مقالاتمقالات مختارة

لماذا لم يتكلّم عدنان إبراهيم عن سلمان العودة؟

لماذا لم يتكلّم عدنان إبراهيم عن سلمان العودة؟

بقلم عادل أعياشي

من شيم العلماء الأجلاّء قول الحق ودحض الباطل، فإذا رأوا منكراً أنكروه وإذا رأوا حقاً باركوه وأنصفوه، وسُمي العالم عالماً ليس لغزارة علمه فحسب وإنما لشجاعة قوله وتِبيان رأيه في أمور الدنيا والدين على حدٍّ سواء، فلا يسكت العالم عن مصيبة تصيب الأمة، ولا ينأى بنفسه عن فتنةٍ توشكُ أن تقع بها، وليس العالم من يتحدث في نواقض الوضوء وآداب الطهارة فحسب، بل هو من يصرخُ في وجه الغاصب ويجابه الظالم ليوقفه عن حدّه وليُبيّن له طريق الحق ليتخذها مسلكاً وعادة.

وحال العلماء في توادِّهم وتراحُمهم حال باقي المسلمين، فالمسلمُ لا يخذلُ أخاه المسلم ولا يتركه لمصيرهِ المحتوم، بل ينصرُه ما وجدَ إلى ذلك سبيلا ويدافع عنه بكلمة الحقّ المبين، لا يتظاهرُ بالصّمم والعمى حين يُقدَّمُ أخوه إلى حبل المشنقة دون ذنبٍ ارتكبه، ولا يسكتُ إن زُجَّ بالألوف في غياهب السجون دون تهمةٍ ثابتة، وإنّنا نستغرب أشد الاستغراب كيف أن علماء المسلمين بتنوّع أطيافهم لم يُبدوا استنكارهم ممّا حصل للشيخ سلمان العودة من تجاوزٍ واضح وتعسُّفٍ بيّن، فلا هم أصدروا بياناً حازماً يرفضون فيه كل أشكال الظلم، ولا هم قالوا كلاماً طيباً يُبرئون به ذمّتهم أمام الله عز وجل.

وإنّنا نستغرب أشدَّ الاستغراب ونحزَنُ أيّما حزن كون شيخنا عدنان إبراهيم لم ينبتْ ببنتِ شفة، ولم يقلْ قولاً رشيداً يذكرُ به الشيخ سلمان العودة بخير وهو صاحبه في الدعوة والتنوير، فهل يجتمعُ علماؤنا على أمورِ الدين ويختلفون في ساعاتِ الابتلاء والحسرة، فيسلُكُ كلُّ عالمٍ منهم طريقاً مختلفاً ليبقى المظلومُ وحيداً إلا من نصرة الله عز وجل؟ وهل يُهاجَمُ الشيوخ بشراسةٍ لأمر ديني هيّنٍ قالوا فيه احتساباً للصواب والأجر ما رأوه نافعاً للأمّة حتى إذا مسّهم من بأس السياسة ما مسّهم نرى الألسنة التي كانت بالأمس متوقّدة بالهجوم والسّباب خرساءَ لا يُسمعُ همسُها ولو من قريب؟

ولا ريبَ أنَّ زيغ الشيخ عدنان إبراهيم عن مساره الذي طالما كان مناوئاً لكل أشكال الاستبداد أينما وجد كان له الأثرُ الواضحُ على هذا الصمت المريب منه، فلو وضعنا في كفّةٍ ما خَلُص إليه عدنان إبراهيم من مواقف مثيرة في الأشهر القليلة الماضية، ووضعنا ما عُرفَ عنه لسنوات طويلة في الكفّة المقابلة، لاختلَّ التوازن بينهما بشكل واضحٍ ولَلَمحنا انعراجاً جذرياً نحو تأييد سياسات المملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان، والحالة هذه أصبح من العسير جداً على عدنان إبراهيم بعد اعتذاره الأخير للنظام السعودي أن يُوجِّه ألسنة النقد لتعامل السعودية مع شيوخها وبالأخص الشيخ سلمان العودة، خوفاً من اعتبار ذلك تراجعاً منه عن موقفه الجديد تجاه التطورات المتسارعة التي تعرفها المنطقة وإعادةً للحلقة الأولى من مسلسلٍ قديم لن يُصدّق أحدٌ حلقاته بعد ذلك.

غير أن عدنان إبراهيم بما له اليوم من ثقلٍ وازن لدى الشباب العربي المنفتح إن صح التعبير لم يُبدِ إلى حدود كتابة هذه الكلمات أي موقف رسمي، أو بالأحرى إشارة منه لما يجري من اعتقالات غامضة في السعودية، ولعل توجه الشيخ سلمان العودة وآخرين من النوع الذي يُحبّذه عدنان إبراهيم ويدعو له بل ويُشجّع عليه، وهو التوجه المائل إلى الوسطية والاعتدال البعيد من التطرف والتزمّت الديني، غير أن ذلك لم يشفعْ له في مِحنته، ومن جهة أخرى فطالما ذكر الشيخ سلمان العودة عدنان إبراهيم بخير عندما سُئل مراراً وتكراراً عن رأيه فيه، فكان -على حد قوله- ينصحُ الشباب العربي المقبل على هاوية الإلحاد بالإقبال على محاضراته المبنية على الحجة القوية والدليل القاطع، وقال أنه رجلّ موسوعي، له اطّلاعٌ واسعّ جداً وملكة لغويّة جيدة، فلقيَ الشيخ سلمان العودة من مدحه هذا لعدنان إبراهيم شتماً وتوبيخاً وهجوماً قاسياً على وسائل التواصل الاجتماعي لم يكترث له الشيخ أو يُغيّر على أساسه رأيه في عدنان إبراهيم.

وكان الشيخ سلمان العودة ينتقد اللغة الحادة التي يتعرض لها عدنان إبراهيم بسبب مواقفه الدينية والفقهية المُثيرة للجدل، ويدعو إلى التلطيف وحسن النّقاش معه، وقال أن عندَهُ أشياء يُستفاد منها وفلسفة مقبولة، لكنه أخفق في كلامه عن الصحابة وحاد عن الصواب، ويبقى شأنه في ذلك شأن باقي الشيوخ والدعاة يُخطئون ويصيبون، والشيخ معروف عنه أنه قلّما يتكلم في أمور غيره، ويدعو دائماً إلى أن يرى الإنسان عيوبَهُ ويُصلحها قبل أن يتعرّض لعيوب الناس من حوله.

أنا شخصيا أعتبرُ أنّ الدكتور عدنان إبراهيم وباقي “الشيوخ” من طينته لم يرتقوا بعد لدرجةِ دعاة أو مشايخ أو فقهاء، دعنا نُطلق عليهم لقبَ ملاحظين دينيّين لأنَّ الدعوة إلى الله أمرٌ عظيمُ الشأن “تطير” فيه الرُؤوس وتُلغى فيه المناصب

وأنا أخشى أن يكون ردّ الشيخ عدنان إبراهيم إن سُئل عن أخيه الشيخ سلمان العودة هو نفس الردّ الذي نتوقَّعه من بعض من يُسمّون أنفسهم شيوخاً ودعاةً إصلاحيين، فتجدُهم يحومون حول السياسة كالنحل يؤيدون قرارات الزعماء الطائشة ويطبلون لسياساتهم الفاشلة حتى إذا سألتَهم عن حقٍّ أريد به باطل قالوا أنَّهم دعاةُ دينٍ فقط ولا يتكلمون في السياسة ولا علاقة لهم بما يجري في العالم، فهذا رأيٌ مردود عليهم، ولن يكون بأي حال من الأحوال في مصلحة الشيخ عدنان إبراهيم أن يسلك ذات الطريق التي يسلكها هؤلاء، بل سيزيدُ ذلك من حدّة الضغط عليه وسيأفلُ بريقُه أكثر فأكثر.

ودعنا نرفع لواء التحدي أمام الشيخ عدنان وندعوهُ ليخرجَ إلينا إما خطيباً من فوق منبره أو ضيفاً في برنامج إعلامي ليقول صراحة أنه مستاءٌ مما يجري من اعتقالات لأشخاص تجمعُهُ بهم رابطة الدعوة وأمانة الرسالة، ولْيعتبر ذلك ردّاً منه على منع الجزء الثالث من برنامجه صحوة، لكنّني شخصيا أعتبرُ هذا من باب المُحال، كَون عدنان إبراهيم أعلنَ صراحة في الفيديو التوضيحي الذي خرج به منذ شهورٍ قليلة أنَّه مؤيدٌ بشكل كامل للمسار السياسي الذي تتبعه السعودية حاليا، وبالتالي فهو يعلنُ ضمنيا أنه مؤيدٌ لكل القرارات حتى إذا انطوتْ عن اعتقالاتٍ وتجاوزاتٍ في حق شيوخٍ من مكانة الدكتور سلمان العودة.

وأنا شخصيا أعتبرُ أنّ الدكتور عدنان إبراهيم وباقي “الشيوخ” من طينته لم يرتقوا بعد إلى درجةِ دعاة أو مشايخ أو فقهاء، دعنا نُطلق عليهم لقبَ ملاحظين دينيّين لأنَّ الدعوة إلى الله أمرٌ عظيمُ الشأن “تطير” فيه الرُؤوس وتُلغى فيه المناصب، وبالتالي لن يتحمّل تبعاتها أصحابُ اللّحى الأنيقة والقصور الفارهة، خصوصاً وأن كل هذه الألقاب قد مُيّعت بشكلٍ فظيعٍ في العقود الأخيرة مع انتشار النت والفضائيات، فأصبح كل من هبّ ودبّ يُلقّب نفسهُ بالداعية الإسلامي، وكنّا صراحة ننتظر بفارغ الصبر اختباراً من الله عز وجل لنرى مدى حقيقة معدن هؤلاء، ليتساقطوا فجأةً أمام أعيُننا واحداً تلو الآخر مع أوّل اختبارٍ إلهي عندما جُعلُوا في موقفٍ لا مفرَّ من قول الحق فيه، لكنهم فضلوا تأييد الباطل ليُرموا في مزبلة التاريخ.

وسواء تكلم عدنان إبراهيم أو غيرُه أم صمتُوا جميعا فإنّ الحق والعدل في سائر أمور الدنيا ليسا بحاجةٍ إلى محامٍ يدافع عنهما، كيف ذلك والبارئُ هو الحقُّ جلّ وعلا وهو العدل، والمحنُ وإن كانت في ظاهرها معاناة وتكلّفا إلا أنها في باطنها فضحٌ لمخططاتِ المتآمرين ووجوه المنافقين ليَبزغَ في النهاية فجرُ الحق -لا محالة- منتصراً على الباطل ولو بعدَ حين.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى