لم الملاحدة ليسوا عقلانيين كما يودون التفكير دائماً؟
بقلم وائل وسام
كم مرة حاولت أن تقنع ملحداً بأن الأرض كروية حسب القرآن والسنة وهذا بإجماع الغالبية العظمى من كبار شيوخ الإسلام كابن تيمية وابن حزم وابن القيم وغيرهم؟ [1]،[2] ثم تفاجأت بعد ذلك أنه يضع لك فيديو من اليوتيوب لشيخ مغمور لا أحد يعرفه يزعم فيه أن الأرض مسطحة حسب القرآن والسنة ويستخدمه كدليل قاطع عليك أن القرآن يعارض العلم؟
كم مرة حاولت إقناع ملحد بأن القرآن يصف رأي العين فقط عندما يقول ”وجدها تغرب في عين حمئه“ ولا يقول بأن الشمس بذاتها تفارق فلكها وتغرب في بركة طين وذلك بحسب التفاسير القديمة التي يعشقها الملحد كتفسير ابن كثير وتفسير القرطبي [3]،[4] ثم تفاجأت بعد ذلك أنه ما يزال حتي الآن يكرر ويكرر نشرها كل يوم كدليل علي تعارض القرآن والعلم؟
الملحد يدعي دوماً أنه بحر العقلانية المفرطة، الشخص الذي يتبع الدليل فقط أينما وجد، لا يتحيز ولا يتأثر بالعواطف كالمتدينين، لكن أين هي العقلانية عندما لا تنفك جملة ”التطور حقيقة علمية فهناك إجماع من أغلبية علماء البيولوجيا والكيمياء علي صحتها“ عن لسانك وفي نفس الوقت ترفض ”إجماع الغالبية العظمى من كبار الأشخاص الذي يفهمون الإسلام“ علي كروية الأرض وتتمسك بكلام ”قله قليلة“ تدعي أن الأرض مسطحة؟
أين هي العقلانية عندما تظل تكرر في تفاهات ”القرآن يقول الشمس تغرب في بركة طين“ لمدة تزيد عن 10 سنوات علي مواقع التواصل الاجتماعي بالرغم من أن نفس التفاسير القديمة التي تقتبس منها كل يوم للهجوم علي الإسلام تدحض ادعائك هذا؟
الحقيقة هي أن الملاحدة كأي بشر آخرين يتحيزون ويتأثرون بالعواطف؛
التحيز
أي شخص منا يبني لنفسه مجموعة من الأفكار والمعتقدات يتحيز لها ويحاول الدفاع عنها بكل الطرق الممكنة حتى لو ليست عقلانية وحتي لو يوجد دليل ضدها، فبعض الملاحدة علي سبيل المثال عندهم فكرة راسخة في عقولهم أن ”الدين خرافة“ فيحاول بكل الطرق الممكنة أن يجد أي شيء يغذي اعتقاده هذا ليقنع نفسه أنه علي الطريق الصحيح، أي شيء حتي لو ليس عقلانياً كما ذكرنا بالأعلى مثلاً يتمسك بڨيديو يوتيوب لشيخ مغمور يقول أن الأرض مسطحة لأن هذا الڨيديو يدعم اعتقاده أن ”الدين خرافة“ ويترك الإجماع علي كروية الأرض من القرآن والسنة لأن هذا ضد اعتقاده أن ”الدين خرافة“!
بعض الملاحدة عندهم فكرة راسخة في عقولهم أن ”الدين هو شر عظيم يجب أن نتخلص منه“ فيبدأ في البحث عن أي شيء يغذي اعتقاده هذا ويتحيز له كالقول أن ”الدين يشجع علي العنف“ علي سبيل المثال ويترك أدلة أخرى ضد اعتقاده هذا كمئات الدراسات التي تثبت أن الدين فيه خير كثير وله العديد من الفوائد الصحية والنفسية والاجتماعية [5]، والأمثلة كثيرة علي تحيز الملاحدة، والدراسات العلمية التي تثبت أن التحيز موجود عند كل البشر حتى الأذكياء منهم لا حصر لها [6]،[7]،[8] فهذه طبيعة الإنسان، كل البشر دون استثناء يتحيزون ضد أشياء معينة ولا يغيرون عقولهم أو آراءهم تجاه هذه الأشياء حتي لو تم إعطاءهم دليلاً ضدها لذلك تجد الملاحدة يكررون نفس الشبهات الساذجة كل يوم حتى لو أعطيتهم الدليل ضد هذه الشبهات وقد يتمسكون بأي تخاريف تدعم اعتقاداتهم كشيخ مغمور يزعم أن الأرض مسطحة أو رأي فقهي شاذ أو الزعم مثلاً أن القرآن الذي أعجز العرب به أخطاء نحوية.
بالإضافة لذلك فإن العلم يثبت أيضاً أن كل شخص منا مهما كانت أفكاره أو معتقداته يظن أنه هو ”العقلاني“ وهو ”الغير متحيز“ أما بقية البشر فهم علي العكس ”متحيزين“ و ”غير عقلانيين“ مثلاً بعض مواطني أمريكا يعتقدون أنهم أقل تحيزاً من مواطنين آخرين، بعض طلاب المدراس يعتقدون أنهم أقل تحيزاً من طلاب مدارس آخرين، فعندما تجد الملاحدة يزعمون أنهم أكثر عقلانية من المتدينين وأقل تحيزاً فهم يتصرفون فقط كما يتصرف أي إنسان آخر كلنا تقريباً هكذا [9].
بل الدراسات تثبت أن الشخص الذي يعتقد بشدة أنه ”عقلاني“ و ”غير متحيز“ هو في الواقع أكثر عرضة للتحيز لأنه لا يدرك أنه متحيز بسهولة وبالتالي يستمر في حالة لا–وعي في تحيزه وحكمه علي الأشياء بطريقة لا–عقلانية خاطئة، لا يقبل النقد ولا يصحح من ذلك [10]، لذلك تجد الملاحدة الجدد أمثال دوكنز وسام هاريس ودانيال دانيت وكوين يسجلون أعلي درجات من الدوغمائية والنرجسية [11].
العاطفة
لن تجد إنساناً واحداً علي وجه الأرض لا يتأثر بالعاطفة فهذه طبيعة الإنسان أيضاً، يحاول الملاحدة دائماً إيهام أنفسهم أن سبب الإلحاد يكون باتباع العقل والدليل وليس العاطفة، فالإلحاد اتشر في الغرب لما ظهر المفكرين الكبار مثل هيوم وداروين وراسل وهاجموا الأديان بالمنطق والفلسفة والعلم لكن في الواقع وحسب كتاب منشور من دار نشر جامعة هارفارد هذه القصة لا يوجد عليها دليل.
سبب انتشار الإلحاد في الغرب كان العاطفة وليس المنطق أو العلم أو الفلسفة، وبدايات انتشار الإلحاد في الغرب كانت بسبب ”غضب“ و ”قلق“ بعض الأشخاص من الدين والمتدينين فتحولوا لملاحدة ولادينيين ثم بعد الإلحاد بسبب العاطفة بدؤا في اختلاق الأسباب العقلانية لمهاجمة الدين يعني السبب الرئيسي لإلحادهم كان ”العاطفة – الغضب والقلق“ وليس العقل [12].
وهذا هو الحال مع عدد كبير من الملاحدة واللادينين الآن؛ العواطف تشارك بدون شك في التسبب في إلحادهم أو تركهم للدين هذه بعض العوامل العاطفية التي كشفت عنها بعض الدراسات [13]،[14]: ”الغضب من الإله، الشعور أن الإله لا يهتم بنا، الشعور أن الإله قاسٍ، التعرض لضغط نفسي“، وتجد ملاحدة كبار ليس عندهم مشكلة في الإقرار بذلك علي سبيل المثال الفيلسوف الملحد توماس ناجل في كتابه الكلمة الأخيرة المنشور من دار نشر جامعة أوكسفورد يقول ”أنا لا أريد أن يكون هناك إله“ [15]، الفيزيائي الملحد شون كارول يقول في كتابه الصورة الكبيرة فيما معناه ”الملاحدة يتهمون المتدينين دوماً أنهم متحيزين ولا يفكرون بعقلانية هم يؤمنون بالله فقط لأنهم يريدون وجود ذلك الإله، لكن في الواقع يوجد تحيزات من كلا الطرفين فقد يشعر الكثير من الناس بالارتياح لفكرة وجود كائن قوي يهتم بحياتهم، ويحدد المعايير النهائية للسلوك الصحيح والخاطيء، لكن أنا شخصياً لست مرتاحاً لذلك على الإطلاق أحب أن أحدد سلوكي وقيمي بنفسي وهذا قد يجعلني متحيز ضد الإيمان“ [16].
يعني باختصار يعترفان بوضوح أن أحد أسباب عدم إيمانهم هو عدم رغبتهم الشخصية في وجود إله وهذا ليس سبباً عقلانياً، بل هذا سبب عاطفي، تماماً كالمتدين الذي أحد أسباب إيمانه أيضاً هو رغبته الشخصية في وجود الإله، ومع ذلك قد يقدم الملحد أسباباً يرى أنها عقلانية لعدم إيمانه بوجود إله وهذه الأسباب يرفضها المؤمن ويتمسك بدينه وبالمثل المؤمنين أيضاً قد يقدمون أسباباً عقلانية لإيمانهم بوجود الإله وصحة الدين وهذه الأسباب يرفضها الملحد ويتمسك بإلحاده، أما أن يحاول الملحد إيهام نفسه أن سبب إلحاده عقلاني محض وسبب إيمان المؤمن عاطفي محض فهذا هو الدجل بعينه لا أحد منا كبشر يمر في حياته دون أن يتبع عواطفه، فالقول أن الإلحاد نتاج العقلانية فقط مجرد دجل [17].
_________________________________________________
مصادر :
[1] https://bit.ly/35CsZ4Z
[2] https://bit.ly/3moce45
[3] https://bit.ly/3orOqhK
[4] https://bit.ly/3mkoq5W
[5] https://bit.ly/37IystI
[6] https://bit.ly/34tzuHJ
[7] https://bit.ly/35vU61m
[8] https://bit.ly/2G2j0Nu
[9] https://bit.ly/31GgzrB
[10] https://bit.ly/34tFSio
[11] https://bit.ly/3ot26J6
[12] https://bit.ly/2HBAiRM
[13] https://bit.ly/3mhNSZC
[14] https://bit.ly/2IY6jnQ
[15] https://bit.ly/37KnIL8
[16] https://bit.ly/35CHVQi
[17] https://bit.ly/3julCkT
(المصدر: موقع بصائر)