإمكانية رد قوى الطبيعية بالطرق السحرية وباللجوء إلى الماورائيات والقوى المسيطرة على الكون، فالمسيطر الآن هو من يمتلك الأداة التي لا يعظّم إلا إياها: العلم. من يمتلك العلم يمتلك القوة، ومن يمتلك القوة يمتلكه هو بكل ما أوتي من خضوع. وهذا ما يظهر جلياً لدى الملحد شريف حين حديثه عن الكيان الصهيوني، ذاكراً أرقاماً وسجل اختراعاتٍ على أنه المبرر المطلق لوجود مثل هذا الاحتلال. فشريف لا يؤمن إلا بالعلم، وفي الواقع هو لا يخضع إلا للعلم، لكون أسس الخضوع موجودةً في نفسه لكنها تعرضت لإعادة توجيه لا أكثر. سبب هذا الخضوع هو يعود في أصوله إلى المرحلة المتدينة من حياته، وطريقة تعاطيه مع العلم في مواجه الدين، فحين تكون علاقة العلم بالدين في نظره علاقة محتدة ومليئة بالصراع، فلن تختلف تلك النظرة حين إلحاده، لكنه سيغير خضوعه المطلق من جهة الدين المؤسطر (فالدين لا يواجه بعلاقة صراع العلم إلا لو تمت أسطرته) إلى جهة مادية العلم.

ومن جهة أخرى، فالصراع مع الكيان الصهيوني كان يحمل صبغة القدسية الدينية لديه: هو مواجه الله ضد الصهيونية، لا مواجهة بشر ذو أحقية ضد بشر مغتصبين محتلين. مواجهة قوة عظمى عليا وقوة عظمى أرضية. فكر يحمل في ثناياه ملامح أسطورية يصوَّر فيه الله كأداة قتالٍ أو كإله حرب يوناني، أسطرة دينية مرة أخرى. وحين سقط الله من حسابات الملحد أصبح الخيار مختلاً أمامه: “ضد من تحارب إسرائيل؟ ضد عرب متخلفين علمياً وعسكرياً وثقافياً؟ أأحارب مركزاً للعلم الذي احتل بعد إلحادي مكان الله؟ بالطبع لا، فالقوة هي المحرك الأول لهذا العالم ومن يمتلك القوة يمتلك تلقائياً دعمي، وخصوصاً القوة العلمية”.

يتصور شريف -مثالاً على السذج من الملحدين العرب- أن الإلحاد قد منحه منعة فكرية، وحصانة إنسانية، تجعله يتخذ قراراته الفكرية في دوغمائية إلحادية جديدة غير مدركٍ ذلك، وينصر الطرف الذي يراه يمتلك قوةً دون التساؤل عن صحة نظرته لهذا الطرف حتى من الناحية الإنسانية. يتصور هو أنه قد تخلص من منابع التخلف التي خلفتها مظاهر القهر والتسلط التي عاشها في بيئة مقهورة بإلحاده متناسياً أن الأسس السيكولوجية لظاهرة التخلف لا تمحى بمجرد تغيير التوجه الديني؛ بل يتم تحويرها في أشكال جديدة لا غير.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى