كيف انتقلت رموز الوثنيَّة إلى ملَّة أهل الكتاب؟ – 3 من 6
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
وهناك نتيجة أخرى لهذه العلاقة بين لوط وابنتيه، وهي أنَّ ثمرتيها من أبناء الزنا قد صارتا نسلًا سكن فلسطين والأراضي المجاورة، وهذا النسل كان عدوًّا لبني إسرائيل يومًا، فصار في الطعن في نسبهم في الكتاب المقدَّس ما يبرر عدم استحقاقهم للأرض. وإذا تأمَّلنا خطاب الرب لرسوله موسى (عليه وعلى سائر أنبياء الله أزكى الصلاة وأتم التسليم) في أول بعثته وأمره بالتوجُّه ببني إسرائيل إلى الأرض المقدَّسة، سنلاحظ تقليل الرب من شأن سكَّان هذه المنطقة، وهم نسل حام بن نوح، مما يبرر أحقِّية بني إسرائيل في تلك الأرض. يقول الرب في سفر الخروج “قَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ. فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ” (إصحاح 3: آيتان 7-8).
أعاد الرب هذه العبارة في سفر التثنية، ولكن بتبرير آخر لطرد سكَّان الأرض المقدَّسة منها. فالأمر الربي قد صدر بتخريب تلك الأرض وإخراج أهلها منها بسبب كفرهم وبنائهم المرتفعات ووضعهم الأصنام عليها “تُخْرِبُونَ جَمِيعَ الأَمَاكِنِ حَيْثُ عَبَدَتِ الأُمَمُ الَّتِي تَرِثُونَهَا آلِهَتَهَا عَلَى الْجِبَالِ الشَّامِخَةِ، وَعَلَى التِّلاَلِ، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. وَتَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتُحْرِقُونَ سَوَارِيَهُمْ بِالنَّارِ، وَتُقَطِّعُونَ تَمَاثِيلَ آلِهَتِهِمْ، وَتَمْحُونَ اسْمَهُمْ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ“(إصحاح 12: آيتان 2-3). وأعيد هذا الأمر في سفر العدد يخاطب الرب موسى قائلًا: ” كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّكُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، فَتَطْرُدُونَ كُلَّ سُكَّانِ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ، وَتَمْحُونَ جَمِيعَ تَصَاوِيرِهِمْ، وَتُبِيدُونَ كُلَّ أَصْنَامِهِمِ الْمَسْبُوكَةِ وَتُخْرِبُونَ جَمِيعَ مُرْتَفَعَاتِهِمْ” (إصحاح 33: آيتان 51-52). ومن المثير للانتباه أنَّ جرائم سكَّان الأرض المقدَّسة التي يعيبها الرب في التوراة وبررت طردهم منها هي ذاتها التي فعلها بنو إسرائيل-كما سيوضح لاحقًا-وفق ما جاء في أسفار متعددة، منها الملوك الأول والثاني وحزقيال ودانيال وعزرا. فإذا كان الطرد بلا رجعة من الأرض المقدَّسة هو جزاء سكَّانها الأصليين، فمن أين يستمد بنو إسرائيل حقُّهم في العودة إليها؟ الإجابة هي: من وعد الرب لإبراهيم بالمُلك الأبدي لإسحق وبنيه على تلك الأرض، الوارد في الإصحاح 15، والمؤكَّد في الآيتين من سفر التكوين “سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ” (إصحاح 17: آيتان 18-19).
نأتي إلى موقف القرآن الكريم من أعضاء الذكور والإناث التناسلية، والتي وصفها بـ “السوءة“، بلا أي إشارة إلى التقديس أو التوقير، ولا أي اعتبار إلى أنَّهما السبب في التكاثر لأنَّ ذاك التكاثر يضاهي عملية الخلق. فقد ورد في الآية 27 من سورة الأعراف: “يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ”.
3.تصوير ظهور الرب في الكتاب المقدَّس: أقرب المصادر الإسلامية أم إلى رموز آلهة الأمم الوثنيَّة؟
نأتي إلى فكرة ظهور الرب قبل تجسُّده في صورة المسيح، وفق العقيدة التي ينقلها الكتاب المقدَّس بعهديه، حيث أنَّ ظهور المسيح بعد قيامته لا يُشار إليه في هذه المرحلة، باعتبار أنَّه قد كان بعد التجسُّد. أمَّا قبل تجسُّد الرب في صورة يسوع الناصري، فقد ظهر في أكثر من موضع في العهد القديم، لكنَّ وصفه الشكلي جاء في أسفار الخروج ودانيال وحزقيال في أوضح صورة. ورد وصف الرب في العهد الجديد كذلك في رؤيا يوحنَّا اللاهوتي وفي إنجيل متَّى.
1.في سفر التكوين
كان أول ظهور للإله في العهد القديم في الإصحاح 17 من سفر التكوين (آيتان 1 و2): “وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً. فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا».” سبقت الإشارة إلى العهد الذي منحه الرب لإبراهيم ونسله من ناحية إسحق في النقطة السابقة. ما يُعني في هذا السياق أنَّ الرب يظهر وتراه الأبصار ويتحاور مع البشر، ولكن لم يرد أبدًا أي وصف لشكله.
2.في سفر الخروج
إذا تطرَّقنا إلى وصف الرب عند ظهوره أمام موسى في سفر الخروج (إصحاح 3: آيات 1 إلى6)، فقد كان كالتالي: “وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ. وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟». فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!». فَقَالَ: «ها أَنَا ذَا». فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ». ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ.” ظهر الرب إلى موسى وسط النار، وتلك النار هي التي أشارت إلى وجوده، حيث لفت نظره أنَّ العلِّيقة التي في النار لم تحترق، وقد رآها وهو “يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ”، أي بالنهار. ينادي الرب موسى كي يتحدَّث إليه، فيغطي موسى وجهه “لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ،” مما يعني أنَّ النظر إلى الرب هنا كان ممكنًا.
أمَّا الرواية القرآنية في الآيات (7-9) من سورة النمل فتقول: “إِذْ قَالَ موسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9).” وفق اتِّفاق المفسِّرين، ومن بينهم عبد الله بن عبَّاس (رضي الله عنهما)، أنَّ المقصود بقوله تعالى “أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ” بوركت النار، والمقصود بقوله “وَمَنْ حَوْلَهَا” الملائكة. في حين رأى آخرون أنَّ المقصود أنَّ بالنار هو نور الرحمن، لكن لم يذكر أيٌ من المفسِّرين أنَّ النار هنا تجسيد لله تعالى، وأنَّه كان بداخلها. وهنا رأي يقول أنَّ المقصود بقوله “ فِي النَّارِ” من في قرب النار، أي رسول الله موسى.
يروي سفر الخروج في الإصحاح 4 ما جرى في حوار الرب مع موسى (آيات 2-7): “قَالَ لَهُ الرَّبُّ: «مَا هذِهِ فِي يَدِكَ؟» فَقَالَ: «عَصًا». فَقَالَ: «اطْرَحْهَا إِلَى الأَرْضِ». فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ فَصَارَتْ حَيَّةً، فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا». فَمَدَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ، فَصَارَتْ عَصًا فِي يَدِهِ. «لِكَيْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لَكَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِهِمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّبُّ أَيْضًا: «أَدْخِلْ يَدَكَ فِي عُبِّكَ». فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، وَإِذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ الثَّلْجِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: «رُدَّ يَدَكَ إِلَى عُبِّكَ». فَرَدَّ يَدَهُ إِلَى عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ عُبِّهِ، وَإِذَا هِيَ قَدْ عَادَتْ مِثْلَ جَسَدِهِ.” ورد في هذه الآيات ثلاثة أشياء تُستخدم في الرمز إلى الرب في العقائد الوثنية، وهي العصا والحيَّة واليد. يستعين موسى بهذه الأشياء في صُنع معجزات يُثبت بها نبوَّته، وفي هذا ما يتَّفق مع ما جاء في الآيات (10-12) من سورة النمل: “وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ.” تبيِّن الآيات من سورة النمل أنَّ العصا التي تتحوَّل إلى حيَّة واليد مجرَّد “آيَاتٍ“. مع ذلك، فنفس هذه الأشياء عُدَّت رموزًا تشير إلى الرب في مواضع مختلفة من الكتاب المقدَّس.
- العصا
إذا بدأنا بالعصا، فمن دقَّة الإخبار القرآني عن هذه العصا أن ورد في الآيتين (17-18) من سورة طه سؤال لله تعالى لموسى عن العصا “وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا موسى”؛ وردٌّ من موسى عن طبيعتها “قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى”. أمَّا في سفر الخروج، فكان السؤال والرد في الآيتين 2 و3 من الإصحاح 4 في سفر الخروج كالآتي: “قَالَ لَهُ الرَّبُّ: «مَا هذِهِ فِي يَدِكَ؟» فَقَالَ: «عَصًا». فَقَالَ: «اطْرَحْهَا إِلَى الأَرْضِ»”، أي أنَّ موسى لم ينسبها إلى نفسه؛ ولذلك أصبحت “عصا الله”، كما ورد وصفها في الآية 20 من الإصحاح 4 من سفر الخروج “وَأَخَذَ مُوسَى عَصَا اللهِ فِي يَدِهِ”. تطوَّرت العصا من مجرَّد عصا “يتوكأ عليها موسى ويهشُّ بها على غنمه” إلى تجسيد للإله، وهذا ما ورد في الإصحاح 17 من سفر العدد.
ويروي سفر العدد عن ثورة اشتعلت ضد موسى من بني سبط لاوي لأخذ الرئاسة من موسى ونقلها إلى سبط رأوبين، فطلب موسى من بني إسرائيل أن يأخذ كل سبط منهم عصا، ويكتب اسم رئيس السبط على عصاه، وكتب اسم هارون على عصا لاوي. وأخذ موسى الاثنتين عشرة عصا ووضعها أمام الرب في خيمة الشهادة، وفي اليوم التالي “دَخَلَ مُوسَى إِلَى خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا عَصَا هَارُونَ لِبَيْتِ لاَوِي قَدْ أَفْرَخَتْ. أَخْرَجَتْ فُرُوخًا وَأَزْهَرَتْ زَهْرًا وَأَنْضَجَتْ لَوْزًا. فَأَخْرَجَ مُوسَى جَمِيعَ الْعِصِيِّ مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَظَرُوا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ. وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «رُدَّ عَصَا هَارُونَ إِلَى أَمَامِ الشَّهَادَةِ لأَجْلِ الْحِفْظِ، عَلاَمَةً لِبَنِي التَّمَرُّدِ، فَتَكُفَّ تَذَمُّرَاتُهُمْ عَنِّي لِكَيْ لاَ يَمُوتُوا»” (سفر العدد، إصحاح 17: آيات 8-10).
ولأنَّ كلمة “لوز” بالعبريَّة تشبه كلمة “يراقب” إلى درجة كبيرة جدًّا في النُطق، فهي رمز هنا لمراقبة الرب لما يفعله بنو إسرائيل، أو لتقل هي تجسيد للعين المطَّلعة على كلِّ شيء؛ وقد ورد في سفر ارميا ما يؤيد ذلك: ” ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلاً: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا ارميا؟» فَقُلْتُ: «أَنَا رَاءٍ قَضِيبَ لَوْزٍ». فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا»” (إصحاح 1: آيتان 11-12). أصبحت العصا تجسيدًا لشجرة الحياة في القبَّالة، المعروفة بالسيفروت؛ وهي عبارة عن شجرة من عشرة عناصر، يحاكي كلُّ عنصر فيها صفةً من صفات الرب في عقيدة القبَّالة. وأدقُّ تعريف للقبَّالة هو أنَّها مجموعة من معتقدات التصوُّف اليهودي غنوصيَّة الطابع؛ أي أنَّها تؤمن بعقيدة أنَّ الخلق عبارة عن فيوض نورانية من الرب توصل بينه وبين خلقه من خلال بعض الأنشطة الروحية. لا شكَّ في أنَّ في العبارة الواردة في الآية 12 “«أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا»” ما يشير إلى أنَّ اللوز هنا رمز إلى عين العناية الربية في الماسونيَّة، والتي يعتبرها عين الرب الساهرة لحماية الإنسانية، فيصبح أقرب شكل لها الشكل أعلاه.
- اليد
ورد ذكر يد الرب في الكتاب المقدَّس في عدَّة مواضع، سواءً بالمفهوم الحسِّي الملموس أو المعنوي.
من الآيات التي ذُكرت فيه اليد لتحمل معنى حسيًّا:
سفر اشعياء “وَقَالَتْ صِهْيَوْنُ: «قَدْ تَرَكَنِي الرَّبُّ، وَسَيِّدِي نَسِيَنِي». «هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ. هُوَ ذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ. أَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِمًا” (إصحاح 49: آيات 14-16).
سفر اشعياء “لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، الْقَائِلُ لَكَ: لاَ تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ” (إصحاح 41: آية 13).
مزمور 110 “قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ». يُرْسِلُ الرَّبُّ قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ” (آيتان 1-2). يشير ذلك إلى مساواة الأب والابن في مستوى الجلوس.
ومن الآيات ذات الإشارة المعنوية لليد:
رسالة بطرس الرَّسول الأولى: “فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ” (إصحاح 5: آية 6).
سفر عزرا: “وَنَادَيْتُ هُنَاكَ بِصَوْمٍ عَلَى نَهْرِ أَهْوَا لِكَيْ نَتَذَلَّلَ أَمَامَ إِلهِنَا لِنَطْلُبَ مِنْهُ طَرِيقًا مُسْتَقِيمَةً لَنَا وَلأَطْفَالِنَا وَلِكُلِّ مَالِنَا. لأَنِّي خَجِلْتُ مِنْ أَنْ أَطْلُبَ مِنَ الْمَلِكِ جَيْشًا وَفُرْسَانًا لِيُنْجِدُونَا عَلَى الْعَدُوِّ فِي الطَّرِيقِ، لأَنَّنَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ قَائِلِينَ: «إِنَّ يَدَ إِلهِنَا عَلَى كُلِّ طَالِبِيهِ لِلْخَيْرِ، وَصَوْلَتَهُ وَغَضَبَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَتْرُكُهُ»” (إصحاح 8: آيتان 21-22).
إنجيل يوحنَّا: “أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ” (إصحاح 10: آيتان 29-30).
أمَّا في القرآن الكريم، فقد ذُكرت اليد للإشارة فحسب إلى المفهوم المعنوي لليد، وذلك في الآيات 64 من سورة المائدة، و75 من سورة ص، و71 من سورة يس، و67 من سورة الزمر، و45 من سورة الحاقة، و8 من سورة الفتح، و29 من سورة الحديد. ولو أخذنا الآية 71 من سورة الأنعام مثالًا “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ”، لوجدنا أنَّ ذكر اليد هنا إشارة إلى خلق الله الأنعام بنفسه، ودون أن يشاركه في ذلك أحد. ولو تأمَّلنا الآية 45 من سورة الحاقَّة “لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ“، سنجد أنَّ اليد اليمنى هنا كناية عن القدرة والقوَّة.
(المصدر: رسالة بوست)