مقالاتمقالات مختارة

كيف يتحكّم الغرب السياسي بنزاعات العالم الإسلامي؟!

بقلم خباب مروان الحمد

يذكر خبراء علوم الاجتماع في الحرب والعسكرية: أنّ أجيال الحروب أربعة:
القتال بالسلاح الأبيض.
القتال بالأسلحة النارية.
السلاح النووي.. بدون مواجهة.
أن تترك عدوك يحارب نفسه بنفسه، باستخدام الطابور الخامس، وباستثمار الصراعات الفكرية والدينية وتأجيجها.

وهذا الجيل الرابع يُعدّ من أخطر الأنواع؛ لهذا كان (روجيه غارودي) يقول: “الآن يقاتل الغرب بالتكلفة الصفرية.. العدو يقتل نفسه.. العدو يدفع ثمن السلاح (لنا) ثم يقتل نفسه به.. العدو يطلبنا للتدخل لإنقاذه، فلا نقبل”(1). القتال بالتكلفة الصفرية يعني أنّ ساسة الغرب لا يخسرون شيئاً في حروبهم بل يكسبون؛ وقد يُنشئ بعضهم الحروب بين طرفين؛ ويتولى دعمها آخرون، ثم يُعلن الغرب الانتصار بأنفسهم وقت ما يشاؤون عند التدخل النهائي!

ولسنا في هذا الصدد بحاجة للتذكير كما -كلّ مرّة- أنّ الكشّاف الحقيقي في نزاعات واقعنا سببها ضعف عقيدة كثير من المسلمين بدينهم، وجهلهم بخطر تفرقهم، والاهتراء الداخلي في نسيجهم وغفلتهم عن مكائد عدوهم، مما يوقع بينهم العداوة والإحن، وتقليب أصوات الضجيج والرأي السميج على الهدوء والاعتدال أثناء المناقشة، بل يصل إلى حد التكفير والتخوين، وإطلاق النيران، وكثيرٌ منه طيشٌ وانتكاس يُخالف الشرع، والعقل، والفطرة؛ حتى يستغلّ الطرف الآخر؛ في تفعيل الأزمات وتوسيعها، وصناعة إنجازاتهم الدولية على نزاعاتنا في قلب بلادنا.

 

حين وقعت أحداث 11/ 9 خرج العجوز الأمريكي “هينري كيسينجر” من بيته وصرّح بقوله أنّ الصراع التالي سيكون بين المسلمين أنفسهم؛ وهو بهذا يُشعر بشيء يدور في الخفاء أنّ ثمّة جوانب ستُصنع لإدارة النزاعات وتغذية الصراعات

لقد غدت مناطق المسلمين أراضٍ محروقة لاستخدامات القوى الدولية أسلحتهم الحديثة؛ حتى إنّهم يقومون بتصفية خلافاتهم ونزاعاتهم في محارقة الأراضي العربية وينّجون بلادهم ويلات الحرب؛ كما نرى في نزاعات الدول الكبرى فيما بينها على الأرض السورية؛ واكتشاف مدى جاهزيّة كل فريق؛ فضلاً عن معرفة قدرات هذه الأسلحة وتجربة فاعليتها.

وما للشرق والغرب بمسلمين يتشاجرون فيما بينهم ونفسياتهم قابلة للتشظي وتبادل التهم؛ إلاّ استخدامهم لمصالحهم وتنحية صراعاتهم مع الغزاة والمحتلين؛ واستغلال الشعارات الدينية ليحكم بعضهم على بعض؛ فيحصل الاقتتال، والعدو يتفرّج مبتسماً على هذه الاقتتالات ويُغذّيها بالمال والدعم اللوجستي! كان أحد حكماء الاستراتيجية الصينية يقول: “أسهل طريقة لهزيمة عدوك، أن تجعله يستعمل سلاحه ضد نفسه وأن تورطه في أخطاء مدمرة لقوته”.

لقد وصل الغرب السياسي لمرحلة تؤكد أنّ العرب والمسلمين حالياً فيهم قابلية للنزاعات والفتن الداخلية أعظم مما كان يقوله مالك بن نبي بالقابلية للاستعمار؛ هذا فضلاً عن وجود بُغيتهم في فئة أنّها تعمل ضد الاستعمار (الاحتلال)؛ لكنهم يغفلون عن استعمار خفي يستعمر القلوب والعقول؛ وهو حب الرئاسة والزعامة؛ وخلف الكواليس أطراف خفيّة تُحرّك الخلاف وتوقع الصراعات بين الأطراف؛ وقد يكون من أطراف النزاع أنفسهم من يكون قائداً بطلاً في قومه؛ غير أنّه اخترق فئة تعمل ضد المحتل فهو مرتبط بالمحتل يعمل بأوامره؛ أو أنّه غبي يعمل بظنّه إقامة شيء يُزيح المحتل غير أنّه يضع موطأ القدم ويكون سبباً بأعمال وطّدت إقامة المحتلّ وكانت سبباً في تقويته!

 

بقرةٌ تُحرق الأخضر واليابس!

كان “غاندي” يقول: كلما قام شعب الهند بالاتحاد ضد الاستعمار الإنجليزي يقوم الإنجليز بذبح بقرة ورميها بالطريق بين الهندوس والمسلمين لكي ينشغلوا بالصراع بينهم ويتركوا الاستعمار”. وبغضّ النظر عمّا يجري من اضطهاد الهندوس للمسلمين في الهند؛ فإنّ كلمته تحمل قدراً من الحكمة الصحيحة؛ وهو ما يؤكّد لنا أنّ كثيراً مما نراه اليوم من تفجير المساجد والكنائس والحسينيات وأماكن دور العبادة أيّاً كانت؛ فإنّه وإن قام أحياناً متطرف من كل فئة وقام بتفجير نفسه أو رمي قنبلة فيها، وحين يتكرر ذلك؛ فإنّ وراء الأكمة ما وراءها؛ فهنالك أطراف خطيرة تستغل الحمقى من أطراف مختلفة؛ وتتدخل في الصراع للمزيد من إذكاءه وتغذيته.

 

حين وقعت أحداث 11/ 9 خرج العجوز الأمريكي “هينري كيسينجر” من بيته وصرّح بقوله أنّ الصراع التالي سيكون بين المسلمين أنفسهم؛ وهو بهذا يُشعر بشيء يدور في الخفاء أنّ ثمّة جوانب ستُصنع لإدارة النزاعات وتغذية الصراعات؛ وإلاّ فإنّ الطبيعي أن تكون المواجهة بين أمريكا الظالمة والعالم الإسلامي المضطهد؛ فما الذي يُحوّل بوصلة الصراع، ويُدير دفّته إلاّ هم أنفسه؟!

يوضح نيكسون في كتابه “نصر بلا حرب”  كيفيّة تغذية الصراعات الدينية والطائفية في الدول العربية؛ ولتتقاتل الشعوب مع بعضهاً بعضاً

وما أقوله هنا ليس مجرد رميٍ لهم بالظنون والتُّهم بل هم أنفسهم يقولون ذلك بلغتهم الواضحة والتي تحمل قدراً من الديبلوماسية كذلك؛ فقد قال من قبلُ “ريتشارد نيكسون”: “إن رياح التغيير في العالم الثالث تكتسب قوة العاصفة، ونحن لا نستطيع إيقافها لكننا نستطيع أن نساعد في تغيير اتجاهها”(2).
وماذا نريد أكثر من صراحة نطق بها مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية وهو باحث أول بمعهد بروكنغز للدراسات إذ يقول “روبرت كاجان” يقول: “هناك شعور عام في أمريكا أنّ أفضل سياسة في الشرق الأوسط وفي مصر وسوريا تحديداً هو السماح للمسلمين أن يقتلوا بعضهم، هكذا بكل بساطة(3).

وفي السياق نفسه نستذكر العنوان المثير لكتاب الرئيس الأمريكي السابق نيكسون؛ الذي أسماه: “نصر بلا حرب” يوضّح فيه كيفيّة تغذية الصراعات الدينية والطائفية في الدول العربية؛ ولتتقاتل الشعوب مع بعضهاً بعضاً دون أن تتدخل أمريكا في كثير من الأحيان؛ وقصارى ما في الأمر أن تقوم الدولة بمساعدة تلك الدول بتقديم الاستشارة دون التدخل المباشر بها.

والغرب يستغل المواقف بالفعل؛ فإن أرادت الشعوب أن يكون لها عيش بحياة كريمة؛ وطالبت بزوال الظالم؛ فإمّا أن يكون حالها كحال سورية حيث الاقتتالات وتحكم الأمم بمصائر الشعب السوري، أو أن تكون على شاكلة داعش حيث البطش والعنف والغلو التكفيري وسفك الدماء بغير حق؛ أو تكون كحال مصر حيث الاستبداد والفساد الأسوأ مما كانت عليه مصر في أيام مبارك؛ فتعيش هذه الشعوب فوضى خلاّقة جديدة؛ وتكون قد حنّت لماضيها التي ثارت عليه، وصارت تترحم على (أيام زمان)!

 

تطويل الأزمات الداخلية حتّى تنتهي لمصالح الغرب!

النمط التطويلي للأزمات معترف به على ألسنة الغربيين؛ فقد كتب “وود” وزير الخارجية في خطاب إلى اللورد الجن، الحاكم العام للهند في 1882م – 1883: لقد حافظنا على سلطتنا على الهند بتأليب طرف على آخر وينبغي أن نستمر في القيام بذلك، ومن ثمّ يتعيّن أن تفعل كلّ ما في وسعك للحيلولة دون أن يتبنّى الجميع مشاعر مشتركة”. ويكتب “الفيكونت روس”، وزير الدولة البريطانية، في رسالة لنائب ملك بريطانيا اللورد دوفرن فيقول: “التقسيم للمشاعر الدينية يحقق الكثير لمصلحتنا”! (4)

 

إنّ المتتبع للأسباب الغربية للصراعات الطائفية والدينية والقومية الدموية في المجتمع العثماني؛ يجد أنّ من خلفها إذكاء الأزمات والعنصريات والطبقيات، وقد شرح ذلك المؤرخ الأمريكي المختص في التاريخ العثماني “دونالد كواترت” في كتابه الدولة العثمانية ، وبيّن أن الإمبراطورية العثمانية كانت عبر تاريخها تستوعب قوميات كثيرة وطوائف دينية مختلفة متعايشة فيما بينها، وأن تدهور علاقات الطوائف في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر سببه تسلط الرأسمالية الغربية من جهة وتدخل الدول الكبرى في الشئون الداخلية للدولة العثمانية، ومن سخريات التاريخ أن بريطانيا وفرنسا أذكتا نار الكراهية العربية للحكم العثماني ثم اتخذتا من هذه الكراهية التي صنعتاها ذريعة أخلاقية لتفكيك الدولة العثمانية(5).

 

وما جرى بالأمس فإنّه يجري اليوم؛ فشهاب الدين أسوأ من أخيه؛ ففي كتاب الدبلوماسية لكيسينجر؛ شرح وافٍ في مفاصل كثيرة من فصول الكتاب يتحدث أنّه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تحل أي مشكله في العالم لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة(6). إنّه صراع يكسب منه الجميع؛ يصل إلى أن يوصي “يادلين” رئيس الاستخبارات الإسرائيلية بإطالة أمد الصراع في سوريا بقوله: هذا يفيدنا لأنه يفضي إلى تفككها! سيناريو التفكك يخدم مشروع إسرائيل!

 

وليس الحال ببعيد عن الوضع الفلسطيني؛ فمنذ أن انطلقت المفاوضات الفلسطينية؛ يعلم كل متابعٍ حصيف أنّ الكيان الصهيوني ما كان جاداً في جلسات التفاوض، بل يتريّض مع المفاوض الفلسطيني، حتّى أنّ الاعترافات من الأفواه الصهيونية نطقت بذلك؛ فقد قال وزير الحرب الصهيوني السابق يقول: “لا أرى إمكانية حل الصراع طالما كنت على قيد الحياة”!

لقد قالوا كلمتهم في تفريقنا بعدما رأوا واقعنا الأليم؛ فمتى ستتوحد الأمّة المسلمة فيما بينها وتكون سداً منيعاً ضدّ مخططات الآخرين؟!.. عسى أن يكون قريباً..
______________________________________________________________________________________________________
1. حروب الجيل الرابع، د. عبد الفتاح عبد الباقي، صحيفة البيان الإماراتية:
http://bit.ly/2vd2YZ3
2) كتاب نصر بلا حرب، ريتشارد نيكسون:
http://bit.ly/2uA569k
3) واشنطن بوست: لماذا يجب على الولايات المتحدة ألا تدعم جنرالات مصر؟
http://bit.ly/2vGwLKb
4) عن كتاب التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين ، ترجمة كمال السيد، عرض : محمد صلاح غازي:
http://bit.ly/2vfu4wR
5) الدولة العثمانية 1700- 1922، دونالد كواترت، ترجمة: أيمن أرمنازي ، ص 305- 307 و335.
6) صحيفة الشارع نيوز:
http://bit.ly/2fnsV2c

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى