مقالاتمقالات مختارة

لكي نخرج من دائرة عنف الغلاة والعلمانيين

بقلم أ. أسامة شحادة

يتم تحت ستار محاربة الإرهاب والتطرف شن هجمات صريحة وخفية على الإسلام في العالم اليوم، وتتباين هذه الهجمات في موضوعها وغرضها، فالبعض منها يسعى لتشويه الإسلام بأكمله بأنه بذاته دين عدواني إرهابي، وهذا ما يصرح به التيار اليميني العنصري في الغرب وصقور المحافظين في أمريكا وعتاولة الشيوعيين من أبناء جلدتنا.
وآخرون في بلادنا قد لا يعترضون على هذه الرؤية لكنهم ينشغلون بتنفيذ الحرب فعليا على الإسلام من خلال خطوات عملية، بعضها يأخذ شكل مهرجانات فنية وغنائية لكنها تتضمن تمرير أيديولوجيات تصادم الإسلام تماماً على غرار أفكار عبدة الشيطان أو الإلحاد أو الإباحية المطلقة.
وبعضها يقدم بوصفه برامج تلفزيونية ترفيهية على غرار إسهال برامج تلفزيون الواقع والذي أزكمت فضائحه الأنوف، وأصبحت أداة إلهاء للشباب عن خدمة مجتمعاتهم لتقليد سمج لثقافات وافدة لا تسهم بأي جهد تنموي لأوطان تعاني من الجهل والتخلف والبطالة! أوطان تحترم الراقصة فيها باسم التنوير أكثر من أستاذ الجامعة الذي له أبحاث واكتشافات واختراعات!
وبعض هؤلاء يكون أكثر خبثاً فيوجه حربه للمناهج التعليمية ليفرغها من أي علاقة بالإسلام، بحجة تطوير المناهج وتعميق التفكير الحر، وكأن آيات القرآن الكريم التي يسعون لحذفها هي سبب إخفاق الطلاب في مبحث الرياضيات! وكأن دراسة غزوات النبي صلى الله عليه وسلم هي سبب انعدام إجراء التجارب العلمية في مادة العلوم! وكأن ضعف الجانب التحليلي عند الطلبة والطالبات مردّه لصورة أمٍّ محجبة في الكتب المدرسية!
إن تطوير المناهج حاجة لازمة لتحسين العملية التعليمية، لكن يلزم القيام بها بشكل علمي موضوعي يخدم تحديث المعلومات وتقريبها وتوظيفها في خدمة الحياة اليومية للطلبة وسوق العمل لاحقاً، بعيداً عن الأغراض الأيدلوجية.
والعجيب أن رافعي لواء الحرب على المناهج يشكلون حلفاً غريباً بين كارهي الدين أياً كان وبين طائفيين متعصبين، وقد لمست هذا شخصياً في مؤتمر أقيم بعمان قبل عدة شهور تحت عنوان يتعلق بالمكونات الدينية في المنطقة، فتحول لساحة حرب على الإسلام والقرآن الكريم في المناهج المدرسية من هاتين الفئتين المتناقضتين!!
وقسم آخر يمارس الحرب على الإسلام بالتركيز على محاربة قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية، فيسعون إلى تبديلها / إلغائها لتتماشي مع الرؤية المادية العلمانية الملحدة والتي تناقض المرجعية الدينية الإسلامية، والمسيحية أيضاً.
وهم يطالبون بقانون مدني يبيح زواج المسلمة من غير المسلم، وإلغاء المهر، وإزاحة الطلاق لفكرة الانفصال على طريقة الشركات! وتجاوز التقسيم الشرعي للميراث لتقسيم بشري علماني!
كل هذه الهجمات تشن على الإسلام في بلاد المسلمين باسم محاربة التطرف والإرهاب وداعش، وتحمل شعارات التنوير والحرية والإبداع والتسامح والتعددية والديمقراطية، وهي في الحقيقة تنشر الجهل بالإسلام بين الطلبة فتزيد فرصة داعش في استقطابهم وخداعهم لجهلهم بالدين!
وهي تساهم بقوة في استفحال ظاهرة إدمان المخدرات والتحرش الجنسي في الحقيقة من خلال الانفلات القيمي والأخلاقي الذي يصاحب فعاليات وأنشطة هذه المهرجانات والاحتفالات والبرامج التلفزيونية، كما يعرف ذلك جيداً المختصون بمكافحة المخدرات التي تنتشر بين الشباب في (الكوفي شوبات) وليس في المصليّات!
وهي باسم التعددية والديمقراطية تعمل على حق الأغلبية لصالح الأقلية وتصبغ الجميع بلون واحد في الواقع، أي ترفع شعار التعددية والديمقراطية والنتيجة هي الاستبداد والديكتاتورية الثقافية!
هذه الحرب على الإسلام تتم والمجتمع والدولة مشغولان بملفات وقضايا أخرى في انتهازية واضحة لا تهتم بمراعاة أحوال الوطن، فالناس يعانون من الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار، وهم في حالة قلق من المستقبل السياسي المجهول القادم للمنطقة، والدولة تعاني من الاحتفاظ بالتوازن في ظل الأزمات الداخلية والخارجية، وتكافح الضغوط المتناقضة عليها حول قضايا المنطقة.
وفي ظل هذه الأحوال المعقدة والمتشابكة يجتهد هؤلاء بالهجوم على الإسلام، مستقوين بالخارج عبر المؤتمرات والندوات والمنظمات الدولية، وعبر ضغوط السفراء والشخصيات والدول الأجنبية، لتمرير أجندتهم المعادية للإسلام.
والطريف أن داعش التي يزعمون حربها، تتغذى وتتوسع دائرة المتعاطفين معها من المناخ السلبي الذي يشيع لدى غالبية المجتمع من وراء هذه السلوكيات والممارسات المقصودة والممنهجة ضد الإسلام، والخطورة تكمن حين يصبح الغضب الشعبي على هذه المسلكيات يتعاظم ضد الدولة بدلاً من المجموعات القليلة لكن المنظمة، والتي تستغل الدولة وانشغالها أو صراعها مع التطرف والإرهاب أو خلافها مع جماعة الإخوان المسلمين لتمرير أجندتها الخطرة وتحقيق بعض المكاسب.
وحال هؤلاء المحاربين للإسلام باسم محاربة الإرهاب وداعش كحال الطبيب الغشاش، الذي بحجة معالجة ورم يقوم باستئصال كلية المريض لبيعها لحسابه الشخصي!
التطرف والإرهاب اللذان ظهرا في عصرنا الحديث لدى بعض شباب الجماعات الإسلامية قبل ستين سنة كانا نتيجة الظلم والقمع في سجون عبد الناصر في مصر، ومن يومها أصبحت السياسات الأمنية الظالمة والوحيدة مع سياسات غلاة العلمنة والشيوعية والإلحاد التي تستهدف الإسلام ودين المجتمع سببا لظهور دورات متلاحقة من موجات التطرف والإرهاب كل عقد تقريباً.
ثم كان لتلاعب القوى المحلية والإقليمية والدولية بهؤلاء الشباب المتطرف عبر اختراقه أمنيا أو حمايته في المهجر أو عدم الجدية في محاربته وتركه ينمو ليحطم مجتمعه وحاضنته، دورا مهما في تعقد المشكلة في وجه المجتمع واستنزافه، ولكنه كان من جهة أخرى وسيلة ابتزاز للدولة ضد شعبها كما يفعل بشار، أو ابتزاز دولة ضد أخرى كما تفعل إيران بتسليط داعش على دول المنطقة والحاضنة السنية، وابتزاز الغرب للسعودية بتحميلها وزر داعش، أو ابتزاز فئات هامشية منظمة للدولة والمجتمع كما يفعل هؤلاء المحاربون للإسلام.
ومما يكشف التوظيف والتلاعب بهؤلاء الشباب والجماعات من القوى الدولية والإقليمية، ويفضح انتهازية القوى العلمانية المحلية في هجومها على الإسلام استحضار المعلومة المغيبة أن العالم يحتوى “نحو 1630 جماعة إرهابية في العالم، منها فقط نحو 36 مرتبطة بجماعات أفراد مسلمين” وذلك بحسب دراسة أمريكية (الغد، 27/4/2016)!! فلماذا ينشغل العالم بأجمعه بهؤلاء دون 1594 جماعة إرهابية غير مسلمة!!
إن الواجب على العقلاء أن ينتبهوا لخطورة آثار هذه الهجمات الخفية والمتنوعة على الإسلام، فهي تشحن الناس بالغضب من جهة، وتساعد داعش على استقطاب السذج منهم، وتفتح الباب لدورة جديدة من الضغط الخارجي على الدولة والمجتمع، مما قد يجلب كارثة ينفذها المتطرفون بحجة محاربة غلاة العلمانيين، ونبقى في دائرة مغلقة من العنف والعنف المضاد.
ولا خروج من هذه الدائرة السوداء الكارثية إلا بتفكيك منظومة جذب داعش، بإشاعة العلم بالدين والإسلام واحترامه مما يبطل جاذبية شبهات داعش، وفضح تلاعب القوى الدولية والإقليمية بجماعات العنف والتطرف، والتصدي للمعتدين على الإسلام بأي طريقة مما يجرد داعش من حجة حماية الإسلام، وفضح حقيقة خطر وإرهاب أجندة الدواعش من أصحاب البدلات و(التّي شيرتات) واللّحى الحليقة!!

(المصدر: موقع أ. أسامة شحادة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى