مقالاتمقالات مختارة

كيف سيكون رمضان سببا في نهاية هذا الوباء!

كيف سيكون رمضان سببا في نهاية هذا الوباء!

بقلم راجي سلطاني

يصيب الله الناس بالبأساء والضراء ليتضرعوا!

قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42].

وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون:76].

وقال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:43].

وفي تفسير الآية الأولى يقول ابن كثير: “وقوله {لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ…} يعني: الفقر والضيق في العيش. والضراء، وهي الأمراض والأسقام والآلام. لعلهم يتضرعون! أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون”.

وفي تفسير الآية الأخيرة يقول ابن كثير: “قال الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا…} أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا؟ ولكن قست قلوبهم، أي: ما رقت ولا خشعت. وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، أي: من الشرك والمعاصي”.

ومعنى التضرع كما جاء في معاجم اللغة: تضرَّع إلى الله أي: تذلّل وخضع له، تقرَّب وتوسَّل إليه، ابتهل إليه ودعاه.

وكل تفسيرات العلماء لمعنى التضرع إلى الله تذهب للإلحاح في الدعاء مع التذلل والانكسار.

وبعضهم تحدث عن أن التضرع هو الجأر بالدعاء بصوت مسموع فيه خشوع وتذلل وانكسار.

وقد ذكر بعض المفسرين أن قوم يونس خرجوا إلى الطرقات واصطحبوا نساءهم وأطفالهم ودوابهم ودعوا وجأروا إلى الله، وقيل إنهم ظلوا على هذه الحالة أياما يدعون ويستغيثون ويتضرعون ويبكون فكشف الله عنهم عذاب الدنيا منةً منه وفضلاً.

وإذا كان معنى الدعاء هو الغالب في تفسير التضرع، فإن معنى العبادة والتبتل هو من التضرع كذلك.

ففي العبادة خضوع حقيقي لله، وتنفيذ لمراده، ودافع أكبر لقبول الدعاء منه.

ولكل قول حقيقة كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – فلن يقبل الله تضرعا، إلا إذا كان هذا التضرع مسنودا بقرب من الله تعبداً: فريضة ونفلا.

فهب أن قوما تضرعوا لله في دعائهم تضرعاً كبيراً، وهم في حين تضرعهم لا يؤدون ما عليهم من فرائض، ولا يتقربون لله بالنوافل، فهل يتخيل أحد أنّ الله سيلتفت إلى دعائهم وتضرعهم.

التضرع يعني الدعاء لله بتذلل وخضوع وانكسار مع تأدية حق الله من العبادة، والإقبال على ما أمر به والانتهاء عمَّا نهى عنه.

عندما خرج قوم يونس ليتضرعوا إلى الله بالدعاء في الشوارع، خرجوا وقد قدّموا الإيمان بالله على تضرعهم، خرجوا يعلنون إيمانهم وتوبتهم قبل دعائهم وتضرعهم.

ولا بد للمؤمنين أن يقدموا لله عباداتهم وأعمالهم مقدمةً لتضرعهم إليه وطلبهم منه.

ولذلك فنحن كنا أحوج ما نكون إلى الصلوات في المساجد، والطواف حول البيت الحرام، والدعاء والتضرع لله جماعات في هذه الحالة التي نعيشها مع هذا الوباء.

فإن الاجتماع للعبادة والدعاء هو أعظم صورة من صور التضرع، وهو ما فعله قوم يونس كما ذُكر، وكان سبباً في رفع العذاب عنهم.

أما وإنّ هذا الوباء الذي نعيشه يُحتم علينا أن نتباعد وأن لا نجتمع، فإن المفرض الذي كان يجب علينا، أن نجتمع لعباداتنا وتضرعنا، مع أخذ الحيطة والحذر، واتخاذ كافة التدابير الاحترازية الممكنة.

ولمّا لم نفعل ذلك، ولما أغلقنا مساجدنا، وأغلقنا الحرمين الشريفين، ولم يعد هناك طواف بالبيت، ولا صلاة جماعة، ولا أية صورة من صور العبادة الجماعية والتضرع الجماعي، جاء رمضان، ليكون به هذا التضرع الجماعي، في استجابةٍ لأمر الله بالصوم الجماعي، حيث مئات الملايين من المسلمين يمتنعون عن الطعام والشراب والشهوة في وقت واحد، وهي صورة من أبلغ صور التضرع العملي لله.

المسلمون عندما يصومون معا من بعد أذان الفجر، ويفطرون معا عند أذان المغرب، فإنهم يؤدون صورة عملية من صور التضرع، في وقت يحتاجون فيه لذلك التضرع العملي الجماعي، الذي فقدوه بعد إغلاق مساجدهم وتعطيل جماعاتهم وجُمعهم.

وعندما يدعون الله عند إفطارهم متضرعين، فإنهم حينها يدعون الله متضرعين جماعاتٍ في نفس الوقت، ولكنْ كلٌ في بيته ومقامه.

وعندما يصلون العشاء والتراويح في وقتها، فإنهم يتضرعون لله جماعاتٍ، ولكنْ كلٌ في بيته ومقامه.

يتحدث البعض عن أن وباء الكورونا سينتهي بحلول يوم العشرين من مايو، وتكتب عن ذلك صحف مقربة من أنظمة حاكمة في بعض البلدان العربية، وتتحدث هذه الصحف عن أبحاث علمية في ذلك.ومعروف ما دأبت عليه هذه الصحف من كذب وتدليس، وادعاء أي شيء.

ولمّا أنْ ادّعت هذا الادعاء الذي لا نجد عليه دليلاً موثّقا، ويبدو أنه كذب في كذب، خرج البعض ليقول إن ذلك سيوافق ليلة القدر، وسيرفع الله هذا الوباء عن الأرض في ليلة القدر لقدرها وشرفها.

وبرغم أن الأمر هو محض افتراء -في الغالب- إلا أننا يجب أن ننتبه إلى العشر الأواخر وإلى تحري ليلة القدر، فهي ليلة قال الله فيها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] أي: يقضي الله فيها أمر السنة كلها، من يموت ومن يولد ومن يعز ومن يذل، وسائر أمور السنة… كما ورد في تفسير الطبري.

ومعروف ما في ليلة القدر من الرجاء في استجابة الدعاء، فكيف بملايين المسلمين الذين يلتمسون هذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان، فيقومونها ويتضرعون لله فيها أن يرفع الله البلاء الذي نعيشه.

يجب علينا أن نشمر للعشر الأواخر، قياماً وذكراً وتضرعاً، فلا فرار من الله إلا إليه، وإن الله في هذه الليالي يعتق من النار ما لم يعتقه من قبل، ويقبل من الدعاء والتضرع ما لم يقبله من قبل.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى