(لا يَأتيهِ البَاطلُ) (11)
من صور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم… حركة القمر والظواهر الناتجة عنها
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
لوحظ من القدم أن القمر في دورته حول الأرض يتحرك في كل ليلة من ليالي الشهر القمري بين ثوابت من النجوم التي يسمى كل منها منزلاً من منازل القمر هو 28 بعدد الليالي التي يرى فيها القمر، ولما كان القمر في جريه مع الأرض حول الشمس يمر عبر البروج السماوية الاثني عشر التي تمر بها الأرض، فإن كل منزل من منازل القمر يحتل مكاناً معيناً في كل برج، والقمر يقطع في كل ليلة 13 درجة تقريباً من دائرة البروج تلك “360 درجة / 28 يوماً من أيام الأرض = 12,86 درجة”، وعلى ذلك فإن البرج الواحد يقع فيه أكثر من منزل من منازل القمر، ويعتمد ذلك على مساحة البرج في السماء وقد تعرف العرب على منازل من قبل البعثة المحمدية المباركة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعرفوا أهميتها في تحديد الزمن وفي إعداد التقاويم الزراعية وسموا الشمالية منها باسم الشامية، والجنوبية منها باسم المنازل اليمانية ويشير القرآن الكريم إلى منازل القمر يقول الحق تبارك وتعالى:
ـ ” وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ” (يس، آية : 29).
ويتضح من تلك الآية الكريمة مدى تداخل مراحل نمو مساحة الإنارة على وجه القمر المقابل للأرض أي: مراحل تطور شكل القمر بالنسبة لأهل الأرض مع منازل القمر حتى ليمكن التعبير بأحداهما عن الآخر. [من آيات الإعجاز العلمي السماء، د. النجار، ص: 457].
ـ من الظواهر المصاحبة لحركة القمر:
من الظواهر المصاحبة لدوران القمر في مداره حول الأرض ظاهرتان فلكيتان مهمتان هما: ظاهرة كسوف الشمس، وظاهرة خسوف القمر، وينتج كسوف الشمس من توسط القمر بين الأرض والشمس مما يحجب الشمس لفترة زمنية محددة، أما خسوف القمر فينتج من توسط الأرض بين القمر والشمس مما ينتج عنه إظلام القمر لوقوعه في منطقة ظل الأرض وكسوف الشمس يتكرر في السنة من مرتين إلى ثلاث مرات، بينما يتكرر خسوف القمر لأكثر من أربع مرات في السنة نظراً لكبر حجم منطقتي ظل وشبه ظل الأرض بالنسبة لحجم القمر، وصغر حجم هاتين المنطقتين للقمر بالنسبة إلى حجم القمر، ولذلك يرى خسوف القمر من جميع بقاع الأرض التي يكون فيها القمر فوق الأفق، ويبدئ على الجانب الشرقي من القمر لأن القمر يدور حول الأرض من الغرب إلى الشرق، بينما يرى كسوف الشمس من نقاط محددة على سطح الأرض، وقد يكون خسوف القمر كلياً إذا دخل في منطقة ظل الأرض بالكامل وقد يكون خسوفاً جزئياً إذا دخل في منطقة شبه الظل للأرض ويسمى هذا الخسوف الجزئي باسم الاحتراق، لأن القمر يبدو فيه أحمر نحاسي اللون، كذلك فإن كسوف الشمس قد يكون كسوفاً كلياً إذا غطى ظل القمر كل قرص الشمس بالكامل، وقد يكون كسوفاً جزئياً حين يغطي ظل القمر جزءاً من قرص الشمس، وقد يكون كسوفاً حلقياً عندما يكون القمر في أبعد مواضعه عن الأرض فلا يستطيع ظله أن يغطي قرص الشمس بالكامل، بل يغطي جزءاً من وسطها ويترك الجزء الباقي من الشمس ظاهراً على حلقة مضيئة. [من آيات الإعجاز العلمي السماء، د. النجار، ص: 458 ، 459].
وكل من الكسوف والخسوف، هو من الظواهر الكبرى، ومن الآيات العظام التي هي خروج عن المألوف بإرادة الله تعالى، يريد أن يختبر بهما عباده، ليفزعوا إليه بالتضرع والدعاء والصلاة، خوف أن يصيبهم بعذاب من عنده، قال تعالى:” وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا” (الإسراء، آية : 59). وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً عندما خسفت الشمس، فأتى المسجد فصلى، وكان هذا حاله عند حدوث كل ما يخاف منه من الريح الشديدة، والرعد والظلمة في النهار، وكان يخشى أن تكون القيامة، ففي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: كانت الريح الشديدة إذا هبت عُرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ما هاجت الريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال: اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً. [مدونة الفقه المالكي د. صادق الغرياني،1/ 478].
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال “سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته”، ثم يقول: إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الخسوف والكسوف من الآيات والظواهر، لا تكون لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يخوف به عباده، وقال: فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره. [البخاري مع فتح الباري، 3/ 200].
وهكذا ينبغي على المؤمن أن يكون دأبه تجديد التوبة والخوف والاستغفار عند حدوث كل ما يخاف كالزلازل والبراكين، وانشطار الكواكب وسقوط الشهب، لأنه لا يأمن أن يكون ذلك آية تنذر بعذاب الله، فإن الطاعة تدفع البلاء، وإذا وقع المكروه لم يأخذ المسلم وهو غافل، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. [مدونة الفقه المالكي، 2/ 479].
ـ مشروعية صلاة الكسوف:
وقد شرعت صلاة خاصة عند كسوف الشمس، صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن كسفت الشمس في السنة العاشرة، وأجمع المسلمون على مشروعيتها ففي الصحيح: انكسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات إبنه إبراهيم فخرج يجر رداءه مستعجلاً، وفي بعض الرويات: ففزع، فأخطأ بدرع، حتى أدرك بردائه بعد ذلك. [البخاري مع فتح الباري، 3/ 201].
وصلاة الكسوف سنة في حق كل من يؤمر بالصلاة من رجل وامرأة، ولو مسافراً، تصلى جماعة في المسجد، يصليها النساء في البيوت فرادى [مدونة الفقه المالكي، 2/ 479].
ـ وقتها وصفتها:
وقت صلاة الكسوف يكون من بعد شروق الشمس وارتفاعها قليلاً إلى الزوال، وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ضحى وهو الوقت الذي كسفت فيه الشمس على عهده صلى الله عليه وسلم. ويستحب فيها طول القراءة، وإطالة الركوع والسجود وتجوز فيها القراءة جهراً وسراً، ففي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات، وفي حديث سمر في وصف صلاة الكسوف: فتقدم فصلى بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتاً، وبعد الصلاة يستقبل الإمام الناس ويعظهم ويذكرهم ويخوفهم ويأمرهم بالتوبة والدعاء والذكر والتسبيح. [مدونة الفقه المالكي، 2/ 480].
ـ صلاة خسوف القمر:
صلاة خسوف القمر ركعتان مثل سائر النوافل، يصليها الناس فرادى في البيوت، لمشقة الخروج إليها ليلاً، ويندب تكرارها حتى تتجلى القمر، والقراءة فيها جهر على الأصل في صلاة الليل.
ـ الحركات الحقيقية للقمر:
ـ دورة القمر حول محوره، وتتم في كل شهر عربي دورة واحدة ينتصفها ليل لمدة أسبوعين ونهار لمدة أسبوعين تقريباً.
ـ دورة القمر حول الأرض وتتم في 29,5 يوم بالنسبة للأرض وفي 27,3 يوم بالنسبة للنجوم.
ـ دورة القمر مع الأرض حول الشمس بسرعة تقدر بنحو 30 كيلو متراً في الثانية وتتم في سنة شمسية مدتها اثنا عشر شهراً ينزل القمر فيها منازل الشمس الإثني عشر شهراً بعد شهر.
ـ دورة القمر مع المجموعة الشمسية حول مركز مجرتنا وتتم في حدود 225 مليون سنة أرضية.
ـ دورة القمر مع المجرة، ومع التجمعات الأكبر من ذلك بالتدرج حول مراكز متدرجة في الكون الفسيح إلى نهاية لا يعلمها إلا الله. [من آيات الإعجاز العلمي السماء، د. النجار، ص: 464].
وقد شاءت إرادة الله وحكمته البالغة ألا تظلم سماء الأرض إظلاماً تاماً بمجرد غياب الشمس الظاهري عن الأرض، فأبقى لنا القمر والنجوم تنير ظلمة ليل الأرض، فبمجرد غياب الشمس عنا يصلنا ضؤوها المنعكس من فوق سطح القمر نوراً لا حرارة فيه، ويرى نور القمر في مراحله المتتالية من الميلاد إلى المحاق، ونظراً لقربه من الأرض فإن أثره في إنارة ظلمة ليل الأرض أبلغ من أثر النجوم وهو في مرحلة الهلال، وتصف هذه الآية الكريمة متابعة القمر للشمس في حركاتهما الظاهرية حول الأرض وهي حقيقة لم تدرك إلا بعد نزول القرآن الكريم بقرون عديدة، فسبحان الذي خلق القمر، وأنزل في محكم كتابه هذا القسم الإلهي بموالاة القمر لغروب الشمس فقال عز من قائل:” وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا” وهي موالاه في أمور عديدة وليس فقط في حركاته الحقيقية والظاهرية. [من آيات الإعجاز العلمي السماء، د. النجار، ص: 465].
ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: “المعجزة الخالدة”، للدكتور علي محمد الصلابي.
المراجع:
- مدونة الفقه المالكي د. صادق الغرياني.
- من آيات الإعجاز العلمي: السماء، د. زغلول النجار.
- المعجزة الخالدة: الإعجاز العلمي في القرآن، د. علي محمد محمد الصلابي.
- الجامع الصحيح (صحيح البخاري)، محمد بن إسماعيل البخاري.
- الصحيح الجامع، (صحيح مسلم)، مسلم بن الحجاج النيسابوري.