مقالاتمقالات مختارة

لماذا لم تنجح فرنسا في تنصير الجزائريين؟

لماذا لم تنجح فرنسا في تنصير الجزائريين؟

بقلم صلاح الدين حفافصة

يقدر عدد النصارى القاطنين بالجزائر اليوم بأقل من 20 ألفا حسب إحصائيات غير رسمية، أي ما يقدر بـ 0.5 بالمئة من عدد السكان (42 مليونا)، ويمكننا القول بأنّ هذا العدد يعتبر من بين الأضعف مقارنة بباقي الدول العربية والإسلامية، وللناظر المتفحّص فهذا يكشف مدى نفور الجزائريين من اعتناق النصرانية، على الرغم من انتشار بعض الأكاذيب والشائعات التي تروّج بأنّ منطقة القبائل تشهد موجة تنصير أو أنّ سكانها يميلون لاعتناق النصرانية، وسنحاول في هذا المقال كشف حقيقة التبشير في الجزائر أثناء فترة الاستعمار الفرنسي وكيف واجه الجزائريون هذه السياسة الخبيثة التي كانت تصبو لجعل الجزائر مقاطعة نصرانية تابعة لفرنسا والقضاء على الإسلام والعروبة فيها..

لقد كانت بدايات التبشير في الجزائر سنة 1838م بتأسيس أول كنيسة جزائرية، وتعيين الأسقف “أنطوان دوبوش” على رأسها، إلا أنّ الأوضاع كانت هادئة نسبيا، ولم تحظى دعوة التبشير بذلك الزخم والقوة، مما ألجأ الأساقفة الى الاعتراف بعدم نجاح عملية تنصير الجزائريين بالمدن، ويمكن أن نُرجع سبب ذلك الى أنّ السلطة الفرنسية لم تكن تؤيد هذا الأمر، زيادة على ذلك فقد كان هناك اتفاق بين الأهالي وجنرالات الجيش الفرنسي على عدم المساس بالدين الإسلامي مع إعطاء الأهالي العهد بلزوم السلم والابتعاد عن العنف.

ولكن تغيّر الوضع تماما مع مجيء الأسقف “لافيجري” الذي تولّى عملية التبشير سنة 1867م حتى 1892م، وكان شديد الحماسة لهذا العمل الذي وهب عمره له ووضع له خطة تكون ثمرتها تنصير جيل كامل من الشباب الجزائري الذي سيشرف على مهمة التبشير بعد ذلك.. “لافيجري” يتميز بخصائص لم تتوفر عند سابقيه، منها العمل الدؤوب الذي أبداه في نشر المسيحية، بغضه للإسلام والقرآن وتعصبه للنصرانية، مكانته الرفيعة لدى الفاتيكان، علاقاته القوية مع بعض كبار الجنرالات.

وقد كتب لافيجري رسالة إلى الرهبان الجزائريين آنذاك يقول لهم فيها: “سآتيكم اخواني في ساعة مشهودة في تاريخ أفريقيا المسيحية، إنّ الكنيسة وفرنسا متحّدتان على إحياء الماضي”.. حينها شرعت فرنسا على تأسيس المدارس التي كان هدفها دمج الشباب الجزائري وتغذيته بالعقلية الفرنسية وبالديانة النصرانية، كما استغلت فرنسا المجاعة التي ضربت الجزائر سنة 1867م وقامت بتخصيص مساعدات وتبرعات للشعب الجزائري، ولكن خلف ذلك العمل الإنساني مآرب ماكرة تهدف لكسب تعاطف الفقراء والمساكين واللعب على وتر الإنسانية لدفعهم لاعتناق النصرانية وتحبيبهم في الحكومة الفرنسية.

كما أنّ فرنسا عملت على تزوير تاريخ منطقة القبائل بدعم الدراسات التي تخدم مخططات المستعمرين، والتي تتناول تاريخ أفريقيا والجزائر، وحرصوا على تصوير الفتوحات الإسلامية على أنها استعمار واحتلال تم بالاكراه وبحدّ السيف، وأظهرت بأنّ الفاتحين العرب هم عبارة عن غُزاة وقسّمت على هذا الصدد السكان إلى بربر -أمازيغ- وإلى عرب، بعد أن عاشوا شعبا واحدا طيلة قرون طويلة من الزمن في ألفة وتناغم وحب.. هذا وربطت فرنسا منطقة القبائل بالحقبة الرومانية والعقيدة النصرانية التي ادّعت بأنها هي التاريخ الحقيقي الذي ينبغي للسكان العودة إليه.

يمكننا القول بكل صدق بأنّ كل تلك المخططات والمؤامرات قد بائت بالفشل واصطدمت بصخرة العقيدة القوية الراسخة لدى الشعب الجزائري الذي رفض سياسة التبشير، بل وازداد اصرارا على الصبر على دينه وعقيدته الإسلامية، حتى إنه نُقل أنّ أحد سادات منطقة القبائل قال للعسكر الفرنسي: “لإن يقتل أطفالنا جميعا أو نرحل من ديارنا لهو أهون عندنا من أن نغيّر ديننا أو أن يبقى أسقف يمارس التبشير بيننا”.

وقد انتبهت السلطة الفرنسية إلى خطورة الوضع الذي ورّطها فيه المبشّرون والأساقفة بسبب رغبتهم في تغيير دين السكان بكافة الطرق والوسائل، فقضت بتوقيف أكثر التمويل عنهم، وطمأنت الأهالي بأنّها ستضع حداً لحركة التبشير بالمنطقة.. وفي الحقيقة هذا ليس تحسينا منّي لصورة فرنسا الاستعمارية ولكنه ما وقع بالفعل. لقد أظهر الجزائريون بكافة أطيافهم ومشاربهم إبّان الاستعمار الفرنسي بأنهم متمسكون بهويتهم العميقة المتمثلة في اللغة العربية والدين الإسلامي، وأن لا تنازل عن ثوابت الدين مهما كلف الأمر من أشلاء ودماء، وما قدمته الجزائر من ملايين الشهداء لخير دليل على صدق ذلك.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى