مقالاتمقالات مختارة

لماذا تحول العمل السياسي إلى جريمة؟!

لماذا تحول العمل السياسي إلى جريمة؟!

بقلم دانة ناصر

إذا أردت أيها الشاب وأيتها الشابة أن تدخلا في المعترك السياسي فهذا يعني بالتأكيد وبحسب أقوال عامة الناس وإجراءات الدولة أن حاضركما ومستقبلكما في خطر بلا شك، فلن يسمح لك أن تخطو خطوة المُعارض أو الناقد أو المُحاسب أو الكاشف عن الحقائق المخفية في جوارير الفاسدين.

وإن تجرأت على قول كلمة واحدة في ذلك فقد أصبحت من لحظتها الأولى منبوذ ومراقب ومطارد ومعتقل ومحكوم عليه إما بالسجن أو القتل أو النفي أو بكل بساطة حر طليق مقطوعٌ عنك رزقك، وأما في أنظار الناس الذين يرونك شجاعاً مقداماً في نفوسهم أنت في علانيتهم تَقودُ نفسك وأهلك وعشيرتك وأمتك أجمعين إلى التهلكة!

ولكن لماذا أصبح للسياسي تهمة كما القاتل والسارق والزاني فنسمع أن هذا معتقل رأي وهذا سجين سياسي وهذا تهمته إطالة اللسان وتقويض النظام وذاك محرّض أو منتمي لجمعيات محظورة والكثير من التهم التي لا تحصى فقط من أجل كلمة قيلت في عصر يقال عصر الديمقراطية والحرية والانفتاح؟

الحقيقة أن هناك فجوة عظيمة وانفصال كبير بين جمهرة الناس والدولة فهما ليستا فئتين متباينتين فقط وإنما فئتين متنافرتين وبينهما علاقة كراهية وتضاد وتعارض. وقد أصبح مُحرماً على الناس أن تفكر تفكيراً سياسياً خارج حدود الصندوق التي ترسمه الدولة وإن كانت فاسدة وظالمة وفارغة ولأن من الطبيعي أن يَنبُذ الناس الفساد والظلم.

أصبحنا نرى هذا العدد الهائل من المعتقلين السياسيين في السجون وفي الجهة المقابلة أصبحنا نرى حملات التخويف و الترهيب من المفهوم السياسي الراقي من قبل الدولة وهذا إن دلّ على أمر ما فهو يدل على وجود فراغ سياسي حقيقي في الدولة وهو أن تكون الدولة برئيسها ووزرائها وممثليها فاقدين للاستقرار والتناسق بين أفكارهم وأعمالهم مما يؤدي إلى عدم الانسجام فيما بينهم وعدم الثبات على الرأي والعمل بالإضافة إلى التغيير الدائم والزعزعة في إيجاد الحلول عند كل مشكلة متكررة أو جديدة فينشأ عند الناس حالة طبيعية في محاولة إيجاد دولة حقيقية أو حاكم حقيقي لسد هذا الفراغ فيزداد التعارض بين الدولة وجمهرة الناس.

وليكون ذلك مُجدياً وجب العلم الحقيقي في معنى السياسة والفكر السياسي؟ فالسياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً وتكون من قبل الأمة والدولة معاً لا انفصال بينهما فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً والأمة هي التي تحاسب بها الدولة. وعلى أساس هذا المفهوم فالعمل السياسي للأفراد هو محاسبة الدولة على تقصيرها أو ظلمها أو فسادها فهي من تباشر رعاية شؤون الناس وعليها أن تلتزم بما هو حقٌ لهم.

وأما الفكر السياسي فهو يعتبر من أعلى وأرقى أنواع الفكر على الإطلاق وهو يعني التفكير المتعلق برعاية شؤون الأمة من زاوية خاصة. فتكون النظرة إلى العالم كله من زاوية خاصة أي مبدأ وعقيدة تُبنى عليها هذه النظرة فجمع المعلومات وتَتبُع الأخبار فقط هو سطحية في التفكير السياسي. إنما إسقاط هذه الأمور على المبدأ الصحيح ليكون فيه أساس العمل أن تتم رعاية شؤون الأمة من خلال هذه العقيدة فتعمل على نهضتها نهضة حقيقية صحيحة فهذا يسمى وعي السياسي حقيقي وليس سطحية في التفكير وهو ما تسعى الأنظمة لتشتيت معناه وإبعاد الأمة عنه إذ أن عملها في رعاية شؤون الناس من زاويتها الخاصة وهي العقيدة الرأسمالية الذي بان زيفها وفسادها تجعلها دائما في موقع المُدافع عن كل الجرم وإهلاك الحرث والنسل الذي تحدثه في هذا العالم فلا يصبح بيد هذه الأنظمة إلا القمع وتعطيل التفكير والوعي وإقحام الجهل والأفكار المغلوطة في المجتمعات.

ولكن بالنهاية أقول وقد تبين لنا فساد الرأسمالية وفساد المعنى السياسي فيها وبان لنا عمالة حكامنا الذين يرفضون للأمة أن تنهض بفكرها وبوعيها السياسي الذي لا يكون إلا بمبدأ الاسلام فإن السياسة عمل راقي ومشرف وما حاربوه إلا لأنه يُظهر ظلمهم وأخيراً وإلى كل معتقل سياسي أو مضطهد مظلوم: إثبت فللوعي ضريبة باهظة.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى