مقالاتمقالات مختارة

كيف تعامل دعاتنا ومؤسساتنا الدينية مع أزمة كورونا المُستَجَد؟

كيف تعامل دعاتنا ومؤسساتنا الدينية مع أزمة كورونا المُستَجَد؟

بقلم أحمد التلاوي

في الواقع فإن هذا التساؤل في ظل ظروف وباء كورونا المستجد لا يتعلق بشائع التصوُّر بشأن مسؤولية المؤسسات الدينية والدعاة والعلماء عن الأحكام الفقهية المتعلقة بكيفية التعامل مع الأمور المتعلقة بالصلاة والحَج والعمرة وسائر العبادات الأخرى في أوقات الأوبئة والجائحات، أو فيما يتعلق بأحكام الحركة من وإلى المناطق الموبوءة؛ فالأمر أعمق وأكثر شمولاً من ذلك.

ويأتي العمق والشمول من عمق وشمول الشريعة الإسلامية، وكون الإسلام ديناً شاملاً يغطِّي سائر مناحي حياة المسلم، ومن صميم واجبات المسلم أن يحيا حياته وفق التصور الإسلامي، أو العمل وفق مبدأ سددوا وقاربوا على أقل تقدير.

وبالتالي فإنه في ظروف الوباء فإن هناك أدواراً أكبر على الأطر العاملة في حقول العمل الإسلامي المختلفة، سواء على مستوى الشخوص أو المؤسسات، وبالذات في مجالات الدعوة والأخلاق، والتربية والسلوكيات أكبر من مجرَّد الحديث عن إصدار فتوىً أو ما شابه .

وبدايةً عندما نتساءل عن الكيفية التي تعاملت بها هذه الأطر فإننا نقف أمام بعض الظواهر شديدة السوء، والتي انتقصت من دورهم، ومن صورتهم سواء أمام المسلمين أو أمام غير المسلمين.

الظاهرة الأولى/ تسييس الموقف والفتوى: والمؤسف أن هذا حدث من بعض الأعلام المعروفين والذين لهم جمهور كبير ومنصات حركية وإعلامية ذات صيت وتأثير يخرجون على الجمهور العام منها.

وبدا ذلك أكثر ما بدا من بعض الأوساط الدعوية المحسوبة على بعض الحركات الإسلامية، عندما بدأت بعض الدول العربية في إجراءات غلق المساجد وتعطيل الجُمَع فيها، منعاً لانتشار عدوى الوباء، وبالخصوص في المملكة العربية السعودية، عندما طال الغلق أولاً الحرمَيْن الشريفَيْن ليوم واحد للتعقيم، ثم الغلق الكامل بعد ذلك وصولاً إلى إلغاء شعيرة العمرة لفترة من الزمن.

هنا تدخَّل عامل السياسة الضيقة عندما هاجم بعض العلماء والمنصات الدعوية المعارضة لبعض الحكومات العربية -وللحكومتَيْن الإماراتية والسعودية على وجه الخصوص- هذه القرارات، وصورها على أنها من نادر الحدث، وأنها حربٌ على الدين، وأنها نذير شؤم وما إلى ذلك، ثم عندما تفشَّى الوباء في كل الدول، وأخذت حكومات بلدان أخرى -مثل قطر وتركيا- تتعامل مع الموقف بصورة مختلفة، بالعودة إلى الاعتبارات الموضوعية في الحكم على المواقف والقرارات الرسمية.
في الحقيقة، وبعيداً عن الحكم الشرعي الصحيح لهذه القرارات؛ فلست بأعلم الناس بها، فإن التوظيف الإعلامي السياسي للموقف أضرَّ كثيراً بصورة الدعوة ورموزها في وقت من المفترض بعد أزمات وخطايا السنوات الماضية، أننا نبحث عن تحسين الصورة الذهنية، ونصحِّح الموقف، لا أن تبدو المؤسسات والدعاة أدوات سياسية ضيقة .

الظاهرة الثانية/ كانت في الكيفية التي أدير بها الخلاف الفقهي في صدد هذه القرارات: البعض رآها سليمة من الناحية الشرعية، والبعض رآها خاطئة، وكلاهما استدل ببعض الأدلة الشرعية، وهذه نقطة سلبية في حد ذاتها؛ فقد كان من المفترض أن يجتمع جمهور العلماء والمؤسسات، والخروج بموقِّف موحَّد.

ثم لم يقف الأمر عند هذا الحد؛ لأن إدارة الخلافات في الأحكام الفقهية وصل إلى مستوى لا أخلاقي في بعض المواضع، شمل التشكيك والتخوين، بل وتبادل السُّبَاب والاتهامات بالجهل في بعض الأحيان .

وكان ذلك لأسباب سياسية أو مذهبية، وبقطع النظر عن الانتماءات الحركية أو أسماء هؤلاء العلماء أو هوية هذه المؤسسات، فإن تأثير ذلك ليس بحاجة إلى الذِّكْر، فقد ضاعف من حجم مأزق الدعوة والدعاة والحركة الإسلامية بالكامل عند أجيال باتت الآن في حكم المنفلتة ليس عن العمل الإسلامي، وإنما عن التديُّن المطلوب في حياة الناس جميعاً.

الظاهرة الثالثة/ ضعف التعامل مع الجوانب الأخرى المتعلقة بالوباء وآثاره: أخذت القضايا المشار إليها، وقف صلاة الجماعة في المساجد، وتعطيل الجُمَع، وغلق الحرمَيْن الشريفَيْن وتعطيل العمرة -والآن السلطات السعودية بدأت تتحدث عن احتمال لتعطيل موسم الحج هذا العام لو استمر الوباء في التفشِّي- نقول إن هذه القضايا أخذتْ الحيَّزَ الأكبر في الاهتمام، وبصورة المناكفات السابق الإشارة إليها.

بينما لم نجد إلا عدداً قليلاً من الدعاة والمفكرين الإسلاميين قد اهتموا بنواحٍ أخرى أكثر أهمية، تمس العقيدة ذاتها، مثل كيفية التعامل مع القضاء والقدر، وكيفية تقييم الموقف من زاوية أمر المسلم الذي كله خير، وتوصيف الموقف بدقة بين كونه ابتلاءً للاختبار، أو للعقاب على تقصيرنا وذنوبنا وخطايانا، وطمأنة جمهور المسلمين الخائف من أن يكون ما يجري هو غضبٌ من اللهِ تعالى.

لم نجد إلا عدداً قليلاً من الدعاة والمفكرين الإسلاميين قد اهتموا بنواحٍ أخرى أكثر أهمية، تمس العقيدة ذاتها، مثل كيفية التعامل مع القضاء والقدر، وكيفية تقييم الموقف من زاوية أمر المسلم الذي كله خير، وتوصيف الموقف بدقة بين كونه ابتلاءً للاختبار، أو للعقاب على تقصيرنا وذنوبنا وخطايانا، وطمأنة جمهور المسلمين الخائف من أن يكون ما يجري هو غضبٌ من اللهِ تعالى

ويزيد من أهمية هذا الجانب، وبالتالي أهمية كان أن يكون أولوية كبرى لدى الدعاة والعلماء، أن جيلاً جديداً من المسلمين نشأ فعلاً في ظل ظروف تغيب فيها الرؤية التي كانت تقدمها محاضن الحركة الإسلامية، بل ونشأ على أن الحركات الإسلامية عدوة إلى أن يثبت العكس.

ومن ذلك أن دعاة مخضرمين يعملون في حقل التنمية البشرية منذ عقود طويلة، لم يجتهدوا لتقديم أية حلول أو نصائح لكيفية التعامل مع مشكلات ذات طابع فني، مثل إدارة الوقت في العزل الإجباري، والتفاعل النفسي والعاطفي مع الموقف، وإدارة علاقاتك مع الأسرة والآخرين في ظل ظروف التباعُد الاجتماعي، أو ضاغطة على النفس، وبالتالي لها أثرٌ سلوكي على المحيطين بالإنسان في عزله من أفراد أسرته القريبة: الزوجة والأبناء وكذا، في جانب الضائقة المعيشية.

كذلك لم نر الكثير من المبادرات أو المحاضرات في كيفية التعامل مع ضائقة الرزق التي ضربت العالم بالكامل، سيما فئة الشباب والفئات الأضعف والأقل تمكيناً، وتوقف الكثير من فرص العمل.

وهنا تنبغي الإشادة بدور المدونين ومنصاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد قدَّم هؤلاء – وكثيرون منهم من عوام الناس والمؤثرين غير المنتمين إلى الحركة الإسلامية، وليسوا من المتدينين أصلاً – قدَّموا الكثير من الأفكار الفعَّالة في كثير من هذه النواحي، وبلغةٍ سهلة ولطيفة لاقت تجاوباً من الناس، وتشارك الجميع الخبرات بصورة فعلاً استثنائية.

الظاهرة الرابعة/ أننا لم نجد الكثير من التجاوب مع الخرافات المطروحة، سواء في الأمور الفقهية أو العلمية المتصلة بالجائحة الراهنة للوباء: ولعل أهم هذه الخرافات التي كان ينبغي الرد عليها، هو ما يرتبط بالدين؛ فقد وجدنا بعض الأمور التي تم ترديدها في البداية عن أن العالم الإسلامي محفوظ بسبب أنه إسلامي، ثم تفشَّى الوباء في أرض الحرمَيْن نفسها!

كذلك لم يخرج كثير من الدعاة بتوضيحات فيما يتعلق بموقف الإسلام من الأوبئة، وكيفية التعامل مع ظروفها الاجتماعية، وتُرِكَ المجال واسعاً لأمور ما أنزل اللهُ تعالى بها من سلطان تكلمت عن الهدي النبوي في بعض الأمور الطبية بشكل خاطئ، مما أدى أصلاً إلى تشكيك البعض في العقيدة المبنية على “ذلك”. “ذلك” الذي لا علاقة له بالإسلام، ولكن صورة الإسلام والدعوة تحملا مسؤولية جُهَّال القوم، في مقابل غياب العلماء الحقيقيين عن الصورة.

وفي الأخير… فإن الحديث السابق ليس من قبيل الادعاء، أو جلد الذات، وإنما مقصده الأساسي هو توضيح نقاط الضعف القائمة في خطابنا العلمي والدعوي، وبالتالي في حراك المؤسسات والدعاة والعلماء، بهدف التصويب من خلال السعي إلى التواصل للوصول إلى إجماع في الآراء، أو اتفاق جمهور العلماء على الأقل على الأحكام الفقهية للحدث وتبعاته، والرد على المرجفين.
كذلك ينبغي تصحيح الخرافات المتداولة، وتقديم النصائح المهمة اللازمة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة ذات الصلة، والأهم من ذلك تقديم الإسناد النفسي للناس، والابتعاد عن الصورة السوداوية للموقف .

ولو وصل بنا الحال إلى أن نقول للناس إننا ولو متنا فإننا في سبيلنا إلى رحمة اللهِ تعالى وجواره الكريم، والذي هو أرحمُ وألطفُ بنا من أنفسنا ومن أمهاتنا وأبنائنا، وأننا ولو متنا بالوباء فإننا سوف ننتقل إلى الحياة الحقيقية في الآخرة، حاملين أثر معاناتنا، وثمرة صبرنا وإيماننا بالله سبحانه وتعالى، وقبولنا لقضائه وقدره.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى